الإخوان في برقيات سرية.. أجندة فتنة بالأردن تعزف على وتر قضايا الأمة
يتسللون تحت غطاء العمل الخيري والسياسي، ثم يعزفون على وتر عاطفة الشعوب تجاه قضاياها المركزية، لتحقيق مآربهم الخبيثة.
إنه تنظيم الإخوان الإرهابي، الذي لفظه الشارع في مصر وتونس والسودان واليمن، وقلّمت أظافره أوروبا، يعود للواجهة من جديد في الأردن، عبر مظاهرات شابتها أعمال عنف، وتحريضا على المملكة.
ففي الأردن، يعرف القائمون على الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة عمان على مدار أسبوع مضى، أن هناك ثمة عواطف عفوية تجاه مناصرة القضية الفلسطينية لاسيما ما يجري في قطاع غزة حيث الحرب الإسرائيلية المتواصلة لليوم الـ179 على التوالي.
ويؤكد مراقبون أن الإخوان في الأردن يحاولون يائسين من وراء هذه المظاهرات، بث الفتنة في الشارع الأردني من خلال استغلال ما يجري من أوضاع سياسية بالمنطقة لاسيما الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.
ويقول مراقبون إن المظاهرات التي طغى عليها طابع الشغب وتخريب الممتلكات العامة في الأردن خلال الأيام الماضية، كانت نتاج تنسيق بين الإخوان داخل البلاد وحركة حماس في الخارج.
وعلى مدار الأيام الماضية، شهد الأردن مظاهرات واسعة في ضاحية الرابية بالعاصمة عمان، حيث تقع السفارة الإسرائيلية.
لكن المظاهرات أخذت منحى تصاعديا في العنف، حيث تخللها أعمال شغب وتخريب ممتلكات عامة، وإشعال نيران وإغلاق طرق، ومحاولات اعتداء على رجال الأمن من خلال رمي حجارة وزجاجات تجاههم.
المظاهرات تخللها أيضا شعارات مؤيدة لحماس وكتائب القسام، وأيضا بث تسجيلات سابقة لبعض قيادات الحركة تطالب فيها الشعب الأردني بالتحرك تجاه ما يحصل في قطاع غزة.
ولطالما كان الأردن لسانا داعما باسم القضية الفلسطينية وشعبها، سواء على الصعيد السياسي وما يتعلق بمسار السلام أو الجانب الإنساني.
وفي تصريح إعلامي له، أكد وزير الاتصال الحكومي الأردني مهند المبيضين، أن بلاده "هي الموقف الصلب الذي يدعم فلسطين، وليست الفوضى التي تدعم فلسطين".
وذكّر المبيضين بخروج الأردنيين منذ بداية الحرب على غزة بتعبير وطني محترم ومسؤول ضمن القانون لدعم أهلنا في القطاع"، مشيرا إلى أن بعض الأطراف (لم يسمها) تحاول اختطاف الشارع لهتافات أخرى خارج السياق، وممارسة الشعبوية.
استغلال قضايا الشعوب
لطالما راقبت الولايات المتحدة الأمريكية عن كثب إخوان الأردن وتوجهاتهم السياسية تجاه مختلف القضايا الداخلية والإقليمية أيضا.
وفي برقية سرية صدرت عن السفارة الأمريكية في العاصمة الأردنية عمان، قبل سنوات، قال القائم بأعمال السفير الأمريكي الأسبق دانيال روبنستين: "بشكل عام، يشار إلى الحركة الإسلامية في الأردن على أنها جماعة الإخوان بالمملكة وحزبها السياسي جبهة العمل الإسلامي، ولكل طرف هيكلة قيادية منفصلة ولكن كلاهما يخضعان لمجلس الشورى".
وأضاف: "يتألف مجلس الشورى من 50 عضواً، 33-35 منهم يتم انتخابهم من قبل الفروع المحلية للإخوان، و12 يتم انتخابهم من إخوان الأردن خارج المملكة، و5 آخرين يتم تعيينهم كمراقبين من قبل الأعضاء الـ 45، ويصوت جميع الأعضاء لتحديد قيادة الإخوان».
وتلفت البرقية التي اطلعت عليها "العين الإخبارية" إلى أن العلاقة بين الجماعة والحكومة الأردنية "إزدادت توترا في السنوات الماضية، وبلغت ذروتها بعد استيلاء حركة "حماس" على قطاع غزة في يونيو/ حزيران 2007".
وأشارت البرقية إلى استغلال جماعة الإخوان القضايا الحساسة بالنسبة للأردنيين، مثل الهجمات الإسرائيلية في غزة، من أجل اكتساب تأييد الأردنيين.
وقالت إن «الحركة الإسلامية استخدمت الوضع في غزة ذريعة لتكرار دعواتها التقليدية لإلغاء معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة عام 1994»، لافتة إلى أن "التصعيد الخطابي يتردد صداه لدى الجمهور الأردني وهو بشكل عام غاضب من العنف في القطاع».
شبكة تمويل وإرهاب
عندما وجهت الحكومة الأردنية لجماعة الإخوان بالقيام بمخالفات مالية واسعة في شبكة مؤسساتها في يوليو/ تموز 2006، كشفت برقية سرية أمريكية النقاب عن شبكة بمئات ملايين الدولارات.
وكتب السفير الأمريكي حينها في العاصمة الأردنية عمان، ديفيد هيل، يقول في برقية سرية، إن «مؤسسات الجمعية (الإخوان) تقدر بنحو 700 مليون دولار أمريكي" مشيرا إلى أنها "توفر للإخوان وجبهة العمل الإسلامي مصدر رعاية وعمق مؤسسي".
وفي إشارة إلى احتفاء الجماعة بفوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية الفلسطينية العام 2006، كتب هيل: «يشعر الملك (عاهل الأردن) وكبار مساعديه بالقلق من جماعة تستمد النشاط من فوز حماس بالجوار، وهم غاضبون من تعازي (أبو مصعب) الزرقاوي".
وفي تلك الفترة، أشار القائم بأعمال السفير الأمريكي في الأردن دانيال روبنستين، إلى أن 4 نواب من جبهة العمل الإسلامي أشادوا بالإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، وهو أحد قادة تنظيم «القاعدة» رغم أن 59 بالمائة من الأردنيين يعتبرونه إرهابيا.
امتداد لإخوان مصر
ويشير السفير الأمريكي الأسبق في العاصمة الأردنية، إدوارد غنيم، في برقية كتبها قبل سنوات، إلى أن "جماعة الإخوان المسلمين الأردنية تأسست عام 1945 كامتداد لجماعة الإخوان المصرية».
وقال في برقيته المؤرخة في أغسطس/ آب 2003، واطلعت عليها "العين الإخبارية »، إن "الملك سمح لجماعة الإخوان بتصنيف نفسها مؤسسة إسلامية خلال فترة حظر فيها الأردن الأحزاب السياسية».
وتابع: «وعلى هذا النحو، تمكنت جماعة الإخوان من تطوير هيكلها التنظيمي والتأثير، بينما اضطرت الحركات السياسية الأخرى للعمل تحت الأرض، وأثناء السنوات الـ 40 الماضية، روجت الجماعة لمعتقداتها السياسية من خلال سيطرتها على الجمعيات المهنية وعبر أنشطتها الاجتماعية وبرامج رعاية متواضعة نسبيا وجهود إعلامية".
وأضاف أن "عناصر الحكومة الأردنية المسؤولة عن المراقبة تشعر بالقلق من الأهداف النهائية للمتطرفين الدينيين، وهي أكثر راديكالية من السياسة المعلنة للمنظمة، وأنه قد تكون هناك روابط بين أعضاء الإخوان المسلمين ومنظمات أكثر تطرفًا".
مخطط ينكشف
ورأى القائم بأعمال السفير الأمريكي ديفيد هيل أن إخوان الأردن فقدوا الكثير من تأثيرهم على مدى الزمن.
وكتب يقول ببرقية سرية في سبتمبر/ أيلول 2004، واطلعت عليها "العين الإخبارية»: "كانت هناك زيادة مطردة لا لبس فيها في تأثير الإسلام في المجتمع الأردني خلال العقدين الماضيين، ولقد تبنى الجيل الأصغر على وجه الخصوص جذوره الإسلامية».
واستدرك: «لكن المثير للدهشة هو أن المشاركة بجماعة الإخوان وجناحهم السياسي جبهة العمل الإسلامي لم يرتفع بشكل ملحوظ، حيث لم يعد الأردنيون يشعرون بالحاجة للانضمام إلى هذه الجماعات لتأكيد هويتهم الدينية».
ومنذ الهجوم المباغت الذي شنته حركة حماس ضد بلدات إسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعمل جماعة الإخوان على رفع سقف المطالب عاليا على غرار دعوتها إلى إحياء الجيش الشعبي، وتسليح الأردنيين، في محاولة يائسة منها لزيادة الضغط على القيادة الأردنية.
وتستثمر الجماعة في ذلك حالة الغليان الشعبي، دون أن تهتم في ذلك بتوحيد الصف والتعاطي بروية مع وضع قابل للانفجار وقد يأخذ الأردن إلى منزلقات خطيرة، وفق مراقبين.
ويؤكد مراقبون أن إخوان الأردن يستغلون الأوضاع في غزة لزيادة الضغط على الحكومة الأردنية على أمل تحقيق الأغلبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة والتي من المتوقع إجراؤها في يوليو/تموز أو نوفمبر/تشرين الثاني القادمين.
وكان مجلس النواب الأردني، قد صادق في فبراير/شباط الماضي، على مشروع قانون مُعدّل لقانون الانتخاب لسنة 2024، والمتضمن تعديل المادة التاسعة والأربعين من القانون، وهو ما أغضب الإخوان داخل البلاد.
ويقضي التعديل بحصول “كُل قائمة من القائمات التي تجاوزت نسبة الحسم (العتبة) على مقاعد بنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها من مجموع عدد أصوات القائمات التي تجاوزت نسبة الحسم (العتبة) في الدائرة الانتخابية المحلية”.
وفسّر نواب ينتمون أو محسوبون على جبهة العمل الإسلامي، التعديل بأنه يستهدف بالأساس حزبهم، للحيلولة دون نجاحهم في اكتساح البرلمان المقبل، بعد أن لحقت بهم الهزيمة في الانتخابات الماضية.
ويعد البرلمان المنفذ الوحيد لجماعة الإخوان من خلال وجود نواب لذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن الوضع تغير، ولم يعد لهذا الحزب اليوم أيّ تأثير نيابي، فضلا عن القرارات القضائية التي تلاحق الجماعة
ويؤكد محللون أن رهان إخوان الأردن على تحريك الشارع، رهان خاسر؛ إذ أن السياق حاليا ضد تيار جماعات الإسلام السياسي عموما، خصوصا في ظل التراجع المدوي لأحزاب التنظيم في أغلب الدول العربية.