الإخوان يستدعون موسكو بصفقة القاعدة.. مناورة تعزل السودان وتشعل البحر الأحمر
على وقع حربٍ تمزّق السودان وتُربك توازنات القرن الأفريقي، أخرج الجيش السوداني من أرشيف «الإخوان» خطةً قديمة وأعاد تدويرها بثوب جديد: عرض لروسيا يمنحها موطئ قدم على البحر الأحمر، مقابل السلاح والمواقف السياسية.
خطوةٌ لا تُقرأ بمعزل عن سياقها؛ فهي ليست مجرد مقايضة عسكرية، بل رسالة استفزاز موجّهة لواشنطن التي تُكثّف ضغوطها على سلطة بورتسودان.
لكن الأكثر خطورة أن المقترح يضع النفوذ الأمريكي في المنطقة على المحك، إذ يشكّل تهديداً مباشراً للممرات الحيوية التي تحميها قاعدة واشنطن في جيبوتي، ويفتح الباب أمام تنافس جيوسياسي أكثر حدّة على واحد من أهم خطوط التجارة العالمية.
ساحة مساومات دولية
وسط هذا كله، يبدو السودان وكأنه يتحوّل ـ عن قصد أو اضطرار ـ إلى ساحة مساومات دولية تُدار من فوق ركام الدولة المنهكة.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال»، نقلت عن مسؤوليين سودانيين قولهم، بأن الحكومة التابعة لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، قدمت لروسيا ما سيكون أول قاعدة بحرية لها في أفريقيا ونقطة ارتكاز غير مسبوقة تُشرف على طرق التجارة الحيوية في البحر الأحمر.
وبحسب الصحيفة، ستشكل الاتفاقية ميزة استراتيجية لموسكو، في حين ستعد تطورا مقلقا للولايات المتحدة، التي سعت إلى منع روسيا والصين من السيطرة على الموانئ الأفريقية التي قد تصلح لإعادة التسليح عبر السفن وربما تخنق الممرات البحرية الحيوية.
وبحسب مراقبين، فإن عودة الجدل حول القاعدة الروسية في السودان، يحمل دلالات سياسية ترتبط بهرولة قيادات الجيش السوداني بحثاً عن حلفاء دوليين، في ظل حالة الهروب المتكرر لقيادات الجيش السوداني من المبادرات الدولية والإقليمية لإنهاء الحرب.
خطة إخوانية قديمة
اعتبر المحلل السياسي والكاتب الصحفي المختص بشؤون الجماعات الإسلامية في السودان، مصطفى سري، أن إعادة تدوير مقترح القاعدة العسكرية الروسية في بورتسودان من قبل قيادات الجيش السوداني، يأتي من واقع ارتهان الجيش السوداني كلياً للفكر الإخواني؛ والذي أدمن اللعب على «المناورات» أملاً في تخفيف الضغوط الدولية والإقليمية الهادفة لعودة السودان لمسار الحكم المدني الديمقراطي.
وأوضح المحلل السوداني، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن حكومة بورتسودان التي يتحكم في قراراتها التنظيم الإخواني، تحاول الآن إعادة الساعة إلى الوراء بعد تزايد الضغوط من دول الرباعية: (أمريكا، السعودية، مصر، الإمارات)، عبر خارطة الطريق التي قدمتها في سبتمبر/أيلول الماضي، فضلاً عن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تولي ملف إنهاء الحرب بنفسه».
وأشار إلى أن التنظيم الإخواني الذي أشعل الحرب في السودان، يدرك أن القبول بخارطة طريق الرباعية يعني فعلياً قطع الطريق أمام طموحات التنظيم الذي يسعى للعودة للحكم بواسطة «بندقية» الجيش السوداني والمليشيات الأخرى المتحالفة معه.
وبحسب سري، فإن مقترح القاعدة الروسية يعتبر مقترحاً إخوانياً بحتاً منذ أن قام الرئيس السابق عمر البشير بتقديمه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إبان زيارته لموسكو في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، طالباً الحماية الروسية مما أسماه «التهديدات الأمريكية».
واعتبر سري أن قيادة الجيش السوداني ومن ورائها «الإخوان» يريدون ابتزاز الولايات المتحدة بمقترح القاعدة الروسية، أملاً في أن يجبر ذلك الإدارة الأمريكية على تخفيف الضغط على قيادات الجيش السوداني، نظير إنقاذ الولايات المتحدة لمصالحها الحيوية في البحر الأحمر قبل أن تمدد روسيا فعلياً على ساحله، ومن ثم تصبح عقبة كؤود أمام المصالح الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي تحديداً.
زيادة الضغوط
ويقول المحلل السياسي والكاتب الصحفي في السودان، عثمان فضل الله، إن التوقيت الذي عاد فيه الجدل حول القاعدة العسكرية الروسية، يحمل دلالات سياسية وأمنية.
وأوضح في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن رغبة موسكو في تثبيت موطئ قدم استراتيجي على واحد من أهم الممرات البحرية العالمية، ومحاولة كسر عزلتها الدولية عبر شراكات مع أنظمة هشّة تبحث عن حلفاء، يمثل أكبر الدوافع لدى روسيا التي تدرك جيداً حجم الهشاشة التي يعاني منها النظام في بورتسودان.
وبحسب فضل الله، فإن الولايات المتحدة ستتعامل مع الخطوة كتهديد مباشر لمصالحها وممرات تجارتها، ما قد يدفعها لتصعيد ضغوطها الدبلوماسية والاقتصادية، وربما إعادة ترتيب حضورها الأمني في الإقليم.
«هذا التنافس الدولي سيزيد من تعقيد مشهد الحرب في السودان، فوجود قاعدة روسية سيقوّي طرفاً على حساب آخر، ويفتح الباب أمام مزيد من الاستقطاب»، يقول المحلل السياسي السوداني، مضيفًا: «على المدى القريب، سيُطيل ذلك أمد النزاع، لكن على المدى البعيد قد تدفع الضغوط الدولية الأطراف السودانية نحو تسوية تُعيد بناء الدولة بعيداً عن تحالفات المحاور».
تفاصيل الاتفاقية
وطبقاً لما أوردته وول ستريت جورنال، فإنه وبموجب مقترح لمدة 25 عاما قدمته حكومة الجيش السوداني في بورتسودان لمسؤولين روس في أكتوبر/تشرين الأول، سيكون لموسكو الحق في نشر ما يصل إلى 300 جندي ورسو أربع سفن حربية، بما في ذلك السفن النووية، في بورتسودان أو منشأة أخرى لم يعلن عنها بعد على البحر الأحمر، وفقا للمسؤولين.
كما ستحصل موسكو على أفضلية في الحصول على امتيازات التعدين المربحة في السودان، ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا.
وستكون موسكو من هذه القاعدة قادرة على مراقبة حركة المرور البحرية من وإلى قناة السويس، الممر المختصر بين أوروبا وآسيا الذي يحمل حوالي 12% من التجارة العالمية.
وذكر مسؤولون سودانيون، أنه في مقابل السماح للقوات الروسية باستخدام أراضيها على المدى الطويل، فإن النظام في السودان سيحصل على أنظمة روسية متقدمة مضادة للطائرات وغيرها من الأسلحة بأسعار تفضيلية لمواجهة قوات الدعم السريع.
قلق أمريكي
وقال مسؤول عسكري سوداني لصحيفة «وول ستريت جورنال»، إن السودان يحتاج إلى إمدادات أسلحة جديدة، لكن عقد اتفاق مع روسيا قد يخلق مشاكل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ووفق الصحيفة نفسها، فإن احتمال إقامة قاعدة روسية على البحر الأحمر يثير قلق المسؤولين الأمنيين الأمريكيين، الذين يتنافسون منذ سنوات مع بكين وموسكو على طموحاتهم العسكرية المتنافسة في أفريقيا.
وبحسب مسؤول أمريكي رفيع، فإن قاعدة روسية في ليبيا أو في بورتسودان يمكن أن توسع قدرة موسكو على إسقاط القوة وتسمح لها بالعمل دون عقاب.
كذلك قال الجنرال المتقاعد في القوات الجوية مارك هيكس، الذي قاد وحدات العمليات الخاصة الأمريكية في أفريقيا، إن قاعدة في القارة السمراء «تزيد نفوذ روسيا من خلال منحها المزيد من الهيبة الدولية والقوة».
عزلة محتملة للسودان
اعتبر مسؤول أمريكي رفيع المستوى، أنباء اتفاق حكومة بورتسودان التابعة لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان، تزيد من عزلة البلد الأفريقي.
وقال المسؤول، إن الولايات المتحدة على علم بشأن مشروع القاعدة العسكرية الروسية في السودان، في إشارة إلى التحقيق الذي نشر على «وول ستريت جورنال»، مشددًا على أن، المضي في إنشاء مثل هذه القاعدة أو أي شكل آخر من التعاون الأمني مع روسيا «سيؤدي إلى مزيد من عزلة السودان، وتعميق الصراع القائم، وزيادة مخاطر زعزعة الاستقرار الإقليمي».
واعتبر أن «المسؤولية تقع على عاتق والجيش السوداني وقوات الدعم السريع للتوصل إلى هدنة إنسانية والالتزام بها، من أجل وقف الفظائع وتخفيف المعاناة الهائلة للشعب السوداني».
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNTAg جزيرة ام اند امز