الشعب القطري لن يتحمل هذا العبث، فهو يدرك أن "نظام الحمدين" يستخدمه ورقة في المساومات العابثة دون النظر إلى احتياجاته ومصالحه
في محاولاته المتخبطة للخروج من مأزقه، يسلك نظام الحمدين كل الطرق عدا الطريق الصحيح، ويطرق كل الأبواب عدا الباب الوحيد الذي يمكن أن يضمن له النجاة، وهو باب الرياض، باب الملك سلمان المفتوح للأشقاء والإخوة، حتى لو أخطأوا، وما أكثر ما أخطأت الدوحة، وما أكثر ما سامحت الرياض وأبوظبي والمنامة.
الذي لا شك فيه، أن نظام الحمدين سيضطر عاجلاً أو آجلاً إلى الانصياع والرضوخ لمطالب الأشقاء المشروعة بكف الأذى الذي أصبحت الدوحة مصدره الأول، وبعد أن أُعطي الشقيق الجانح فرصاً لا حصر لها ليوقف عبثاً طال أمده، لكنه استغل صبر الأشقاء الكبار ليناور ويماطل ويكذب بلا حياء، ويواصل مؤامراته التي جمع لها أسوأ البشر وأكثر القوى السياسية حقداً ورغبة في تدمير المنطقة وتخريبها.
إن إطالة الأزمة تعني استمرار النزيف الاقتصادي والسياسي الذي لن تتحمله قطر طويلاً، بعد أن فقدت الغطاء الحقيقي الذي كانت تمضي آمنة في ظله، وهو المظلة الخليجية التي أتاحت للدوحة أن تحس بأنها أكبر من حجمها بكثير، وحماية الأشقاء ودعمهم لها برغم ما كان يصدر عنها من صغائر، فسوف تتراكم الخسارات الاقتصادية وتصبح الفاتورة أثقل يوماً بعد يوم، ولن يحول دون النهاية المؤلمة إنفاق نظام الحمدين الحالي من الاحتياطي المالي الذي هو حق للشعب القطري، فمثل هذا السفه غير قابل للاستمرار طويلاً، وإذا كان شهران من المقاطعة قد حفلا بأخبار من قبيل خفض تصنيف الاقتصاد القطري من جانب وكالات التصنيف العالمية، والانخفاض الحاد في توقعات النمو، والمشكلات المتوالية للنظام المصرفي، وتخفيض أعداد العمالة، فلنا أن نتصور أثر امتداد هذه الأزمة حتى نهاية العام الحالي أو نهاية العام القادم.
النزيف السياسي لن يكون أخف وطأة، إذ أصبحت قطر الطرف الأضعف في كل علاقاتها الثنائية، بعد أن كانت تحت المظلة الخليجية تتحرك في المنطقة والعالم من موقع القوة، وقاد التخبطُ نظام الحمدين إلى اختيار أسوأ حليفين: إيران وتركيا، ومن قبلهما جماعة "الإخوان الإرهابية، ولو تأملت قطر علاقات هذا الثلاثي البغيض لاكتشفت أنها لن تزيد على أن تكون فريسة يعتصرها كل منهم، ويقضم منها ما استطاع من مكاسب، ويتاجر بها أسوأ تجارة، ثم يبيعها بأرخص الأثمان عند انتهاء دواعي "الاستعمال"، فهي أشبه ما تكون بكبش العيد الذي يعلف ويسمن حتى ينحر صباح العيد.
الأزمة ذات اتجاه واحد، ولا يوجد غيره لو أن هناك في الدوحة من يعقل.. وستكون مهانة نظام الحمدين مضاعفة حينما يطرق أبواب الرياض خاضعاً دون قيدٍ أو شرط، وبعد أن تهوي مكانة قطر السياسية إلى الحضيض، ويصبح مجتمع الرفاه الذي كانت تفاخر به على شفا هاوية.. وكلما أسرع نظام الحمدين بالتوجه إلى الرياض، جنّب نفسه هذا المصير.
والشعب القطري لن يتحمل هذا العبث به طويلاً، فهو يدرك يوماً بعد يوم أن نظام الحمدين يستخدمه ورقة في المساومات العابثة دون النظر إلى احتياجاته ومصالحه.. وقد أكدت متاجرة قطر الرخيصة بقضية الحج هذه الحقيقة، فقد ظهر جلياً، وللقطريين قبل غيرهم، أن صراخ الدوحة بشأن الحج، والتباكي على حرمان القطريين منه لم يكن أكثر من خداع رخيص، وأن رغبة القطريين في أداء الفريضة لا تعني نظام الحمدين من قريب أو بعيد، فحينما تقدم خادم الحرمين الشريفين بمبادرته الكريمة باستضافة كل من يريد الحج من قطر على نفقته الخاصة، بدأ نظام الحمدين يكشف عن وجهه القبيح، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه هو من يحرم القطريين من أداء الشعيرة المقدسة.
ماذا لو أن نظام الحمدين استجاب لهذه المبادرة التي تعكس أخلاق الكبار في الرياض؟ وقبل ذلك، ماذا لو أن نظام الحمدين أعلن قبول مطالب الجيران المشروعة بوقف الأذى عنهم وعن بلدانهم؟ وماذا لو أنه أجرى مراجعة شجاعة لممارساته؟
ماذا لو أن نظام الحمدين لم يتاجر بقضية "السيادة" على النحو الرخيص الذي تاجر فيه بقضية الحج؟ وماذا لو فهم أنه هو من انتهك سيادة جيرانه حين جعل من بلاده منطلقا لكل أشكال التآمر على أمنهم واستقرارهم؟ وماذا لو أنه فكر في أن "السيادة" التي يطنطن بها لا تتفق مع تسليم قراره للإخوان والأتراك والإيرانيين والمرتزقة الذين جمعهم من كل مكان لتضيق بهم الدوحة؟
إن القيمة الحقيقية لقطر وشعبها يعرفها أهل الخليج، يعرفها أهل السعودية وأهل الإمارات وأهل البحرين وباقي الدول الخليجية، حيث تمتد روابط القربى المستندة إلى الجغرافيا والتاريخ والبناء الاجتماعي والقيمي والعادات والتقاليد وروابط الدم والقربى والنسب.. أهل قطر هم أهلنا الذين يمثلون جزءاً لا يُجتزأ من النسيج الخليجي الواحد الذي لا مساومة ولا نقاش في كرامته وأمنه واستقراره.. والمؤسف أن هذه هي ذاتها المبادئ التي قامر بها نظام الحمدين ولا يزال، وهو يتمترس خلف أهل قطر واضعاً إياهم في عين العاصفة، فيما يختبئ النظام الآثم في حق بلده وأمته مع جوقة المرتزقة الذين استجلبهم للدفاع عنه عسكرياً وإعلامياً وسياسياً.
إن إنقاذ الشعب القطري المبتلى بهذه الزمرة الظالمة أصبح من أولويات الخليج، وفي ذلك ضمان لأمن قطر واستقرارها وكرامة شعبها، وإنهاء للفتنة التي اجتهدت هذه الزمرة في إشعالها غير مكترثة بما سيترتب عليها من شرور.. ولقد حان الوقت الذي تدفع هذه الفئة ثمن ما أجرمت في حق شعبها وفي حق شعوب المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة