مؤتمر "تيار العنف".. أجنحة الإخوان ومحاولة غسل السمعة بـ"وثيقة سياسية"
في الفترة الأخيرة، طفا على السطح أحاديث وتقارير عن رغبة جبهة ثالثة بالإخوان تعرف بـ"الكماليين" في عقد مؤتمر عام تحت عنوان "شباب التغيير".
وما إن تناقلت وسائل إعلام هذه التقارير، ورغبة التيار الثالث في توضيح موقفه مما وصفه بـ"المتغيرات العالمية والمصرية"، حتى برزت عدة أسئلة بشأن هذه الجبهة، وما إذا كانت تحمل أي جديد لحسم الصراع الدائر بين أجنحة الإخوان لصالح تيار العنف المسلح؟
- من حسن البنا إلى "بديع".. أسرار "السراديب" الخفية لتمويل جماعة الإخوان
- "العين الإخبارية" تكشف انقلاب الإخوان الجديد.. وثيقة "التيار الثالث" تفضح المستور
وكان هذا الجناح أو التيار الذي يتبنى العنف المسلح كان قد أعلن في وقت سابق توقفه عن الخوض في الشأن الإخواني، بعد تفاقم الخلافات بين جبهتي لندن وإسطنبول، وذلك في بيان على قناته على تطبيق تليجرام، لذلك تسيل عودته كثيرا من الحبر.
البداية
ظهر تيار المكتب العام، أو جناح الكماليين؛ نسبة إلى محمد كمال عضو مكتب الإرشاد بالإخوان ومؤسس اللجان النوعية المسلحة، عقب فض اعتصام رابعة، بعد أن اتفق مؤيدو التيار أن الوقت قد حان لاستخدام العنف والقوة المسلحة للاستحواذ على الدولة ومؤسساتها أو إسقاطها حتى لا تقع في أيدي غيرهم.
وبالفعل، شهدت الأعوام التي تلت ذلك تصاعدا في العمليات التي نفذتها اللجان النوعية مثل (كتائب حلوان/حسم/لواء الثورة.. إلخ)، وهذه اللجان أطلقت على نفسها اسما مستقلا لتبدو وكأنها ليست من الإخوان.
ومن المعروف أن فكرة التغيير بالقوة والسلاح من أدبيات الإخوان التي وضع أسسها المؤسس حسن البنا، لكن الجماعة اتفقت في الفترة التي سبقت عام 2011، على أنها "وسيلة لم يحن وقتها"، أي أن الخلاف ليس في الإيمان بها من عدمه، بل الاختلاف على توقيت اللجوء لها.
ثم تمت الانتخابات الداخلية للإخوان وتم عزل "محمود حسين" عن الأمانة العامة، ورأى الإخوان أن قيادة تنظيم لا بد أن تكون من الداخل، ولا يصح ولا يستقيم أن تكون القيادة مقيمة بالخارج، ما صب في مصلحة الكماليين.
وهنا ظهرت الخلافات للعلن، وبدأ يظهر "محمود عزت" من المخبأ ويزعم أن القيادة الشرعية له، باعتباره نائب المرشد والقائم بأعمال الأخير، وفق اللائحة.
ولم يكن يحق لمحمد كمال، وهو عضو مكتب الإرشاد، أن يدير الإخوان في ذلك الوقت، واستمرت الخلافات بين القيادة التقليدية التاريخية والقيادة الشبابية الجديدة "الكماليون".
وأمام استمرار الخلافات والتنازع على المكاتب الإدارية بين الجبهتين، قرر محمود حسين (رفض نتائج الانتخابات)، وتقليص التمويل الذي يصل لمجموعة محمود كمال، وبالتالي تقليص الإنفاق عليهم وعلى التابعين لهم سواء بالداخل أو بالخارج أو بالسجون.
ضعف التيار وكمونه
وفي عام 2017، أي بعد 4 سنوات من الإرهاب في المجتمع المصري، استقال محمود كمال من مناصبه في الإخوان، فيما اتهم أتباعه محمود عزت في وقت لاحق بأنه أرشد الأجهزة الأمنية المصرية عن مكان اختباء كمال والمجموعة التي تحميه.
وأثناء مداهمة القوات الأمنية لموقعه، قاوم محمد كمال ومن معه حسب رواية الأمن المصري، فأصيب ومات في الطريق إلى المستشفى.
وكانت هذه الواقعة حاسمة في مسار تيار العنف المسلح، إذ ضعف تأثير أتباع كمال، ولم يعودوا يملكون شرعية الحديث للعام ولا الخاص، بل انضمت المكاتب الإدارية التي كانت تابعة للتيار إلى محمود حسين ومحمود عزت وإبراهيم منير.
وبمرور الوقت، باتت الجماعة منشقة إلى فصيلين، أحدهما فصيل كبير وقوي (فصيل عزت)، والأخير ضعيف ويمثله المكتب العام أو الكماليون الذين احتفظوا بشعار "تيار التغيير" لتفرقتهم عن بقية الجماعة.
كما حمل هذا التيار أفكارا راديكالية، أطلق عليها "التغيير الثوري"، أي تغيير الواقع بالقوة المسلحة، مستشهدا بحديث للمؤسس حسن البنا ونظريات سيد قطب، ومؤكدين أن الوسائل التي تحقق هذه الأفكار الحقيقية للإخوان تم الاتفاق عليها في اللحظة التي تلت فض رابعة.
هذه الوسائل المتفق عليها، وفق "الكماليين"، هي فكرة الثأر من القوات المسلحة المصرية، والاستمرار في العمليات الإرهابية لإنهاك الدولة وإسقاطها، لذلك استمر التيار في عملياته الإرهابية حتى عام 2018 تقريبا.
ونتيجة قطع محمود حسين التمويل عن التيار وتساقط العديد من عناصره في قبضة الأمن المصري، فشل الكماليون في تحقيق مخططاتهم، فقرروا الابتعاد والاكتفاء بالإعلان عن أنفسهم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
سر المؤتمر
ورغم هذا الانعزال، حظي الكماليون برعاية وحماية بتركيا وحصلوا على دعم بسيط يكفي للعيش كما حصلوا على إقامات رسمية، وحظوا بفرص عمل مختلفة، كما تم حمايتهم من النشرة الحمراء (الخاصة بالإنتربول) ولم يسلم منهم إلا عدد قليل جدا.
ورغم ذلك، فإن الربط بين هذا الدعم ورغبة تركيا في بعث رسالة لمصر بأنها يمكن أن تعيد كرة العمل المسلح العنيف داخل الدولة ما لم تنضم إلى اتفاقية غاز المتوسط يعد فرضية صعبة التطبيق نسبيًا، فالواقع المصري لم يعد يتقبل أعمال الإخوان ولا أعمال العنف والإرهاب.
كما أن العناصر الإخوانية التابعة لتيار الكماليين لا يتجاوزون ألف عنصر، ومشتتون ويعيشون في مخابئ خوفا من إلقاء القبض عليهم، وبالتالي فإن فكرة إعادة العنف عبر اللجان النوعية التابعة للتيار مستبعد.
ومن المستبعد أن يكون المؤتمر الذي أعلن عنه الكماليون يهدف لإعلان سيطرة التيار على الجماعة والتنظيم، لأن التيار في غاية الضعف التنظيمي والفقر التمويلي، ولا يملك شخصيات ثقيلة الوزن تاريخيا ولا تنظيميا يمكنها قيادة الجماعة.
هنا تبرز فرضية أخرى متعلقة بغسل سمعة جناح اللجان النوعية المسلحة، بزعم وجود وثيقة تغيير سياسية تحمل تطورا في فكر التيار، في ظل احتمالية دمج التيار مع جبهة القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير (لندن).
وهذه الفرضية هي الأقرب فيما يتعلق بتفسير سبب عقد هذا المؤتمر، وما يتردد عن طرح وثيقة التغيير التي ربما تتشابه مع وثيقة لندن التي طهرت في 2020.
وما يقوي هذه الفرضية أيضاً ظهور بوادر التقارب في المواقف المختلفة بين جبهتي لندن والكماليين، ربما ليس إيمانا بأفكار بعضهما، ولكن نكاية في "محمود حسين"، واستعدادا لحسم الصراع الحالي لصالح جبهة منير.
وخلال مؤتمر الكماليين، من المتوقع أن يستمر التيار في إعلان العداء للدولة المصرية، ولكنه سيتنصل من العنف المسلح وسيلقي مسؤولية الجرائم على اللجان النوعية التي يزعم أنها انشقت عن خط المؤسس "حسن البنا" والإخوان العام، وأنه يقبل بالعملية السياسية السلمية، ومتمسك بشرعية الرئيس الراحل محمد مرسي.
وسواء كانت هذه الفرضية أم غيرها، ورغم وجود الخلافات والانشقاقات داخل الإخوان بالفعل، إلا أن الجماعة متفقة فيما بينها على الجذور الفكرية الإرهابية، ومتفقة في الوسائل، والاختلاف بين أجنحتها حول توقيت استخدام هذه الوسائل، أو حول من له القيادة والسلطة والأموال.
aXA6IDE4LjE4OC42My43MSA= جزيرة ام اند امز