مستقبل الإخوان.. موت دون شهادة وفاة؟
جماعة ملفوظة شعبيا ومحظورة قانونيا في أكثر من دولة عربية، ومفككة تنظيميا بعد 10 سنوات من السقوط الحر، فماذا يحمل المستقبل للإخوان؟
بعد عقد من المواجهات الأمنية، تفككت الإخوان إلى أكثر من تنظيم، وسقطت أقنعتها، وبات السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكننا القول إن هذه الجماعة ماتت ولن تعود ثانيةً، وهل انتهى خطر الجماعة الإرهابية للأبد؟
وفي الوقت الذي يؤكد فيه العديد من الخبراء والباحثين موت الجماعة سريريا، وأن شهادة وفاتها كتبت بالفعل، ولم تبق إلا مراسم الدفن، وظهر للبعض الآخر في الأفق ثمة مؤشرات لعودة الجماعة، واستعادة مكانتها السياسية والاجتماعية.
هؤلاء المراقبون يرون أن عقدًا من المواجهات مع التنظيم لم يستطع اجتثاث أفكاره، ولم تتمكن مؤسسات دول المواجهة من تقديم مشروع قومي أو وطني بديلًا لمشروع الإسلام السياسي.
وفي هذا الإطار، حرصت "العين الإخبارية" على تقديم قراءة دقيقة لواقع ومستقبل الإخوان، استطلعت فيها آراء العديد من الخبراء وأعضاء سابقين بالتنظيم.
موت دون شهادة وفاة
سعود الشَرَفات الكاتب الأردني، ومدير مركز "شُرُفات" لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب بعمان، قال إنه "لا مستقبل لجماعة الإخوان في الوطن العربي؛ أطروحات ومنطلقات الجماعة لم يجر عليها تغيير أو تطوير، وهي معاكسة لحركة التاريخ والتطور الإنساني".
وأضاف أن "أحد مظاهر نهاية الجماعة، هو فشلها الذريع في مصر بلد المنشأ وفي الأردن، حيث حصلت على فرصتها كاملة بالعمل العلني والرسمي، ولم تحقق أيا من شعاراتها التي خدعت بعض الشباب لبعض من الوقت".
أحمد المسيري مسؤول المكتب السياسي السابق بالجماعة، أكد بدوره، أن الإخوان جماعة لا ينتظرها مستقبل في القريب العاجل ولا البعيد الآجل، "فقد انتهت وماتت ولم تبق إلا مراسم الدفن"، على حد قوله.
وقال إن "الانشقاقات الداخلية المرشحة للاستمرار، وسقوط مشروعية الجماعة شعبيًا في 2013 أصابتها في مقتل"، مضيفا أن الجماعة "كانت تعاني سكرات الموت في السنوات الـ10 الأخيرة".
واعتبر المسيري أن "فلول الإخوان الموجودين حاليًا مجرد شراذم يقتاتون على إرث سياسي قديم لا يمت للمرحلة الحالية بصلة".
ويتفق مع الشرفات والمسيري، باسل ترجمان الكاتب التونسي والباحث في الإسلام السياسي الذي قال إن الجماعة "انتهت ولم يعد لها وجود".
وأضاف أن "ما شهدته الجماعة من انهيار شديد على كافة المحاور (التنظيمية بالتمزيق والانقسامات، والسياسية بهزائم أحزاب الإخوان في المغرب والسودان وليبيا وتونس، وشعبيًا)، يؤكد أنها "قاربت على الوفاة وكتابة النهاية البائسة لتنظيم لم يكن سوى جزء من المشروع الغربي لتمزيق المنطقة وإشعال الحروب والفتن فيها".
واعتبر ترجمان أن "العام المقبل سيشهد المزيد من الخلافات والصراعات على ما تبقى من الأموال والشركات والأنشطة الاقتصادية في الإخوان، ولا يتوقع أن يلملم التنظيم شعثه أو أن يتمكن من إعادة نفسه وتطويرها".
الشعوب كلمة السر
منير أديب الكاتب المصري والباحث في الإسلام السياسي والتطرف العالمي، يرى الصورة بشكل مختلف، إذ قال إن "الجماعة وإن كانت قد تلقت ضربات قوية، لكنها ضربات غير قاتلة، لأنها لم تصب الأفكار، فما زالت أيديولوجيا الإخوان والإسلام السياسي قائمة دون مواجهة ودون تفكيك، وهي مهمة لا تقل أهمية عن تفكيك التنظيم أمنيًا وقانونيًا".
وأضاف أن "الشعوب هي كلمة السر في أن يكون للإخوان مستقبل من عدمه، فالرفض الشعبي والجماهيري الحالي هو الذي يقف سدًا منيعًا ضد عودتها، وإذا تغير وعي الشباب ولم يتم تفكيك أفكار الإخوان فمن المحتمل أن تعود الجماعة".
واتفق هشام النجار الكاتب المصري والباحث في الإسلام السياسي مع أديب في الرأي، إذ قال إن "قراءة مستقبل تنظيم الإخوان يتوقف على أمرين؛ الأول قدرة الجماعة على التعافي من الضربات التي تلقتها، والثاني قدرتها على خداع الشعب والنخب مرة ثانية والتسلل للمجتمع".
السيولة التنظيمية
أما سامح إسماعيل المحاضر المصري والباحث في العلوم السياسية وفلسفة التاريخ، فقال إن "هناك فارقا كبيرا بين قلب التنظيم في مصر وبين الهامش في الدول الإسلامية بشرق آسيا".
وأضاف أنه "إذا كان التنظيم يعاني بشدة في مصر والمنطقة العربية، ما جعل من الصعوبة بمكان تصور عودته في الوقت الراهن، إلا أن دول الهامش شهدت نموًا وظهورًا لافتًا للإخوان، فنجد أن الأذرع الإخوانية المختلفة في المنطقة استغلت أحداث غزة، للعودة للواجهة".
واعتبر إسماعيل أن "نمو الهامش لن يقوي التنظيم ويعيده، ولكنه يقوم بوظيفة أهم؛ وهي خلق حواضن تنظيمية معترف بها، تساند التنظيم في رحلة استعادة مكانته السياسية والاجتماعية في حال تغيرت الظروف السياسية في المنطقة ودفعت الإخوان في مصر للعودة".
من جانبه، قال الباحث السياسي المصري عمرو فاروق إن "جماعة الإخوان قد عانت مؤخرا من الانشقاقات التنظيمية لأسباب مختلفة ومتعددة، لكنها تحاول التغلب على هذه المعضلة بالسيولة التنظيمية وخلق تيار فكري إخواني، وأحد أجنحة الجماعة بدأ بالفعل بالتحول لحالة السيولة الفكرية حالياً".
وأضاف أن "معركة مواجهة الأفكار لم تبدأ بعد، وأن ما قُدم على الساحة لا يزال أقل من المطلوب".
غزة عنوان الوفاة
الشَرَفات قال إن "الأحداث الأخيرة بغزة كتبت نهاية الإخوان وخسارتها على المدى البعيد، أكبر مما تتوقعه الجماعة نفسها".
وأشار إلى أن "بعض المتابعين انخدع بنشوة التأييد الشعبي لحركة حماس والجهاد الإسلامي في حرب غزة، فتوهم أن الحياة عادت لجماعة الإخوان، لكن المؤكد أن هذا الزخم مؤقت وسينتهي مع نهاية الحرب".
وأيده في الرأي أحمد المسيري، إذ أكد أن "عام 2023 شهد نهاية الجماعة الفعلية، فالأحداث الأخيرة في غزة وما تبعها من مواقف شعبية تمت بعفوية شديدة وبعيدًا عن الجماعة، ما يؤكد أن الشارع تجاوزها تماما، وأدرك أنها كانت تستغل هذه المناسبات لتجمع التبرعات لنفسها".
بينما يقف طارق البشبيشي الكاتب المصري والباحث في الإسلام السياسي وعضو الجماعة السابق، مع هذا الرأي جزئيًا، إذ يتفق مع الجزء القائل إن التعاطف الشعبي ليس دليلا على استعادة الإخوان مكانتها في الشارع العربي، وأن هذا التعاطف راجع لزخم القضية الفلسطينية ذاتها.
لكنه يرى أن الجماعة لم تنته بعد، موضحا أن "نهاية الجماعة ستحدث بنهاية دورها الوظيفي، وأن من سيكتب شهادة وفاتها هو صانعها الأول".
وقال إن "الخسائر التنظيمية كافة التي عانت منها الجماعة، يمكن استعادتها وتعويضها؛ فقد سبق أن خرج الإخوان في بداية السبعينيات وهم أفراد قلائل، لكن الغرب الذي وظفهم لأغراضه، تمكن من جعل الأجواء تعمل لصالحهم سواء بإسقاط المشروعات القومية أو إضعاف العمل السياسي الحزبي".