وإذا ما كانت قطر قد اختارت إيران وجهة لهروبها من مواجهة الحقيقة فإن ذلك الهروب لن يغير من الحقيقة شيئا
ما كان على قطر أن تتعب حالها لتقنع الآخرين بنجاح خيارها الإيراني، "إيران تعادي العرب.. هذه حقيقة تاريخية". فكيف يمكن لقطر أن تنزع عن نفسها عروبتها وهي ليست جلدا لتحظى بالحب الإيراني؟
فشلت قطر في إقناع نفسها بصدقية ذلك الرهان قبل أن تفشل في إقناع الآخرين الذين أشفقوا عليها، شعب قطر العربي له حصته من الكراهية الإيرانية هو الآخر، كان واجبا على قطر ألّا تضع علاقتها بإخوتها على كفة، فيما تضع علاقتها بإيران على الكفة الأخرى، ذلك السلوك لا يرضاه الخيال ولا يقره الواقع.
وإذا كانت قطر قد اختارت إيران وجهة لهروبها من مواجهة الحقيقة فإن ذلك الهروب لن يغير من الحقيقة شيئا، فإيران وهي دولة منبوذة على المستوى العالمي لا تجلب العلاقة معها إلا المتاعب، وليس في إمكان دولة صغيرة مثل قطر أن تنضم إلى محور الكراهية التي تتزعمه إيران.
وإذا ما عدنا إلى القاعدة الشعبية فما من أحد من القطريين يفضل الارتماء في الحضن الإيراني على علاقة أخوية متوازنة تربطه بالسعوديين أو الإماراتيين أو البحرينيين.
وعلى الجانب الآخر فما من أحد في الدول الخليجية الثلاث كان يتمنى أن تنتهي قطر في الحضن الإيراني، لأن قطر جزء عضوي من الجسد الخليجي، غيابها أو إصابتها بالعطب أو ابتلاعها سيكون من شأنه أن يلحق ضررا بذلك الجسد.
أما كانت القيادة القطرية تعي ذلك المأزق؟ سيكون نوعا من البلاهة السياسية إن أنكرنا على تلك القيادة معرفتها بما كانت تفعله، فالمشروع التوسعي الإيراني القائم على تحطيم دول من خلال نشر الفتنة الطائفية فيها لم يعد عبارة عن ملفات تضم مخططات لمكائد مؤجلة.
لإيران أذرعها الطائفية المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان التي صارت تعلن عنها بفخر. إيران، التي رفضت قطر أن تعيد النظر في علاقتها بها حسب أحد مطالب دول المقاطعة، هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف علناً بتدخلها في الشؤون الداخلية للدول التي تجاورها.
أكان ذلك العبث بالأمن القومي العربي محل رضا بالنسبة إلى القيادة القطرية؟ الغريب أن قطر صارت اليوم تلوم دول المقاطعة العربية على أنها قد دفعت بها إلى الحضن الإيراني، وهو ما جاء على لسان وزير خارجيتها الذي حاول مؤخرا أن يعلن عن براءة بلاده من العلاقة بجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة إرهابية
إيران -التي سارعت قطر إلى المشاركة باحتفالات تنصيب رئيسها نكاية بما طُرح من مطالب- هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعيث مليشياتها فسادا في غير دولة عربية تحت مبدأ تصدير الثورة، أكان ذلك العبث بالأمن القومي العربي محلّ رضا بالنسبة إلى القيادة القطرية؟
غير أن الغريب أن قطر صارت اليوم تلوم دول المقاطعة العربية على أنها قد دفعت بها إلى الحضن الإيراني، وهو ما جاء على لسان وزير خارجيتها الذي حاول مؤخرا أن يعلن عن براءة بلاده من العلاقة بجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة إرهابية.
المؤسف أن كل ذلك الكلام الموجه إلى الخارج لا يعبر عن حقيقة الموقف القطري، غير أنه يكشف عن أن القيادة القطرية تعرف أن إيران ليست تلك الدولة التي تستحق أن يضحي المرء من أجلها بعروبته، كما أن العلاقة بجماعة الإخوان المسلمين لا تشرف أحداً، ربما تشير تصريحات الوزير القطري إلى تطور إيجابي من المؤكد أنه سيساعد على خروج قطر من متاهتيها الإيرانية والإخوانية.
من المؤكد أن قطر أدركت مأزقها بعد أن حاولت عبر الأشهر الماضية أن تستعطف العالم بالحديث عن أمور لا علاقة لها بأسباب الأزمة، لقد سُمح لها عالميا أن تدافع عن نفسها غير أنها لم تقل شيئا يمتُّ بصلة إلى الاتهامات التي وجهت إليها، وبالأخص ما تعلق من تلك الاتهامات بتمويل ودعم الجماعات الإرهابية.
وكما يبدو فإن القيادة القطرية صارت على يقين اليوم من أن محاولاتها قد باءت بالفشل لذلك فإنها تسعى اليوم إلى استدراك ما فاتها من خلال إلقاء اللوم على الآخرين في ما ارتكبت من أخطاء موجعة، وهو ما يعني أن قطر لا تزال بعيدة عن الحقيقة التي ستنقذها من متاهتيها الإيرانية والإخوانية.
نقلا عن "العرب اللندنية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة