بالصور.. مسلمون يحملون مفاتيح كنيسة القيامة منذ 830 عاما
عائلتان مسلمتان تتوليان مهمة حمل مفاتيح كنيسة القيامة بالقدس، وفتح أبوابها في مشهد يعكس التسامح والتعايش المشترك.
تتجسد أبلغ معاني التسامح والتعايش المشترك في كنيسة القيامة بالقدس، التي بنتها الملكة هيلانة والدة الملك قسطنطين عام 330 ميلادية، وتضم عددا كبيرا من المقدسات المسيحية، مثل القبر المقدس، والمغارة التي عثرت فيها الملكة هيلانة على صليب المسيح، فمنذ أن فتح صلاح الدين الأيوبي القدس عام 1187م ومفاتيح تلك الكنيسة تحملها عائلة مسلمة هي عائلة "جودة"، بينما يقوم على مهمة فتح باب الكنيسة بشكل يومي عائلة مسلمة أخرى هي عائلة "نسيبة".
والمفتاح عبارة عن قطعة حديدية رفيعة تنتهي بمربع حديدي يدخل في القفل الأسطواني لباب الكنيسة ليفتح الباب.
وصباح يوم "سبت النور"، الذي يحل غدا، ينطلق موكب مكون من الحاج وجيه نسيبة كبير عائلة نسيبة، والحاج أديب جودة كبير عائلة جودة، وبطريرك القدس، لفتح الكنيسة أمام زوارها في مشهد تكرر آلاف المرات ولم يفلح الاحتلال الإسرائيلي في وقفه.
ويقول أديب جودة عميد عائلة جودة، لـ"بوابة العين الإخبارية"، إنه "عندما حرر السلطان صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- القدس، خشي أن يعود الصليبيون متنكرين في زي الرهبان ويدخلوا كنيسة القيامة، وكان للكنيسة بابان، فقرر صلاح الدين غلق أحد البابين، وهو مغلق منذ ذلك الوقت، وأبقى على الآخر مفتوحا، وهو المستخدم حاليا في الدخول والخروج من الكنيسة".
وأضاف جودة: "كان أجدادي من عائلة جودة في ذلك الوقت هم شيوخ المسجد الأقصى وقبة الصخرة، فوجد أن أفضل طريقة لحماية القدس من الصليبين هي أن يعطي مفاتيح القدس للعائلة المؤتمنة على القدس وهي عائلتنا".
وأشار إلى أن عائلة جودة تتولى مهمة أمانة مفتاح كنيسة القيامة، ومهمة فتح وغلق الكنيسة تتولاها عائلة نسيبة.
وتابع: "قديما كان يذهب راهب لعائلة نسيبة ويأخذ الشخص المسؤول عن فتح الباب ويأتيان إلى منزل عائلة جودة في البلدة القديمة، ويذهب الثلاثة لفتح الكنيسة، وهذا كان يتم بشكل يومي، إلا أنه نظرا لوجود الاحتلال وكثرة الإغلاقات التي يفرضها في البلدة القديمة قررنا أن تكون هناك غرفة خارج الكنيسة يوضع فيها المفتاح ومعه حارس مسلم حتى يمكن فتح الكنيسة كل يوم في الرابعة فجرا وغلقها في الثامنة والنصف مساء".
ويوضح عميد عائلة جودة أن "موكب سبت النور يبدأ في الثامنة صباحا ويضم معه ممثل عائلة نسيبة وراهبا من الكنيسة، ويسير أمامهم (القواسة) وهم خدمة الكنيسة يمسكون عصى خشبية بأيديهم يدقون بها على الأرض لإفساح الطريق للموكب، حتى نصل لباب الكنيسة، فيضع ممثل عائلة نسيبة سلما يصعد عليه لفتح القفل الأعلى للباب ثم يهبط لفتح القفل الأسفل، ثم يدخل الموكب إلى الغرفة التي تضم القبر المقدس للتأكد من خلوها من المواد المشتعلة، ثم يخرج الموكب ويقوم بتشميع باب الغرفة، ويختم الشمع بختم عائلتي جودة ونسيبة".
وأوضح أنه بعد ختم باب القبر يصعد الموكب إلى بطريرك الروم الأرثوذكس في الدير ويهبط به إلى القبر فيفتح الباب ويدخل البطريرك بمفرده إلى داخل القبر ويقيم صلوات خاصة لنحو ساعة، يخرج بعدها شعلة النور من القبر، لذلك سمي سبت النور".
ويشير جودة إلى أنه في ذلك اليوم تحاول قوات الاحتلال الإسرائيلي التضييق على الحجاج المسيحيين، فتنشر عددا كبيرا من الجنود داخل الكنيسة بحجة التنظيم، وتسمح لعدد محدود بالتواجد داخل الكنيسة بدعوى عدم التزاحم، موضحا أنه في هذا اليوم يحضر مراسم ختم القبر المقدس عدد كبير من الدبلوماسيين والضيوف الأجانب، إلى جانب آلاف الحجاج المسيحيين من كل أنحاء العالم.
وأشار أديب جودة إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية حاولت فتح باب آخر للكنيسة بزعم تسهيل الدخول والخروج، فرفض الرهبان وتدخل العاهل الأردني الراحل الملك حسين لوقف هذا الأمر، لأن إسرائيل كانت تريد بابا للكنيسة تحتفظ هي بمفاتيحه".
وعن شعوره كمسلم يتولى أمانة حمل مفتاح كنيسة القيامة، قال: "هذا شرف لكل المسلمين في العالم، ورثته من أجدادي وحافظنا عليه طوال مئات السنوات، وندعو الله أن نستمر في الحفاظ عليه نحن وأولادنا من بعدنا".
أما الحاج وجيه نسيبة، كبير العائلة التي تتولى فتح وغلق باب كنيسة القيامة، فيقول: "تسلمت عائلتي مفتاح الكنيسة من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما فتح القدس عام 638م، وظل معنا حتى دخل الصليبيون القدس وبدأوا في قتل المسلمين والمسيحيين الشرقيين، فهاجرنا إلى بلدة بورين في نابلس، وعندما فتح صلاح الدين الأيوبي سلم المفتاح لعائلة جودة، وعندما عادت عائلتي تولت مهمة فتح وغلق الباب".
ويضيف نسيبة "أتولى هذه المهمة منذ 30 عاما بشكل يومي، أفتح الباب في الصباح وأجلس على المصطبة المخصصة لي طوال اليوم حتى موعد غلق الكنيسة في الثامنة والنصف مساء، ولا أجد أي غضاضة في ذلك".
ويقول: "نحن حريصون على حراسة الكنيسة والحفاظ عليها، ونعتز بذلك، فتاريخ العرب والمسلمين مليء بصور الإخاء واحترام الديانات، وهو ما يجعل المسلمين يحتفظون بمفتاح الكنيسة وتولي أمانته".
وأوضح أن عائلتي نسيبة وجودة كانتا تنتفعان ماديا من مهمة حمل مفاتيح الكنيسة وبوابتها عن طريق رسوم الزيارة التي فرضها قانون أستانة السلطان العثماني سليمان القانوني، إلى أن أمر الوالي إبراهيم باشا بن محمد علي بإلغاء هذه الرسوم في عام 1832م، بعد خضوع القدس للحكم المصري.
aXA6IDUyLjE0LjIwOS4xMDAg جزيرة ام اند امز