مصلح العلياني.. مفتي الإرهاب الباحث عن "صك براءة"
يدس سم الإرهاب في ثنايا كلماته المشحونة تطرفا، ويقلب المفاهيم ويصيغها على مقاس أهدافه بغسل الأدمغة واستقطاب الشباب وتأليبه وتجنيده.
مصلح العلياني؛ الإرهابي الذي يشكل نقطة تقاطع بين اثنين من أكبر التنظيمات تنافرا، والقاتل الذي لعب على جميع الأوتار وأكل على جميع الموائد وارتكب أكبر الآثام، ليبحث بعدها عن "صك براءة" يعفيه فاتورة جرمه.
هو "المسؤول الشرعي" لجبهة النصرة وداعش، التنظيمان الإرهابيان الواقفان على طرفي نقيض، خصوصا منذ تفجر الخلاف بين زعيمي القاعدة أيمن الظواهري وداعش أبوبكر البغدادي واشتعال المواجهات بين الجانبين لاحقا.
متشبع بالفكر الإرهابي الظلامي ويعادي مظاهر الحياة والأنظمة والحدود والغرب، لكنه لا يتوانى في الآن نفسه عن التودد للغرب، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي ابتكرها الأخير لبث سمومه ومغالطاته وأجنداته.
إرهابي يقول عنه محللون لشؤون التنظيمات إنه قاتل محكوم بانفصام جعله متذبذبا على الخيط الفاصل بين فكر الإرهاب الذي تبناه وأخرجه عن قوانين بلده السعودية، وبين ثوب البراءة الذي يحاول، من حين لآخر، ارتداءه، سعيا للتنصل وأملا باللعب على جميع الأوتار.
شخصية انقيادية بامتياز جعلته حبيس جلباب سيده عبد الله المحيسني، المروج لأدبيات تنظيم القاعدة في سوريا، والمنسق بين فصائلها، وهو أيضا المطلوب أمنيا من قبل سلطات السعودية، والمصنف على قائمة الإرهاب الأمريكية.
جلباب "المحيسني"
التماهي بين سيرة العلياني والمحيسني يجعل من الصعب فصل تفاصيل المعلم عن تلميذه؛ وإن لم تعرف هذه العلاقة يوما التوازن المطلوب من قبل تلميذ كان يطمح للوصول إلى الصف الأول، بيد أن "ظل" أستاذه كان يحجب عنه مسعاه.
علاقة ثنائية لطالما فجرت الجدل حتى بصفوف المقربين منهما، وأطلقت العنان للكثير من الروايات، لكن وسط كل ذلك الزحام من التفاصيل الحقيقية والمفبركة، تبرز شخصية الرجلين، ومن رحم ذلك، تتجلى أيضا ملامح العلياني.
في سبتمبر/ أيلول 2013، لحق العلياني بالمحيسني للقتال في سوريا التي وصلها الأخير قبل ذلك بشهر تقريبا، لكن مسار الأحداث لن يمضي بعد ذلك وفق طموحات الأول الذي وجد نفسه حبيس جلباب سيده.
وعلى مدار سنوات، استثمر المحيسني في المزايا الشكلية للعلياني؛ الوجه الناعم والصوت الجذاب، وهو الذي عرف مقرئا للقرآن ومنشدا صاحب صوت جميل، لكنه وظف كل ذلك في التحريض على التطرف.
وكما أراد المحيسني، بقي العلياني ظله الذي لا يفارقه، فيما احتل هو صدارة المشهد مروجا لجماعات القاعدة خارجيا ومنسقا بينها داخل سوريا، وكان المدافع الدائم عنها في الإعلام.
في الأثناء، جاب العلياني مع سيده جميع التنظيمات الإرهابية تقريبا، بدءا بالنصرة، ثم جبهة فتح الشام المنشقة عن جبهة النصرة (فرع القاعدة في سوريا)، بضوء أخضر من الظواهري، مرورا بهيئة تحرير الشام التي تشكلت في يناير/ كانون ثان 2017.
ومن "جيش الفتح" الذي ضم إليه فصائل تنظيم القاعدة، إلى ما سمي بـ"غرفة النصر" و"تجمع الأباة"، و"مجلس شورى أهل العلم في الشام" و"جبهة الميثاق الإسلامي"، في "رحلات" تخللتها حملات تحريضية أطلقها الرجلان في إطار المد الإرهابي المتنامي حينها.
"أبو خالد الجزراوي"
الفكر الإرهابي يفرض على معتنقيه التنصل من الجنسية ومن كل ما من شأنه أن يمنح انطباعا عن الحدود الوضعية بين البلدان، وهذا ما فعله العلياني الذي ارتأى أن يلقب نفسه بـ" أبو خالد الجزراوي".
لكن الفصام الذي يحكم شخصيته جعله يحاول، في أحد مقاطعه المصورة عبر موقع يوتيوب، إعادة تلميع اسمه، زاعما أنه سعودي ومن السعودية، وهي الجملة التي حرص على تكرارها.
غير أن أرشيفه وأستاذه جعل متابعيه ينتبهون إلى "الشيزوفرينيا" القاتلة التي تحكم رجلا لطالما أعرب عن فخره بلقبه الذي اختاره أي الجزراوي، نسبة للجزيرة العربية، وتهربا من الانتماء القانوني والرسمي للدولة السعودية.
سقطة جعلته يمشي على الخيط الرفيع الفاصل بين الواقع والخيال الملغوم بفكر ظلامي، لتضاف إلى أخرى اعترف من خلالها بمخالفة قوانين بلاده السعودية بانضمامه إلى صفوف الجماعات المقاتلة دون إذن الدولة.
اعتراف ألحقه بـ"لازمة" بدت مسقطة أملا في حصد التعاطف وتجنيد الشباب وغسل الأدمغة، زاعما أن القوانين التي خالفها ليست سوى "قوانين وضعية كفرية من اتبعها اعتبر مرتداً"، ليسقط بذلك في جب التناقض والتذبذب.
وفي مقطع فيديو، ظهر العلياني مؤخرا يحرض على سلطات السعودية من خلال انتقاد الإجراءات التي اتخذتها المملكة لموسم الحج في إطار مكافحة فيروس كورونا.
ورغم ثوب "الداعية" الذي يحاول ارتداءه في كل مرة يطل فيها عبر مواقع التواصل، إلا أن النشاز الحاصل بين كلامه وواقع الحال فضح أهدافه الحقيقية، الرامية إلى محاولة إثارة الفتنة ضد السعودية، واستقطاب الشباب وتجنيدهم بصفوف التنظيمات الإرهابية.
وانطلاقا من اليوم السبت، ينطلق في السعودية موسم الحج الذي سيقتصر على المقيمين ممن تلقوا تلقيحا كاملا ضد الوباء، فيما استثني منه الوافدون من الخارج للسنة الثانية، في خطوة تسعى المملكة من خلالها إلى تكرار تجربة العام الماضي الناجحة التي لم تشهد تفشيا للفيروس خلال المناسك.
فشل العلياني في مغازلة الناس تماما كما فشل في التودد للإعلام الغربي والإعلاميين العرب من يساريين أو قوميين باستخدام القاموس الثوري اليساري، من قبيل "الثورة" بدل مفردات قاموسه المتشدد، وعوض أن يقفز إلى الصف الأول كما كان يطمح، سقط إلى قاع الاهتمام محملا بسيرة ذاتية تذيل فيها هوامشها.
ووسط فشله، لا يزال الإرهابي متمسكا بمحاولة الضرب على وتر الشباب اليافع من خلال مقاطع فيديو مفخخة بسم التطرف، وسط تحذيرات من نشر مقاطع يقول خبراء أنها شبيهة بالقنابل الموقوتة التي باتت تدخل البيوت بلا استئذان، لتعبث بعقول النشء، وتخلق جيلا جديدا من الإرهابيين.