كيف حوّل «إخوان فرنسا» الإسلاموفوبيا إلى سلاح سياسي؟

في فرنسا، حيث تتقاطع العلمانية مع قلق الهوية، باتت كلمة «الإسلاموفوبيا» قادرة على إرباك الدولة وشلّ خطابها الرسمي.
فالكلمة المحمّلة بذاكرة سياسية وألغام أيديولوجية، لا تصف فقط واقعًا مريرًا من تصاعد الكراهية ضد المسلمين، بل تكشف -أيضًا- عن هشاشة الدولة أمام خطاب جماعة الإخوان التي تتقن فن التسلل إلى المساحات الرمادية بين الحق والابتزاز.
وقتل شاب مسلم يدعى أبوبكر سيسي طعنا أواخر أبريل/نيسان الماضي، على يد مصل آخر داخل مسجد ببلدية "لاغراند كومب" قرب مدينة نيم جنوب شرق فرنسا، فيما قام المشتبه به بتصوير جريمته باستخدام هاتفه النقال وفق تصريح النيابة العامة لهذه المدينة. التي أوضحت أن دوافع هذا الهجوم لا تزال مجهولة وأن المشتبه به لم يعثر عليه بعد.
ولم يفجر مقتل الشاب أبوبكر سيسي داخل مسجد فقط قضية جنائية فحسب، بل صراعًا لغويًا يعكس أزمة أعمق: من يملك حق تعريف الكراهية؟ ومن يملك شرعية الدفاع عن الضحايا؟
وفي الوقت الذي خرج فيه رئيس الوزراء فرانسوا بايرو لكسر جدار الخوف من الكلمة، كان يُعلن دون أن يقصد نهاية حياد لغوي دام طويلاً. لكن هذا التحرّر اللفظي، بدل أن يفتح بابًا لحماية المسلمين، فتح ثغرة جديدة في جسد الدولة، إذ استُدعي شبح الإخوان مجددًا كأداة تخويف، ما جعل الحكومة منقسمة، واليمين متحفزًا، واليسار مرتبكًا بين تحفّظه القديم وتبنّيه الحذر.
بينما تحتدم المعركة على المعجم، تظل الجاليات المسلمة رهينة صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، ضحية مزدوجة: لكراهية متصاعدة، ولجماعة تستثمر في صمت الدولة كما تستثمر في صراخها.
فماذا حدث؟
أثار استخدام رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو لمصطلح «إسلاموفوبيا» لوصف اغتيال الشاب المسلم أبوبكر سيسي داخل مسجد في منطقة الغار انقسامًا حادًا داخل الحكومة والطبقة السياسية.
ففي مقابلة مع «لو جورنال دو ديمانش»، أكد بايرو أن «رفض الكلمات الدقيقة يعني إنكار الواقع»، متسائلًا: «إن لم يكن هذا حقدًا ضد الإسلام، فماذا يكون؟»
وقد دافع رئيس الوزراء في مقابلته مع صحيفة لو جورنال دو ديمانش عن استخدامه لمصطلح «إسلاموفوبيا» عقب مقتل مسلم داخل مسجد الأسبوع الماضي.
وقال بايرو في المقابلة التي نُشرت مساء السبت على موقع الصحيفة: «يجب أن نتحلى بالشجاعة لقول الأمور كما هي».
لماذا نرفض الكلمات الدقيقة؟
وأضاف: «رفض كلمة ما فقط لأننا لا نريد مواجهة الواقع هو سلوك سبق أن واجهته في حياتي السياسية. وهنا الوقائع واضحة: شاب يبلغ 22 عامًا قُتل في مسجد أثناء صلاته، ومهاجمه يصور وفاته وهو يصرخ بشتائم ضد الله. إذًا، إذا لم يكن هذا كراهية موجهة ضد الإسلام، فماذا يكون؟ لماذا نرفض استخدام الكلمات الدقيقة؟». ثم أكمل: «ألاحظ وجود كراهية ضد المسلمين والإسلام، وضد اليهود واليهودية، وضد المسيحيين. مع وجود جرائم في الحالات الثلاث».
في المقابل، أكد وزير الداخلية برونو ريتايو أكد أن وزارته تتفادى استخدام الكلمة بسبب «ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين»، ما يفتح الباب أمام النقاش حول إمكانية احتكار المعجم من قبل تيارات معينة.
وقال وزير الداخلية برونو ريتايو: «هناك دلالة أيديولوجية قوية لمصطلح الإسلاموفوبيا مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، ولذلك نحن في الوزارة نأخذ الحذر في عدم استخدامه».
اليسار.. من التحفظ إلى التبني الحذر
أما اليسار فبدا منقسما بشكل واضح؛ ففي حين يتبنى حزب «فرنسا الأبية» الكلمة ويدافع عنها، يفضّل الحزب الشيوعي الفرنسي مصطلح "كراهية المسلمين"، خشية ما يعتبره "تسييسًا خطيرًا للمصطلحات"، كما أشار النائب جيروم جيدج في 2021.
وفي ظل تزايد الهجمات ضد المسلمين، يبدو أن الجدل حول مصطلح «الإسلاموفوبيا» يعبّر عن ما هو أعمق: خوف فرنسي من الاعتراف بواقع يعارض صورة العلمانية الجمهورية.
توتر لغوي أم نزاع أيديولوجي؟
هذا الانقسام، قال عنه الباحث الفرنسي لوران بونيه، المتخصص في شؤون التنظيمات المتطرفة في مركز «تيرا نوفا»، في تصريحات لـ«العين الإخبارية» إنه يشير إلى أزمة أعمق في فرنسا.
وأضاف: «النزاع حول المصطلح ليس لغويًا بقدر ما هو سياسي. هناك تيارات تعتبر أن الاعتراف بالإسلاموفوبيا هو بمثابة تقديم تنازل ثقافي، في حين أن الواقع الميداني يؤكد تزايد الأعمال العدائية ضد المسلمين».
ورأى الباحث السياسي الفرنسي، أن مخاوف السلطات الفرنسية من استغلال الإخوان في فرنسا لمفهوم «الإسلاموفوبيا» يعرقل حماية المسلمين في فرنسا.
مصطلح مُسيس
من جانبه، يرى المحلل السياسي والكاتب الفرنسي ألكسندر دلفال لـ«العين الإخبارية»، أن كلمة «إسلاموفوبيا» قد تكون محمّلة برمزية أيديولوجية لدى البعض، لكنها في الوقت ذاته تصف ظواهر لا يمكن تجاهله، مضيفاً: «فرنسا تعيش موجة عنف ضد الأقليات الدينية، والمسلمون في طليعة الضحايا. تجاهل الكلمة لن يوقف الكراهية».
aXA6IDE4LjE5MS4zNi4yNDUg
جزيرة ام اند امز