أسطورة الحياة والموت.. جبل الموتى يحكي واحدة من أروع عجائب سيوة
ثلاثة آلاف مقبرة تروي قصة غامضة مليئة بالألغاز؛ إنها قصة جبل الموتى بين الحياة والموت في آن واحد وهي تعتبر إحدى عجائب واحة سيوة بمصر.
الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياة الإنسان، إلا أنه يعتبر صدمة يصعب على البعض تقبلها – حتى الإنسان المؤمن يعتبرها أقسى أنواع الفراق وأقوى أنواع الألم. ولا يتوقف الموت عند فراق شخص قريب لك، بل نجد الكثير من الخرافات والبدع في صورة أحلام وأفكار ونظريات واحتمالات كلها تدل على انعدام اليقين بما هو وراء الموت.
كما نجد أن الكثير منا يريد هدم هذا الحاجز الذي يفصل بين الحياة والموت ومعرفة العوالم الخفية التي تفوق العقل البشري. لعل من حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العالم غامضا للجميع، إلا أن هناك أساطير اقتحمت العالم الواقعي الذي نعيش فيه وتركت غموضا جعلت الإنسان في حيرة ولهفة لاكتشاف تلك الألغاز وحل شفراتها، من أجل الوصول إلى حقيقة علمية حول الموت. اليوم، نأخذك في رحلة استكشافية إلى واحة سيوة المصرية لنكتشف سوياً الحقيقة وراء قصة جبل الموتى وما هي الرسالة التي تركها أجدادنا الفراعنة لنا؟
جميع الأسرار لها بداية.. فما هي بداية أسطورة جبل الموتى؟
جبل الموتى يعتبر من أكثر الآثار الفرعونية غموضاً، حيث تم اكتشافه عن طريق الصدفة عام ١٩٤٤ م عندما قام أهالي واحة سيوة بالبحث عن مكان آمن للاختباء فيه في أثناء الحرب العالمية الثانية التي دارت بين الجيوش الألمانية والإيطالية والبريطانية؛ وكانت هذه لحظة ظهور سر الجبل. وبمثابة دخول أهالي سيوة الجبل، اكتشفوا أنه عبارة عن خلية نحل عملاقة وبه فتحات عديدة تحتوي على أجمل المقابر الفرعونية المليئة بالمئات من المومياوات الفرعونية ولهذا أطلقوا عليه "جبل الموتى" أو "Mountain of the Dead".
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، قرر أهالي سيوة بناء البيوت حول منطقة جبل الموتى ليستقروا ويعيشوا في أمان، ولكن سرعان ما تحولت الأمور لتبدأ قصة جبل سيوة الملعون الذي أعلن عن أسطورة الحياة والموت، وهي أن شعب منطقة جبل الموتى لا يزيد ولا ينقص مهما دارت الأيام والسنوات، فهل هذا معقول؟!
أساطير فرعونية تعود إلى الحياة مرة أخرى
في جبل الموتى بمنطقة سيوة، الأسطورة تقول "عندما يولد طفل في الصباح، يموت شيخ ليلاً" بمعنى أنه عندما يأتي طفل جديد إلى الحياة، يموت رجل عجوز في نفس اليوم. قد يعتقد البعض أنها مجرد صدفة تتكرر لسنوات طويلة، إلا أن أهالي واحة سيوة متأكدون أن هذا الأمر يحدث نتيجة أسطورة الحياة والموت.
ويعتبر جبل الموتى الجبانة أو المقبرة الأثرية الرئيسية في واحة سيوة التي ظهرت في العصر الفرعوني، بداية من عصر أحمس الثاني، وهو أحد ملوك الأسرة السادسة والعشرين (٥٢٥ – ٦٦٤ قبل الميلاد)، وتقع مقبرته في جبل الموتى باسم "إن-بر-با-تحوت" والتي تعني "المنتمي لبيت الإله تحوت". كما أن منطقة جبل الموتى عبارة عن هضبة من الحجر الجيري ذات جزء مخروطي الذي يحتوي على مقابر النبلاء الكبيرة الرئيسية من حقب زمنية مختلفة، بدءًا من العصر الفرعوني ومروراً بالعصر الروماني ثم العصر البيزنطي (البطلمي)، ومن ثم توقف الدفن داخل تلك المقابر منذ ذلك الحين بعد الاعتراف بالديانة المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية. وإلى الآن، ما زالت الحفائر مستمرة لتكشف معلومات جديدة تضاف إلى سجل جبل الموتى.
٣٠٠٠ مقبرة تروي قصة الإنسان ما بين الحياة والموت
آمن المصري القديم بعقيدة البعث والخلود، فالموت في نظره لم يكن هو النهاية بل بداية حياة جديدة يحيا فيها الإنسان. ومن هنا، ظهرت آلاف المقابر الفرعونية في باطن جبل الموتى والتي كانت تحتوي على طعام وشراب وماء وعطور وملابس وبرديات وذهب وأوان فخارية وغيرها من القطع الأثرية التي لا مثيل لها بما يتناسب مع تلبية احتياجات المومياوات، وهذا يرجع إلى إيمانهم بوجود حياة بعد الموت وضرورة إبقاء الجسد في حالة جيدة حتى تستطيع الروح التعرف على الجسد والعودة إليه مرة أخرى.
ومن خلال النقوش والكتابات الخاصة بكل مقبرة، تسرد منطقة جبل الموتى قصصاً تاريخية مختلفة وتُظهر أحد أهم الاكتشافات الأثرية بواحة سيوة التي تأخذنا إلى عالم ما بين الحياة والموت، كما أن هناك بعض القصص التي لم يتم إثباتها حتى الآن والتي تتنبأ بوجود مقبرة الإسكندر الأكبر. ونجد مقابر جبل الموتى منحوتة على شكل خلية نحل من الحجر الجيري على هيئة صفوف منتظمة ومتتالية بشكل هندسي يشبه شكل الواحة القديم، وهو عبارة عن عدد كبير من السراديب التي تنتهي ببهو واسع يحتوي على فجوة مخصصة لدفن الموتى. ومن أبرز تلك المقابر:
"مقبرة سي آمون" الأجمل على الإطلاق
تم إنشاء مقبرة سي آمون في العصر البطلمي، والتي تميزت بجدران خلابة مزجت بين الفن المصري القديم والفن الإغريقي (اليوناني). كما تميزت المقبرة بوجود رسومات ومخطوطات فرعونية تشرح عقيدة المصري القديم في البعث والخلود، بالإضافة إلى النقوش البارزة التي تضم رسما فرعونيا يمثل الآلهة نات وهي واقفة تحت شجرة الجميز. وتنتمي هذه المقبرة إلى أحد أثرياء الإغريق الذي كان يتبع الديانة المصرية القديمة.
"مقبرة التمساح" الأصفر
سميت هذه المقبرة بهذا الاسم نسبة للرسوم المنقوشة عليها وهي عبارة عن تمساح أصفر اللون الذي يمثل الإله سوبيك، وتكون على شكل كهف مكون من ثلاث حجرات، إلا أنه لم يتم التعرف على صاحب هذه المقبرة حتى الآن. وعلى جانبي المدخل، نجد صور أربعة من الآلهة بلا رؤوس وفي يد كل منهم سكين لحماية المقبرة.
"مقبرة با تحوت" الأقدم والأكبر
تعتبر مقبرة إن-بر-با-تحوت أو كما يختصرها بعض علماء الآثار "با تحوت" من أكبر وأقدم المقابر في الجبانة بجبل الموتى، وتختلف طرازها عن باقي المقابر حيث تتميز بفناء كبير به ست حجرات، ثلاث حجرات على كل جانب وفي نهاية الفناء يوجد مدخل حجرة الدفن. وللأسف، لا يوجد نقوش في الحجرات الست ولكن على الجدار المواجه للمدخل يوجد صورة للإله أوزوريس "إله البعث والحساب" وهو جالس على مقعد ومن خلفه الإله تحوت وأمامهم مائدة قرابين يقدمها صاحب المقبرة وهو في هيئة كاهن مرتدياً جلد الفهد ومنتعلاً صندلاً. وقد دفن في هذه المقبرة، الملك أحمس الثاني وكان يعمل كاهناً في معبد الإله أوزوريس.
"مقبرة ميسو إيزيس" التي تعني مولودة إيزيس
مثلها مثل باقي مقابر جبل الموتى حيث تحتوي على مدخل في أخره يوجد حجرة التابوت، إلا أن المقبرة تم استخدامها قبل الانتهاء منها. ويتميز مدخل حجرة الدفن بوجد زخرفة على شكل ثعبان الكبرى منقوشاً بنقش بارز وبجانبه قرص الشمس، بالإضافة إلى ثعابين أخري ملونة باللون الأزرق والأحمر. كما يحتوي الجانب الأيمن من المدخل على صورة إيزيس وأوزوريس، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الكتابة الفرعونية داخل هذه المقبرة توضح اسم الملكة إيزيس فقط.
هل تريد السفر إلى جبل الموتى؟ إليك أهم ست معلومات عنه
- يقع جبل الموتى على بعد ٢ كيلومتر من منطقة سيوة التابعة لمحافظة مرسي مطروح، ويستطيع الشخص الوصول إليها من واحة سيوة مشياً على الاقدام خلال ثلث ساعة تقريباً أو عن طريق مواصلة خارجية في أقل من ٥ دقائق.
- يبعد جبل سيوة عن محافظة القاهرة بحوالي ٧٥٠ كيلومتر، فيما يعادل ١٠ ساعات تقريباً بالاتوبيس. كما يمكن الاستمتاع بمغامرات السفاري داخل منطقة سيوة من خلال سيارات الدفع الرباعي.
- يبلغ ارتفاع جبل الموتى ٥٠ متراً، ويمكن لأي شخص الصعود إليه بسهولة من خلال السلالم الموجودة بطول الجبل.
- موسم الزيارة العلاجية يبدأ في منتصف شهر يونيو حتى منتصف شهر سبتمبر، حيث تتراوح درجة الحرارة ما بين ٢٧-٣٨ درجة مئوية.
- موسم الزيارة السياحية يبدأ في بداية شهر أكتوبر حتى أبريل، حيث تتمتع المنطقة بجو دافئ نهاراً يميل إلى البرودة ليلاً وتتراوح درجة الحرارة ما بين ١٠-٢٥ درجة مئوية.
- مواعيد زيارة الجبل تبدأ من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً، بتكلفة دخول تبلغ ١٠ جنيهات مصرية للشخص، ٥ جنيهات مصرية للطلبة، أما الأجانب فالفرد ٥٠ جنية مصري والطلبة ٢٥ جنية مصري.
وأخيراً، نجد أن جبل الموتى لا يحتوي على المقابر الفرعونية والمومياوات الملكية فحسب، بل مدفون بداخله أيضاً العديد من الأساطير والأسرار والحكايات المختلفة التي مازال العالم يكتشفها حتى الآن. أحد أهم هذه الاساطير هو ثبات عدد السكان بالمنطقة الذي لا يتعدى ٣٤٠ نسمة دون زيادة أو نقصان عبر السنوات.