خبير عراقي يكشف لـ"العين" لماذا تحرير الموصل؟ ومن الرابح والخاسر؟
الدكتور أكرم هواس، أستاذ التنمية والعلاقات الدولية العراقي بجامعة كوبنهاجن، في حواره لبوابة "العين" يكشف الأهمية الإستراتيجية لتحرير الموصل.
قال الدكتور أكرم هواس، أستاذ التنمية والعلاقات الدولية العراقي بجامعة كوبنهاجن، إن تنظيم داعش الإرهابي هو مشروع ضمن آليات العولمة لخلق تغييرات في الخارطة السياسية و الاجتماعية في الشرق الأوسط.
وأضاف هواس في حواره لبوابة "العين" الإخبارية، أن الأهمية الإستراتيجية لتحرير الموصل تتعلق من جهة بسعي الحكومة العراقية لإعادة ترسيخ وحدة العراق جغرافياً و ديمغرافياً، مشيراً إلى أن جميع القوى المشاركة في تحرير الموصل في سباق مع الزمن وتحاول استثمار شبه الفراغ السياسي في الإدارة الأمريكية.
مزيد من الضوء على معركة الموصل في الحوار التالي مع الخبير الدولي أكرم هواس:
بداية.. ما أهمية تحرير الموصل إستراتيجياً؟
الأهمية الإستراتيجية لتحرير الموصل تتعلق من جهة بسعي الحكومة العراقية لإعادة ترسيخ وحدة العراق جغرافياً وديمغرافياً، لكن من جهة أخرى فإن الإستراتيجيات الدولية تحتاج أيضاً إلى تغييرات على أرض الواقع بعد دخلت في ما يشبه الركود بعد توقف تمدد داعش و الحضور الروسي العسكري المباشر، والآن تظهر تركيا و كأنها تجد الباب مفتوحاً أمام تحقيق طموحاتها التاريخية بإعادة السيطرة على الموصل و حلب و هي طموحات تمثل بقايا الحلم العثماني القديم، والأكراد من جانبهم يسعون لتحقيق حلم الدولة و الوجود السياسي المعترف به دولياً، و هكذا الكثير من الأطراف التي تحاول إعادة ترتيب الأوضاع بشكل أو بآخر، وبالتالي رسم حدود تقسيمات لمناطق نفوذ وربما ظهور كيانات سياسية جديدة أكثر قبولاً في المجتمع الدولي.
وما توقعاتك لمعركة تحرير الموصل؟
إذا كنا نعتقد أن حال القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي سينتهي معه مشاكل العراق وسوريا بشكل خاص، وربما الدول الأخرى مثل ليبيا وغيرها، فاعتقد أنه من السذاجة أن مشروع كبير مثل داعش من الممكن أن يتم حذفه من ميكانيزمات خطط التغيير في الشرق الأوسط نزولاً عند رغبة الحكومة العراقية أو نتيجة ضغط روسيا أو استجابة لدعاء الضحايا و النساء المغتصبات والأطفال اليتامى، كما أن ظاهرة داعش ستستمر تحت عناوين و تسميات و أشكال تنظيمية مختلفة، وما قد يحدث هو تغيير في المواقع وحجم تمركز داعش و مدى امتداد دولتهم المزعومة، لكن ستظهر أشكال أخرى من عوامل عدم الاستقرار والمزيد من النزيف والتشرذم في العراق وسوريا ودول أخرى.
ما مدى قدرة تنظيم "داعش" على الصمود في تلك المعركة؟
داعش سيشهد تحولات تنظيمية وبعض التغيير في المنهجيات الأيديولوجية والعملياتية، وربما تتحول إلى قوة سياسية مهيمنة بدعم دولي و إقليمي، وهذا التحول سيكون إحدى نتائج معركة الموصل، والنتائج الأخرى هي استنزاف شديد للإمكانيات العراقية وانتشار الفوضى والتهجير و ربما بعض العمليات الانتقامية والعنف هنا وهناك.
كيف تنظرون للمخاوف بشأن وقوع كارثة إنسانية في الموصل؟
الكارثة الإنسانية هي واقع حال فعلاً منذ ظهور داعش وتمددها ومن ثم عمليات تحريرها مناطق صلاح الدين و الأنبار وغيرها، فهناك مئات الآلاف من النازحين أغلبهم استوطن في مدن إقليم كردستان وكثيرون يعيشون في مخيمات تابعة للأمم المتحدة في أطراف مدن الإقليم.
هناك موجات جديدة منذ بدء عمليات تحرير الموصل والتوقعات تشير إلى وصول أعداد النازحين إلى ما يقرب من مليون، إذا الكارثة ستتوسع، لكن عندما نعرف أن الوضع المالي في العراق على وشك الانهيار بسبب الفساد و الحروب المتلاحقة، وأن مرتبات الموظفين في كردستان تتأخر لأشهر، وأن جميع المشاريع التنموية متوقفة والشباب العراقي يهاجر إلى الخارج، يمكننا تصور مستوى التأزم الذي سيحصل في حجم الكارثة بسبب تضاعف الكلفة الاقتصادية لإدارة أزمة داعش و مضاعفاتها والفوضى التي ستسود بسبب التغيير الديمغرافي و الشلل الذي سيصيب كل شيء تقريباً، خاصة أن الدول المجاورة غير قادرة على استيعاب المزيد من المهاجرين إثر تفاقم أزمة اللاجئين السوريين التي عبرت إلى داخل أوروبا، وللأسف فإن الدول العربية لا تقدم أي دعم مؤثر إلى العراق كما أن الدعم الأممي محدود بطبيعته بسبب الأزمات العالمية المتعددة، ولذلك فإن امتداد السقف الزمني لتحرير الموصل قد يوصل الجميع إلى مجاعة وانتشار أمراض وبالتالي المزيد من العنف.
إلى أي مدى زمني يمكن أن تمتد معركة تحرير الموصل؟
داعش هو مشروع ضمن آليات العولمة لخلق تغييرات في الخارطة السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط، وفق هذا المنطق يمكننا أن نتصور أن عمليات التحرير هي أيضاً جزء من ذات الميكانيزمات، إذا وفق هذه الرؤية فإن المعادلة تتوضح بالشكل التالي، وهو إطالة الحرب مع داعش إلى حين إيجاد بديل لها وبما أن البديل لن يأتي من الخارج، فان ذلك يستدعي إعادة تأهيل الأفراد، وكذلك إعادة تنظيم المجموعات و توفير الظروف المادية والأسس الفكرية والثقافية، لتحل محل داعش وهذا يستدعي وقتاً طويلاً.
ومن المؤكد أن عملية إعادة التأهيل قد بدأت منذ فترة و لكن إطالتها يتضمن المزيد من استنزاف الإمكانيات العراقية وهذا هدف بذاته كما ذكرنا، وعليه فإن عميلة الإطالة تشمل العمليات العسكرية الفعلية و عمليات تطهير الخلايا النائمة هنا وهناك وعمليات إعادة البناء والاستيطان التي ستتخللها عمليات انتقامية بحيث أن الطابع العسكري سيظل جزء أساسياً، وكل هذا يستدعي توقف كل المشاريع التنموية بسبب الحاجة الماسة و المتزايدة للأموال و الطاقات لإدارة الأزمة وتطوراتها.
لماذا تم اختيار هذا التوقيت تحديداً لتحرير الموصل؟
أهمية التوقيت يتعلق بتقاطع الإستراتيجيات المختلفة التي تحدثنا عنها في السؤال السابق، فهناك أهمية أخرى وهي الانتخابات الأمريكية ومحاولة استثمار أي نجاح في دعم ترشيح هيلاري كلينتون رغم محاولة الأمريكان استبعاد هذه النظرية عن طريق الإيحاء بعدم التدخل مباشرة لدعم القوات العراقية، وهناك أيضاً الصراع المستميت بين القوى العراقية المختلفة ومنها الصراع داخل حزب رئيس الوزراء بين أجنحة مختلفة وخاصة نوري المالكي، و كذلك بين القوى داخل الائتلاف الحاكم و بينها و بين القوى السياسية والميليشيات العراقية الأخرى، إضافة إلى الصراعات الإقليمية بين إيران وقوى المقاومة كما تسمى والسعودية و القوى التقليدية حيث الصراع الدامي في اليمن وسوريا بالإضافة إلى العراق وليبيا وغيرها.
كل هذه القوى المحلية و الإقليمية و الدولية هي سباق مع الزمن و تحاول استثمار شبه الفراغ السياسي في الإدارة الأمريكية و هي منطقة الفراغ في القرار السياسي الامريكي بين رحيل الرئيس الحالي وانتخاب وتسلم الرئيس الجديد، كما أن الحضور الروسي والدخول التركي داخل الاراضي السورية وعوامل كثيرة أخرى دفعت بتسريع توقيت عمليات تحرير الموصل.
من الأطراف المستفيدة حال تحرير الموصل بالترتيب ولماذا؟
من الواضح أن جميع القوى المذكورة سلفا تحاول الاستفادة من النتائج التي ستترتب على عمليات تحرير الموصل سواء بشكل إيجابي أو سلبي، لكن قياساً مع الاستنزاف الشاسع وتدمير البنية التحتية و التحول الكارثي في الثقافات المجتمعية، فإن الجهات التي تستفاد بشكل مباشر هي القوى المهيمنة على تجارة السلاح والمخدرات والدواء وإعادة البناء وتكنولوجيا السيطرة والميلشيات وغيرها، فسياسياً القوى الدولية والإقليمية ستستثمر النتائج لإعادة بناء إستراتيجيتها وإدارة توافقاتها في تقسيم مناطق النفوذ والهيمنة، أما المتضررون من ظهور داعش و القتل والدمار و اغتصاب النساء وتشريد مئات الألاف و الأطفال الذين فقدوا الأب والأم والتربية والمستقبل فلا أمل كبير لهم.