ربما يمتلك تحالف الشياطين أوراق قوة، لكن دول التحالف العربي التي تقود تحركاً عربياً قوياً وناجحاً هي من سيفرض كلمته لا محالة.
في الأول من مايو 2016، كتبت مقالاً نشرته صحيفة "الحياة"، كان عنوانه "مثلث الخراب وتحالف الشياطين"، وقد حذّر المقال من "نشوء تحالف تبادل منافع بين ثلاثة أطراف تُضمر للدول العربية عداء وكراهية لا حدَّ لهما. وهذه الأطراف الثلاثة هي: إيران وذيولها من التنظيمات الشيعية المتطرفة، وجماعة الإخوان المسلمين، والسلفية الجهادية متمثلة بالقاعدة وداعش". وقد اعتبرت ذلك هو "السيناريو الأكثر خطراً على مستقبل العالم العربي ومنطقة الخليج تحديداً".
والحقيقة أن التحالف الذي يتشكّل الآن أصبح أكثر خطراً مما كان عليه الأمر وقت كتابة المقال العام الماضي، على الرغم من أن أطرافه الرئيسية بقيت على حالها، فإيران وذيولها مثل "حزب الله اللبناني" و"الحوثيين" وجماعات "التشيّع السياسي" في الدول العربية هي الطرف الأول الذي بقي على حاله، والطرفان الآخران، أي جماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابية بتنظيماتها الإخطبوطية وأحزابها وشبكاتها داخل الدول العربية وخارجها، بما في ذلك حركة "حماس" التي تتاجر بالقضية الفلسطينية، وجماعات السلفية الجهادية كـ"القاعدة" و"داعش"، بقيا على حالهما في هذا المثلث، لكن الجديد أن رعاة الطرفين الأخيرين، وهما تركيا وقطر، تصدّرا واجهة المشهد بعد محاولات طويلة من الإنكار والاختباء وراء التنظيمات الإرهابية التي تعمل لحساب البلدين بقدر ما يعملان لحسابها.
ورغم التنافر الواضح، بل التضارب والتعارض، في المنطلقات السياسية والأهداف والمصالح، وتاريخ العداء والكراهية والاقتتال بين أطراف هذا التحالف، فإنها جميعاً تعمل على تقويته وتمتينه. وما يجمع بينها أن مصالحها تلتقي عند نقطة هدم الدولة العربية، وإضعاف كيانها إلى الحد الذي يجعلها لقمة سائغة لتنفيذ مخططات الاستتباع والهيمنة.
لفهم ما يجري الآن، يمكن أن نتدبر جهود إيران، الدولة الشريفة حسب التعبير الهزلي القطري، في إجراء مصالحة بين قطر والنظام السوري، بعد أن استثمرت قطر سنوات في تسليح جماعات الإرهاب لتدمير سوريا، وبداية هذه الصفقة وفقاً للأخبار المنشورة والتطورات على الأرض، هي إعادة "حماس" إلى حضن دمشق
الدور القطري الآن هو الأخطر في عقد هذا التحالف الشيطاني وتوثيق عراه، بعد أن جاهرت به الدوحة وخرجت من مرحلة التآمر في السراديب المظلمة إلى التفاخر بسلوكها المخزي. وكانت الإجراءات التي اتخذتها دول الرباعية العربية الداعية إلى مكافحة الإرهاب الخطوة الأكثر أهمية في قطع يد التآمر القطرية، والتصدي للدور التخريبي الذي مارسه نظام الحمدين طويلاً.
علينا أن نرى حجم الكذب والتدليس القطري تجاه عمليات التحالف العربي في اليمن، وما تبثه قناة الجزيرة من أكاذيب لصالح الميليشيات الحوثية، لنعرف أن موقف قطر السابق لم يكن إلا غطاءً للخيانة، وأن ما حدث لم يكن تحوُّلا في المواقف، بل الإعلان عما كان مستتراً. ويصدق ذلك على موقف قطر من إيران ونظامها، فما حدث حقيقة هو مجرد رفع السريّة عما كان يجري في الغرف المغلقة.
لفهم ما يجري الآن، يمكن أن نتدبّر جهود إيران، الدولة الشريفة حسب التعبير الهزلي القطري، في إجراء مصالحة بين قطر والنظام السوري، بعد أن استثمرت قطر سنوات في تسليح جماعات الإرهاب لتدمير سوريا، وبداية هذه الصفقة وفقاً للأخبار المنشورة والتطورات على الأرض، هي إعادة "حماس" إلى حضن دمشق، بعد أن كانت ضمن أشرس أعداء النظام السوري لسنوات، تنفيذاً لأوامر الدوحة وجماعة الإخوان المسلمين بعد أن كان بعض قادة حماس يتخذون من دمشق مقراً لإقامتهم، وهذا دليل جليٌّ على المدى الذي بلغته انتهازية "حماس" وتلوّنها، وكون القضية الفلسطينية لديها مجرد ورقة للمساومة. ولا مانع لدى قطر "الشريفة" من طلب رضا نظام بشار الأسد بعد عدائها له، ما دام ذلك سيضمن مزيداً من القوة لتحالف الشر والخراب.
علينا أيضاً أن نتدبّر مظهراً لهذا التحالف في صفقة "المصالحة" بين "حزب الله" و"داعش" بعد معارك عرسال المريبة، وما بذله الحزب وحلفاؤه من جهود لضمان انضمام مقاتلي قافلة "داعش" إلى إخوانهم في الإجرام والوحشية في دير الزور، وحرص الحزب البالغ على الإرهابيين، ووصولهم إلى مقصدهم سالمين.
المواجهة واضحة الآن بين معسكر الحفاظ على النظام العربي وكيان الدولة العربية من جهة، ومعسكر هدم الدولة العربية وتدميرها من جهة ثانية. وتظن قطر أنها قادرة بنسج خيوط تحالفها الشيطاني على الهرب من استحقاقاتها، وعلى مواصلة الجرائم التي يدفع ثمنها الوطن العربي نزيفاً اقتصادياً وسياسياً وبشرياً. وهي في ظنها هذا تُخطئ الحساب، كما اعتادت منذ كرّس نظام الحمدين موارده للتآمر على جيرانه وأشقائه من العرب والخليجيين، وأضاع كل الفرص التي مُنحت له من أجل العودة إلى طريق الرشد.
ربما يمتلك تحالف الشياطين أوراق قوة، لكن دول التحالف العربي التي تقود تحركاً عربياً قوياً وناجحاً هي من سيفرض كلمته لا محالة. فهذه الدول الداعمة للاستقرار تدرك خطورة تصالح الأبالسة، ولديها من الإمكانات الدبلوماسية والسياسية ما يمكّنها من إحباط الصفقة الملعونة وإبطال مفاعيلها، ومن بينها التنسيق مع روسيا، ولا سيما خلال زيارة العاهل السعودي لها قريباً، والتعامل مع وجهة النظر الروسية تجاه إشكالية سوريا بشيء من المرونة لقطع الطريق على محاولات إدراج النظام السوري في هذا التحالف، على الرغم من أنه لن يكون ذا وزن مؤثر في النهاية المحتومة، وهي هزيمة حلف الفوضى وانفراط عقده.
إن التجارب التي مرت بها المنطقة خلال عقود تُثبت أن كل المقامرين وأصحاب مشروعات التخريب التي استهدفت دول الخليج والعالم العربي بشرورها، قد انتهوا إلى أسوأ عاقبة، وأن التحالفات التي تضم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر كان يُكتب لها النصر دائماً، لأنها تعمل من أجل البناء والاستقرار والاعتدال والتنمية. ولينظر النظام القطري إلى مصير من سبقوه ممن كرّسوا جهودهم للتخريب والعدوان والشر، فالعاقل من اتعظ بغيره، هذا إذا كان قد بقي في الدوحة من يعقل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة