جولة أمير قطر تميم بن حمد الأخيرة تعكس عمق الأزمة التي يعانيها تنظيم الحمدين.
تعكس جولة أمير قطر تميم بن حمد الأخيرة عمق الأزمة التي يعانيها تنظيم الحمدين، إلى الدرجة التي يعتبر فيها الإعلام القطري مجرد خروج الأمير من حدود بلاده انتصاراً مؤزراً، وهو فصل جديد من فصول بؤس النظام القطري.
هناك عدد من الملاحظات على الجولة التي بدأت بتركيا ثم ألمانيا وفرنسا، تشرح بوضوح حالة "الاستجداء" و"الوقوف بالأبواب" وتسوُّل "كلمة تأييد" من أي جهة، وهو ما لم يحصل عليه النظام القطري رغم إراقته كثيراً جداً من ماء الوجه وكثيراً جداً من المليارات التي كان ينفق بعضها على الإرهاب من قبل.
ويمكن تسجيل الملاحظات على النحو التالي:
أولاً: تأخر تميم كثيراً في التحرك، تاركاً لعدد من أوجه نظامه فاقدي الحضور والتأثير مهمة الدوران على العواصم دون جدوى. ولم يجرؤ تميم طيلة مائة يوم على أن يغادر الدوحة التي يشعر أن أوضاعها ليست آمنة، وأن الغضب الشعبي يُنذر بما لا تُحمد عقباه، بسبب ممارساته التي يحركها من وراء الستار "نظام الحمدين". ولدى تميم خوف من أن يغادر الدوحة فلا يتمكن من العودة إليها، وأن يجد من يزيحه عن كرسيه كما فعل أبوه بجدّه قبل 22 عاماً أو كما فعل جده بابن عمه عام 1972.
ثانياً: من أجل ما سبق، كان الإعلان عن الزيارة مفاجئاً، قبل يوم واحد من القيام بها، وتم القيام بها خطفاً، والتقى تميم رؤساء 3 دول في نحو 24 ساعة، ربما لم يستطع النوم خلالها وهو يعرف أن مكانه في عاصمته غير آمن ولا مضمون.
ثالثاً: في اليوم نفسه الذي أعلن فيه تميم عن بدء جولته، كانت وكالة "موديز" الدولية تقول إن قطر استخدمت نحو 39 مليار دولار لدعم اقتصادها خلال أول شهرين من أزمتها، وهو ما يمثل 23 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وذلك لمواجهة خسائر كبيرة ترتبت على خروج تدفقات رأسمالية هائلة تقارب 30 مليار دولار من النظام المصرفي فيها، إلى جانب الأضرار الكبيرة التي لحقت بقطاعي التجارة والسياحة.
رابعاً: على الرغم من أن تميم حاول أن يجعل من استهلال جولته بزيارة تركيا لمسة رمزية يعكس بها أهمية أردوغان له في ورطته الحالية، فإن "الباب العالي" حرص على أن يؤكد يده العليا، وأن يعامله معاملة التابع لا الندَّ، فلم يكلف أردوغان نفسه مشقة الذهاب إلى المطار لاستقباله، ولم يرسل حتى رئيس وزرائه، بل أرسل نائباً لرئيس الوزراء، ووالي أنقرة، ليحدد لتميم مكانته ووزنه.
خامساً: في ألمانيا سمع تميم كلاماً قاسياً من المستشارة أنجيلا ميركل. وللعلم، فقبل نحو 3 أسابيع كان جيرد مولر، وزير التنمية والمساعدات الألماني، يتحدث لإحدى الإذاعات المحلية عن "داعش"، قائلاً: "من يمول هذه المليشيات؟ سأعطيكم جواباً: إنها قطر". وإذا كانت مقتضيات الدبلوماسية قد منعت ميركل من أن تبالغ في صراحتها فإنها قالت لتميم: "إننا لا نقف إلى جانب أحد، ونحن على اتصال بالإمارات والسعودية"، كما أرسلت له رسالة ضمنية بإيقاف الجنون الذي يمارسه إعلام قطر والإعلام الممول منها حين نصحته بأن يكون حل الأزمة في الغرف المغلقة، وبعيداً عن الإعلام. وكان تأكيد ميركل على دعم الوساطة الكويتية رسالة لتميم بأن "الحل هناك" وليس هنا في برلين.
سادساً: لم تكن إجابات ميركل في مجملها في صالح قطر، رغم مقتضيات السياق الدبلوماسي، بل كانت تحمل لوماً صريحاً وضمنياً لتميم ونظامه. فحين سُئلت ميركل عن تنظيم قطر لكأس العالم أعربت عن قلقها فيما يتعلق بحقوق العاملين في المشروعات الرياضية، وموافقتها الضمنية على أن أخطاءً كبيرة حدثت في هذا الملف. والتشديد على أهمية مكافحة الإرهاب من جانب ميركل كان بدوره رسالة إلى تميم تُحدد له أصل المشكلة على النحو الذي يتطابق مع رؤية دول الرباعية العربية.
سابعاً: تحت الضغط اعترف تميم علناً، وعلى رؤوس الأشهاد، بحدوث أخطاء في ملف العمالة، حيث قال: "حدثت أخطاء ومشكلات، ونحن لا نقول إننا دولة مثالية لا نرتكب أخطاء". ويبدو أن تميم لا يطيب له الاعتراف بأخطائه إلا في العواصم الأجنبية، وفي ظل لوم يقترب من التقريع. أما الاعتراف بالأخطاء العمدية والمتواصلة تجاه الأشقاء، واستهداف استقرار دول الخليج والتآمر عليها سنوات طويلة، فهو لا يستحق اعترافاً من تميم، ومن نظام الحمدين الذي يستعذب التقريع هناك، ويرفض عتاب الأشقاء الذين احتملوا المكاره سنوات، وصبروا حتى لم يعد للصبر مكان.
ثامناً، مع اللوم والتقريع، ومع نوبة الاعتراف بالأخطاء وطلب السماح، لم ينس تميم أن يؤكد أن استثماراته في ألمانيا "باقية وتتمدَّد"، رغم أن ذلك لم يُفده كثيراً في مواجهة الوضوح والحسم الألمانيين. ولا مشكلة في الاستثمارات الخارجية لأي دولة بالطبع، إذا كانت الحسابات الاقتصادية السليمة هي ما يقف وراءها، وإذا كانت الدولة تملك من القوة ما يمكنها من مراجعة هذه الاستثمارات إذا لم تحقق العائد المطلوب، كما فعلت دولة الإمارات في حالات عديدة، لكن وضع قطر في الفترة الأخيرة جعل من الاستثمار محاولة لشراء المواقف، بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية. وقطر تفاوض من موقف الأضعف والمستسلم، على الرغم من أن موقعها الطبيعي بوصفها مالكة لرؤوس الأموال، يُفترض أن يجعلها في الموقف الأقوى.
تاسعاً: لم يكن ما حدث في باريس، وفي اللقاء مع ماكرون، بعيداً عما حدث في برلين مع ميركل، سوى أن ماكرون حاول أن يغلف المضمون القاطع ببعض الكلمات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، لأن عطش ماكرون إلى الاستثمارات أكبر من مثيله في ألمانيا القوية والمستغنية. فعدا محاولات للتلطيف من جانب ماكرون، كانت الرسالة واضحة: الإرهاب هو أول ما سنناقشه، وأول ما يجب الاهتمام به. وما يُقال عن أي تعاون مع قطر في مكافحة الإرهاب أوروبياً وأمريكياً هو، في الحقيقة، رقابة تقبلها قطر مرغمة. وكما فعلت ميركل بتأكيدها على دعم الوساطة الكويتية، فعل ماكرون، ليقول لتميم بدوره، ورغم إغراءات الاستثمارات القطرية، إن الحل ليس عندي في باريس، بل هناك في الخليج.
عاشراً: ما كان لقطر أن تقف موقف الاستجداء، وأن تتحدث إلى دول العالم من موقع الأضعف والأدنى، وأن تطرق هي الأبواب بدلاً من أن يُطرق بابها من الجميع، لولا أن نظام الحمدين اختار أن يعادي أشقاءه، وأن يسخِّر قطر وثروتها وإمكاناتها جميعاً من أجل تدمير جيرانه الخليجيين والعرب، ورفضه الاستماع إلى صوت العقل والرشد، وتفضيله الانحناء والتذلل والاعتراف بالخطأ في عواصم العالم، بدلاً من أن يسلك الطريق الوحيدة للخروج من الهوة التي يتخبط فيها، وهي الطريق التي يعرفها تميم جيداً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة