جامع صاحب الطابع.. إرث تاريخي يروي حكايات تونس القديمة
في وسط المدينة العتيقة في العاصمة تونس، يقع جامع صاحب الطابع أو ما يطلق عليه أيضا جامع الحلفاوين، والذي يعتبر أول جامع يبنيه وزير مملوكي يدعى يوسف صاحب الطابع بالخوجة، عام 1808 بعد أن كان بناء الجوامع يعود دائما للأمراء، وتم تدشين هذا الجامع سنة 1814.
بني هذا الجامع في عهد البايات الحسينيين (1705-1957) من قبل أمين المهندسين الحاج ساسي بن فريجة، وبني بسواعد مجموعة من الأسرى الإيطاليين الذين سقطوا في أيدي القراصنة التونسيين، ما جعل الطابع المعماري الإيطالي يطغى على هذا المعلم ما زاد في جماليته وبهائه.
يقع الجامع قبالة ساحة "الحلفاوين"، وبني في طابق علوي مطل على كل أزقة الحي برخام مستورد من جنوبي إيطاليا، وهو بمثابة مركب ديني يضم مجموعة من البنايات المتمثلة في جامع وتربة ومدرستين وفندق ودكاكين وحمام ويحذوه قصر يوسف صاحب الطابع.
يتوسط الجامع صحن وبيت صلاة مزوقة بـ3 أروقة مزينة بزخارف من الجص الأبيض، ومحراب مصنوع من المرمر متعدد الألوان، ومئذنة ذات طابع عثماني ارتفاعها 25 مترا، مبنية من "الحرش" و"الكذال"، وبقيت بلا فانوس حتى عام 1970، أما الجدران فكانت ملبسة بالمرمر.
نهاية مأساوية لصاحب الطابع
وقتل يوسف صاحب الطابع عام 1815 بعد سنة من تدشين الجامع، ودفن هناك إلى جانب الوزير والجنرال سليمان كاهية والقائدين سليم خوجة ورشيد مملوك.
وصاحب الطابع، الذي ولد عام 1765 كان عبدا ومملوكا من أصل مولديفي اشتراه بكار الجلولي، قائد محافظة صفاقس، من إسطنبول وأهداه إلى حمودة باشا بمناسبة اعتلائه العرش.
وترعرع بالقصر وكان ذكيا وكسب إعجاب السلطان الذي عينه حافظا لأختامه، أو صاحب الطابع، وتمتع بنفوذ قوي وأصبح الرجل القوي في عهد حمودة باشا إلى أن تقلد منصب الوزير الاول.
ما دفع حاشية قصر الباي في باردو إلى إبعاده كان اتهامه باطلا بإثارة الدسائس ضد شخص الأمير وأمن الدولة، ما دفع الباي إلى طلبه للوقوف أمامه ليستجوبه بحضور متهميه، وهو ما دفع هؤلاء لاغتياله طعنا بالخنجر داخل الرواق الذي يقود إلى قاعة الاستجواب مدعين أنه أعلن ثورته ضد الباي، وذلك خوفا من كشف أمرهم خلال المواجهة.
ونكل الأهالي ممن وقع شراؤهم بجسده وقاموا بجر جسده الممزق في شوارع مدينة تونس لينتهي به المطاف مرميا في المقبرة المسيحية.
لكن تدخل الولي الصالح سيدي إبراهيم الرياحي لدى الباي، ما مكن عائلة الوزير من تسلم الجسد لتدفن جثة صاحب الطابع بتربته التي بناها داخل جامعه.
الجامع أضاف جمالا على" الحلفاوين"
يقول حسين الصمعي الباحث في التاريخ لـ"العين الاخبارية" إن يوسف صاحب الطابع اختار بناء هذا الجامع في حي الحلفاوين لقربه من قصر الباي بباردو، كي يكون قريبا من مركز عمله باعتباره وزيرا.
وتابع: "هذا الجامع أضاف لمسة جمالية على منطقة الحلفاوين ما جعل وزراء آخرين وعسكريين كبار وتجار أثرياء يقلدون صاحب الطابع ويبنون قصورا هناك".
وأشار إلى أنه في شهر رمضان يكون حي الحلفاوين وجهة للتونسيين للتنعم بعبق الماضي وجمال التاريخ لإقامة الصلاة هناك، علاوة على ارتياد المقاهي والأسواق التي تفتح ليلا.
وأكد أن هذا الجامع بعد عقود عديدة من بنائه لا يزال يحمل رمزية كبرى حيث يأتيه التونسيون من كل الجهات لتأمل زخرفته المعمارية التي يمتزج فيها عبق التاريخ بتطورات الحاضر.
aXA6IDE4LjIxNy45OC4xNzUg جزيرة ام اند امز