مورينيو من مترجم إلى سبيشيال وان
البرتغالي جوزيه مورينيو مدرب يثار حوله الكثير من الجدل، ولكن الأكيد هو أحد أهم المدربين في الحقبة الحالية من تاريخ كرة القدم.
في البدء كان جوزيه مورينيو لاعب كرة محدود الموهبة لم تكن له مسيرة تكتب، توسمت فيه والدته الذكاء والتفكير المنظم فقدمت له في كلية لإدارة الأعمال، لكن مورينيو لم ينتظم في تلك الكلية لأكثر من يوم واحد فقط.
تمسك الشاب الصاعد بحلمه الرياضي، صحيح لم يعد يمتلك الطموح للظهور كلاعب كرة قدم محترف لكنه لم يستطع ترك المجال الرياضي بالكامل، فاحترف العمل كمدرب لياقة بدنية لعدة سنوات.
أما على جانب الدراسة النظرية فواصل مورينيو دراسة اللغات حتى صار -الآن- يتقن 6 لغات.
الترجمة كانت بمثابة مفتاح الملاعب بالنسبة للبرتغالي الممسوس بعشق عالم كرة القدم
بفضل مهارته اللغوية الكبيرة وإصراره على البقاء داخل عالم الرياضة بأي شكل، تمكن جوزيه من الحصول على فرصة العمل كمترجم في الجهاز الفني لفريق سبورتنج لشبونة، ليكون أقرب للمستطيل الأخضر مرة أخرى.. ولو من باب الترجمة.
بوبي روبسون في دراما حياة مورينيو
عمل البرتغالي الشاب في لشبونة مع واحد من رموز الإدارة الفنية في كرة القدم في العام 1992، إنه السير الإنجليزي الراحل بوبي روبسون، والذي قال عن مترجمه البرتغالي: "هناك أمر أعجبني فيه، أي شيء أطلبه من اللاعبين أشعر بقوة دومًا أنه سيقول لهم ما قلته تمامًا وبنفس الطريقة التي ذكرتها".
استغل مورينيو فرصة العمل مع السير على أكمل وجه.. ما جعل الإنجليزي المخضرم يضمه لفريق عمله الخاص، وبالفعل حين انتقل روبسون لتولي الإدارة الفنية لفريق بورتو عام 1994، كان منصب المترجم محجوزا باسم مورينيو، ومع انتقال السير الإنجليزي للعمل في الجانب الآخر من شبه جزيرة الأيبيرية, وهي المملكة الإسبانية كانت الخطوة الأولى في تحول البرتغالي الشاب من مجرد مترجم ينقل تعليمات المدير الفني للاعبين إلى واحد من أشهر المديرين الفنيين في العالم.
جاء تشكيل الجهاز الفني لفريق نادي برشلونة هذا الموسم عام 1996، ليضم اسم جوزيه مورينيو لكن ليس كمترجم إنما كمساعد للمدير الفني.
جاءت نهاية تعاقد السير مع النادي الكتالوني كنهاية للعلاقة العملية بين العجوز الإنجليزي والبرتغالي الطموح، فحين حطت سفينة السير الإنجليزي صوب الأراضي المنخفضة.. لتولي الإدارة الفنية لفريق آيندهوفن الهولندي عام 1998.. قرر البرتغالي الشاب أن يبقى في كتالونيا، فاستقل ذلك عمليًا عن قافلة السير الإنجليزي..، واستقر جغرافيًا في الدوري الإسباني كمساعد مدرب للمدير الفني لبرشلونة، الهولندي لويس فان جال.
بورتو .. قاد مورينيو بورتو لمدة موسمين وهي المحطة الأبرز في مسيرة المدير الفني البرتغالي..
صحيح سبقتها بعض التجارب مع فرق برتغالية أخرى مع بنفيكا ويو دي ليريا، لكن تبقى خطوة بورتو هي الأهم في تلك المرحلة من مشوار سبيشيال وإن لم تكن الأهم في كل مشواره، فخلال الموسمين نجح البرتغالي الصاعد أن يفوز ويحتفظ بلقب الدوري البرتغالي.
وفرض سيطرته على القارة العجوز.. حيث فاز في موسمه الأول بلقب كأس الاتحاد الأوروبي "المسمى القديم لبطولة الدوري الأوروبي" وجاء بالمعجزة في موسمه الثاني ليفوز بلقب دوري أبطال أوروبا بفريق من خارج الدوريات الخمس الكبرى.
- خطوة وتشيلسي ونجاحات قياسية
طموح البرتغالي الصاعد من أقصى غرب أوروبا تماشى وطموح آخر صاعد من أقصى شرقها.. هو طموح الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش والمستحوذ وقتها على نادي تشيلسي الإنجليزي..
صارت هناك شراكة عملية بين مدير فني صاعد حقق معجزة بالحصول على كأس دوري الأبطال بفريق خارج دائرة الترشيحات وبين مستثمر رياضي استحوذ على نادٍ ينافس في الدوري الإنجليزي وإن كان لم يحصل على اللقب منذ قرابة النصف قرن من الزمان، التقارب بين الثنائي في صيف 2004 كان الخطوة الثانية في رحلة الصعود.
مورينيو جاء إلى إنجلترا وبدأ مسيرته هناك بأن أبلغ الجميع أنه "سبيشيال وان" وسيحقق النجاحات.. وبتمويل روسي وأفكار برتغالية قادا الفريق الإنجليزي من منتصف جدول البريمييرليج إلى قمة الترتيب.. ليدخل البلوز تاريخ البطولة الإنجليزية كخامس فريق يفوز باللقب ثم يتمكن من الاحتفاظ به، فقد جلبت الأموال الروسية الإيفواري ديدييه دروجبا والحارس التشيكي بيتر تشيك والهولندي أريين روبين وغيرهم من اللاعبين.. ونجحت الأفكار البرتغالية في قيادة الفريق للحصول على لقب الدوري الإنجليزي لمدة موسمين متتاليين كما فعل مع بورتو.
- إنتر ميلان والإنجاز الأعظم في إيطاليا
عقب رحيله عن تشيلسي في أكتوبر 2007، وبعد فترة من الراحة، كان إنتر ميلان في صيف 2008 هو المحطة التالية للمدير الفني البرتغالي.. فحقق معه لقب الكاليتشو مرتين، كأنها صارت عادة.
فضلا عن ذلك، نجح مورينيو في قيادة الفريق لقمة الأندية الأوروبية بعد الفوز على بايرن ميونيخ في نهائي دوري الأبطال.
أكد مورينيو أنه بالفعل "سبيشيال وان"، لأنه بات أول مدرب في تاريخ الكرة الإيطالية يجمع بين ثلاثية الدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا.
- ريال مدريد وتجربة أفشلها الحلم الأوروبي
ريال مدريد يعد خطوة طبيعية بعد كل تلك النجاحات، فإدارة الملكي المعروفة بحب الصفقات الكبرى عبر التعاقد مع أكبر وألمع الأسماء ما كان لها أن تترك نجما يصعد بكل هذه السرعة والتألق دون أن تتعاقد معه، وفي صيف 2010، كان "سبيشيال وان" هو الرجل الأول في ملعب "سانتياجو برنابيو.
وكالعادة قاد المدرب البرتغالي الفريق الملكي للألقاب ففاز معهم بلقب كأس الملك في الموسم الأول ثم لقب الدوري المحلي في الموسم الثاني وكأس السوبر الإسباني في الموسم الثالث.
الفشل أوروبيا مع الريال كان أحد أهم أسباب إنهاء العلاقة بين إدارة الملكي وسبيشيال وان.. فرغم العودة للتتويج المحلي بعد غياب سنوات، تم الاتفاق بين المدرب والإدارة على إنهاء التعاقد في صيف 2013.
- تشيلسي "عودة ليست مثالية"
المدرب البرتغالي عاد للنادي اللندني في صيف 2013 ليحقق معه من جديد لقبي البريمييرليج وكأس الرابطة المحترفة في الموسم الثاني مع الفريق، ولكن في الموسم الثالث سارت الأمور بشكل كارثي، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015 أعلنت إدارة تشيلسي إنهاء تعاقدها مع مورينيو، لتنتهي تقريبا العلاقة بشكل كبير وللأبد بين الطرفين.
- مانشستر يونايتد "التجربة الأسوأ"
بعد فترة من الراحة، انتقل مورينيو لتدريب مانشستر يونايتد في مايو/ أيار 2016، واستطاع في الموسم الأول حصد لقبي كأس الرابطة والدوري الأوروبي، وهي البطولة التي فشل الفريق على مدار تاريخه في الفوز بها.
وفي الموسم الثاني، احتل الفريق المركز الثاني في الدوري للمرة الأولى منذ رحيل السير أليكس فيرجسون، كما وصل لنهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، غير أن الأمور تراجعت بشدة في الموسم الثالث.
هذا التراجع دفع إدارة المان يونايتد لإنهاء تعاقدها مع المدير الفني الشهير.. وأتى القرار بعد البداية الأسوأ في تاريخ الفريق العريق بالدوري الممتاز، لتنتهي بذلك رحلة استمرت لعامين ونصف.
- الصدامات هي تاني ما يميز جوزيه مورينيو بعد الإنجازات..
طريق البرتغالي جوزيه مورينيو مليء بالصدامات مع لاعبين أو إداريين أو إعلاميين أو حتى الجماهير.. "سبيشيال وان" لم يتوقف للحظة عن إثارة المشاكل أو جذبها أينما حل، فصدامه الأخير مع نجوم مان يونايتد أمثال بول بوجبا وأليكسيس سانشيز ليس بالجديدة على المدير الفني المعتاد على المشاكل ومتابعتها..
فحينما كان موقوفًا لعدة مباريات من قبل الاتحاد الأوروبي، خلال فترة إدراته الأولى لفريق تشيلسي، وكان أحد هذه اللقاءات ضد بايرن ميونيخ في ستامفورد بريدج بربع نهائي دوري الأبطال عام 2005، فما كان من البرتغالي المشاكس إلا أن اختبأ داخل غرفة ملابس فريقه قبل المباراة بساعات طويلة ليتمكن من لقاء لاعبيه قبل المباراة وإعطائهم التعليمات النهائية بنفسه، قبل أن يخرج متخفٍ داخل سلة الملابس المتجهة للمغسلة.
أمتدت صراعات مورينيو خارج المستطيل الأخضر.. وحتى خارج عالم الرياضة لتصل إلى عالم النشر، ففي عام 2004 رفع البرتغالي دعوى قضائية ضد لويس لورينكو في محاولة لمنع نشر كتاب بعنوان "جوزيه مورينيو - صنع في البرتغال" ويتناول الكتاب سيرة ذاتية للمدير الفني البرتغالي حتى حينها، إلى أن محاولة مورينيو فشلت حيث حكم القضاء لصالح الصحفي البرتغالي.. وحقق الكتاب وقتها مبيعات كبيرة في البرتغال.
انتهت رحلة مورينيو مع مانشستر يونايتد، وسيحكم البعض بفشل التجربة لعدم تحقيق لقب الدوري المحلي أو دوري الأبطال.. وسيرى البعض أنها تجربة ناجحة في ضوء تحقيق كأس الدوري الأوروبي ووصافة الدوري المحلي، سنختلف ونتفق ولكن سيبقى جوزيه مورينيو أو "سبيشيال وان" رقما مهما في معادلة الإدارة الفنية في أوروبا.. وبمجرد إعلان إقالته من تدريب مانشستر يونايتد سرعان ما ربطته الشائعات بتولي الإدارة الفنية لكبرى الأندية في القارة العجوز، وعلى راسها الملكي الإسباني.