يحرص تنظيم «الإخوان» الإرهابي على إدماج العضو العامل فيه في «الأسرة الإخوانية الممتدة».
يظهر اصطلاح «الأسرة الإخوانية» في التنظيم الإداري أو الهيكل الأساسي لتنظيم «الإخوان» الإرهابي جنبا إلى جنب مع «الوحدة الاجتماعية» التي يسميها الناس «الأسرة»، والتي ينتظم فيها أب إخواني وأم إخوانية مع أولادهما. وكل منهما يتداخل مع الآخر في كثير من المفاصل، لتصبح الأسرة أو «الخلية» هي اللبنة الأولى والأساسية في تنظيم «الإخوان» الإرهابي، وتأتي بعدها «الشعبة» ثم «المنطقة» فـ«المكتب الإداري» و«مجلس الشورى العام» وبعده «مكتب الإرشاد» ثم «المرشد». وتتكون «الأسرة» على هذه الشاكلة من خمسة إلى سبعة أفراد، يقف على رأسهم واحد منهم يلقب بـ«النقيب»، يقود اجتماعا أسبوعيا لمن هم دونه في الترتيب.
"كثير من الأعضاء الذين فكروا في الإقدام على الخروج من التنظيم استُخدمت أسرهم في الضغط عليهم، الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، والأم والأب على الأبناء وهكذا. وقد تمكنت هذه الطريقة من إجبار البعض على أن يستمر ضمن صفوف التنظيم، وأن يكبت مشاعره ويخفي تذمره حتى لا يهدم أسرته أو يظهر بمظهر من يعصي أهله"
ويحرص تنظيم «الإخوان» الإرهابي على إدماج العضو العامل فيه في «الأسرة الإخوانية الممتدة» من خلال علاقة المصاهرة تارة ومصادر كسب الرزق تارة أخرى، علاوة على برامج التثقيف الأحادية التي تستقر في ذهنه وتربطه أكثر، معرفيا ووجدانيا، بـ«إخوانه».
ونظرا لشعور التنظيم الدائم بالخطر الذي يهدده؛ فقد عمل بصرامة على أن يلف حبالا غليظة على كل من ينتمي إليه، ويحوز أسراره ويعرف طرق عيشه وتحركاته، حتى لا ينفلت عنه ويعطي ما عرفه أو حصّله لمن يطلق عليهم أعداءه.
ولهذا تحمل مكاتب التنظيم في أي بلد يوجد فيه قوائم بشباب وفتيات من المقبلين على سن الزواج، ويرشح بعضهم لبعضهن، من منطلق إدراكه أن الأفضل أن يتزوج «الإخواني» من «إخوانية»؛ حرصا على أسرار التنظيم، وعلى جلد الزوجة حين يغادرها زوجها إلى السجن.
وكثير من الأعضاء الذين فكروا في الإقدام على الخروج من التنظيم استُخدمت أسرهم في الضغط عليهم، الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، والأم والأب على الأبناء وهكذا. وقد تمكنت هذه الطريقة من إجبار البعض على أن يستمر ضمن صفوف التنظيم، وأن يكبت مشاعره ويخفي تذمره حتى لا يهدم أسرته أو يظهر بمظهر من يعصي أهله الأقربين.
ومن يصر على موقفه ويغادر التنظيم مستعدا لأن يتحمل أي غرم، لا يلبث «الإخوان» أن يلاحقوه بضراوة، فيطلقون عليه الشائعات من قبيل «جنّدته المباحث» أو «فتنته زينة الحياة الدنيا» و«ضعف إيمانه وتراخى عزمه»! ويتم هذا بشكل منظم، ويهدف ليس فقط إلى تشويه المنسحب من صفوف التنظيم، بل أيضا إلى ردع غيره ممن تراودهم أنفسهم بأن يحذوا حذوه أو يقتفوا أثره.
والثابت أن أعضاء تنظيم «الإخوان» الإرهابي يمكن أن يتعاملوا مع من ينتقدهم بل يجلدهم من خارج التنظيم، ولكنهم يقاطعون من كان بينهم وخرج عنهم، مهما كان حجم تضحياته من أجلهم، ومهما كان طول أمد انتمائه إليهم، ومهما كان الأثر الذي تركه أو البصمة التي طبعها على مسارهم. وبعض هؤلاء يقضي بقية حياته منكسرا، يرنو إلى التنظيم من بعيد، أو يعيش على ذكرياته معه، لأنه لم يعرف غيره، وبعضهم يمعن في التحدي والمواجهة إلى درجة فضح كل شيء من دون تردد ولا هوادة.
وتوظيف الأسرة الاجتماعية لصالح التنظيم الإرهابي خلق تماسكا إجباريا في صفوف التنظيم، ولكنه لم يقِ بعض أفراده من الصراع الداخلي بين ما يفرضه الدين وما تطلبه الجماعة، وبين ما يراعيه الضمير وما يأمر به التنظيم. ومن ثم يمكن لهذه الرابطة الإكراهية الأشبه بالزواج الأرثوذكسي، أن تخلق نفوسا خائرة، وتصنع أناسا لا يدافعون عن فكر أو نهج أو اعتقاد راسخ في عقولهم وقلوبهم بل ينافحون عن مصالحهم المادية أو يجنبون أنفسهم كيد التنظيم ونكد الأهل.
وهذا النمط الاجتماعي والإداري، الذي يمكن تسميته «العائلة الأيديولوجية» كان من العوامل التي ساعدت على استمرار تنظيم «الإخوان» الإرهابي وقللت من قدرة منافسيه أو أجهزة الأمن على اختراقه، ولكنه في الوقت نفسه يحمل أيضا بذور تصدع التنظيم وضعفه، لأنه يقوم على أمرين متناقضين هما «العبودية الطوعية» و«الإكراه المادي والمعنوي»، فهناك من يعبد التنظيم أو يطيعه بشكل أعمى، وهناك من ملأ قلبه التذمر ولكنه لا يستطيع أن يجهر بما يعتمل في صدره، خوفا من أن تستخدم «العائلة الاجتماعية والأيديولوجية» في الضغط عليه ومواجهته ولو بشكل سافر. وفي الحالتين هناك خلل نفسي، وزلل أخلاقي، وخطل اجتماعي، كان مسكوتا عنه قبل ثورة يناير المصرية وأيام ملاحقة تنظيم «الإخوان» الإرهابي، ولكنه لن يظل حبيس النفوس بعد وصولهم إلى الحكم وثبوت فشلهم الذريع في إدارة الدولة ودخولهم في صراع مع الكل من أجل مصلحتهم وطريقهم الذي يزعمون أنه مقدس! ما أدى إلى سقوطهم في النهاية، ليس عن الحكم فقط، بل في أعين الناس أيضا.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة