الإخوان في النمسا بـ2021.. عام حصار الإرهاب
لم يكن عام 2021 سهلا على تنظيم الإخوان الإرهابي في النمسا، إذ كثفت الأخيرة تحركاتها ومددتها لمستويات جديدة، ولم تعد تقتصر على القضاء.
ويمكن اعتبار العام الجاري بمثابة عام "حصار الإخوان" في النمسا على كافة المستويات، وزيادة الوعي السياسي والعام بخطورتها، وترسيخ مسار مكافحتها في البلاد.
يأتي ذلك بعد عام شهد مداهمات شرطية قوية ضد الإخوان الإرهابية في 4 ولايات نمساوية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وأسس لمسار قانوني وتحقيقات دائرة حول أنشطة الجماعة وعلاقتها بالإرهاب، ينتظر أن يقودها إلى أروقة القضاء لأول مرة في القارة الأوروبية.
ضغوط برلمانية
بدأت النمسا في حصار نشاط الإخوان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث تحرك عدد من نواب البرلمان النمساوي للضغط من أجل اتخاذ إجراءات قوية ضد منظمة رابطة الثقافة، ذراع الإخوان الأساسية في الأراضي النمساوية.
وحصلت "العين الإخبارية" على نسخة من طلب إحاطة موجه إلى وزيرة الاندماج سوزان راب، وموقع عليه من 5 نواب بالبرلمان النمساوي أبرزهم النائب هانس أمسباور.
طلب الإحاطة الذي حمل تاريخ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 يوجه عددا من الأسئلة إلى راب حول رابطة الثقافة، أبرز أذرع الإخوان ومستقبلها، بعد صدور دراسة تستند لتقرير سري عن علاقة المنظمة بالجماعة الإرهابية، وفق ديباجة الطلب.
وذكرت الديباجة "خلصت دراسة لمركز توثيق الإسلام السياسي، تستند لتقرير سري، إلى أن رابطة الثقافة جزء من تنظيم الإخوان"، لافتة إلى أن الرابطة تدير مساجد وجمعيات في فيينا وجراتس.
وتابعت: "وبذلك.. اكتشفت الدراسة صلات واضحة بين رابطة الثقافة وجماعة الإخوان المسلمين المتطرفة"، مضيفة "قائمة الدعوات إلى الأحداث والدورات التدريبية والمحاضرات، التي نظمتها الرابطة ويُعقد معظمها باللغة العربية، تضم قيادات من الإخوان المسلمين".
وطالب طلب الإحاطة وزيرة الاندماج النمساوية بتوضيح الإجراءات السياسية والقانونية التي اتخذتها ضد رابطة الثقافة، بعد تلقيها هذه الدراسة الخطيرة، وما إذا كانت أرسلت نسخة منها إلى وزارة الداخلية لاتخاذ إجراءات ضد المنظمة.
ووفق مراقبين، فإن هذا الطلب يعكس ضغوطا قوية داخل البرلمان لاتخاذ إجراءات قوية ضد رابطة الثقافة بعد ثبوت علاقتها بالإخوان الإرهابية.
ضربة مفاجئة
وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري، جرت تغييرات سياسية واسعة في قمة السلطة بالنمسا قادت كارل نيهامر وزير الداخلية السابق ومهندس المداهمات ضد الإخوان العام الماضي، إلى تولي منصب المستشار، ما مثل خبرا سيئا جدا للجماعة لأنه يعني تشديد مسار مكافحتها.
وبالتزامن مع صعود نيهامر إلى سدة الحكم، أرسل الرجل في آخر أيامه بوزارة الداخلية مذكرة إلى البرلمان حول الإخوان، حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها.
المذكرة التي تحمل تاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني، ووصلت البرلمان بتاريخ 3 ديسمبر/كانون الأول الجاري، جاءت ردا على استجواب برلماني لوزير الداخلية السابق قدمه النائب ستيفاني كريسبر.
وتضمن الاستجواب أسئلة حول مسار التحقيقات حول ملف الإخوان في النمسا على خلفية تهم بدعم وتمويل الإرهاب، وكيفية تشكيل وآليات عمل القوات الشرطية التي نفذت المداهمات ضد الجماعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بأربع ولايات نمساوية.
ورد نيهامر في مذكرة رسمية للبرلمان حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منها، وقال: "أطلب تفهمكم لأنه لا يمكنني الإجابة عن الأسئلة، بسبب حدود الحق البرلماني في الاستجواب، والتزامي الدستوري بالحفاظ على السرية الرسمية وحماية البيانات".
ومؤكدا استمرار التحقيقات في ملف الإخوان في مكتب الادعاء النمساوي العام، قال نيهامر في المذكرة "غالبية الأسئلة الموجهة لي تتعلق بتفاصيل تحقيق جار غير علني، ولهذا لا يمكننا التعليق على هذا حتى لا يؤثر على التحقيق الجاري" في هذا الملف".
ووفق مراقبين، فإن نيهامر عمد إلى حماية التحقيقات الجارية في ملف الإخوان، وعدم التأثير عليها، وتجنب الرد على أسئلة تتعلق بمحاولات الإخوان اللعب على الثغرات القانونية لتعطيل الملف.
تحقيقات جارية
رغم مرور أكثر من عام على فتح التحقيقات في أنشطة إخوان النمسا لا يزال الادعاء العام منكبا على عدد لا يحصى من الأوراق.
ووفق موقع التلفزيون النمساوي فإن المكتب الاتحادي لحماية الدستور "الاستخبارات الداخلية"، وفروعه في مقاطعات ستيريا وفيينا وكارينثيا، ومكتب المدعي العام يحققون في أنشطة جماعة الإخوان وعدد كبير من المشتبه بهم في القضية.
ونقل الموقع عن أرنولف رامبولد، المتحدث باسم الادعاء العام، قبل أسابيع "التحقيق يشمل حوالي 70 متهما وجمعيات وشركات".
وتابع رامبولد "لدينا كميات هائلة من البيانات تخضع للفحص.. أكثر من 200 تيرابايت، أي 200 ألف جيجا بايت من البيانات في هذه القضية".
ومضى قائلا "بالطبع هناك العديد من الوثائق باللغة العربية أيضا، والتي يتعين علينا ترجمتها بواسطة مترجمين محلفين".
لكن تصريحات رامبولد لم تكن جديدة، إذ قال هاينزيورج بيخر، مدير المكتب الإعلامي للادعاء العام في جراتس، جنوبي النمسا، في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية" إن "التحقيقات في ملف جماعة الإخوان المسلمين لم تنته بعد، ولا تزال مستمرة".
والسبب -كما يوضحه بيخر- هو "العدد الضخم من الوثائق المنتظر فحصها"، مشيرا إلى أنه "ليس بالإمكان في الوقت الحالي توقع وقت معين للانتهاء من التحقيق".
وفي هذا الإطار، قالت سيغريد هيرمان مارشال، أهم خبيرة ألمانية في شؤون الإخوان، لـ"العين الإخبارية"، "في رأيي ستستغرق التحقيقات وقتا في ظل محاولات المشتبه بهم تعطيل الإجراءات القانونية".
وتابعت "القضاء ينظر بعناية في الخطوات التي يتخذها في هذا الملف، وهذا سيستغرق وقتا".
لكن مراقبين يتوقعون أن ينتهي التحقيق في ملف الإخوان الإرهابية في النمسا في النصف الأول من العام المقبل.
نشاط بحثي
مواجهة الإخوان في النمسا لم تتوقف عند عتبة البرلمان أو أروقة الادعاء العام وساحة القضاء، إذ وصلت المسار البحثي والتحليلي منذ تأسيس مركز توثيق الإسلام السياسي بقرار حكومي في 2020.
وفي عام 2021 نشط مركز التوثيق بشكل كبير في أداء وظائفه ودراسة وتحليل وكشف هياكل الإخوان وتحركاتها وأنشطتها والروابط التي تربط بين منظماتها الفرعية.
ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر مركز التوثيق كتابا يضم تقريرا حديثا عن جماعة الإخوان الإرهابية في أوروبا، ويرصد هياكلها وتحركاتها، ويطالب بوقف تمويلها.
ويضم الكتاب 4 فصول، ويتناول هياكل وتحركات الإخوان في 12 دولة أوروبية، أهمها النمسا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا والدنمارك. كما يتناول آليات تمويل الجماعة الإرهابية.
جاء ذلك بعد شهر واحد من إصدار دراسة تؤكد لأول مرة علاقة منظمة "رابطة الثقافة" -التي تملك مقرات في فيينا وجراتس- بالإخوان الإرهابية.
وقالت الدراسة إن "رابطة الثقافة، التي تنشط في فيينا وجراتس، تملك روابط أيديولوجية وهيكلية وشخصية مع جماعة الإخوان".
دراسة مركز توثيق الإسلام السياسي أبرزت تبني رابطة الثقافة أقوال حسن البنا مؤسس الإخوان، مرارا وتكرارا على منصاتها".
وأضافت أنه "يبدو أن رابطة الثقافة متأثرة بشدة بأفكار يوسف القرضاوي أيضا، التي تتعارض مع حرية الرأي والمعتقد في الديمقراطيات الليبرالية التعددية".
وبصفة عامة، تملك "الإخوان" وجودا كبيرا في النمسا، خاصة في فيينا وجراتس، وتتمثل ذراعها الأساسية في رابطة الثقافة أو Liga Kultur، والعشرات من الجمعيات والمساجد والمراكز الثقافية مثل النور في جراتس، والهداية في فيينا.