بعد نصر الله.. رفض شعبي يجهض "إصلاحات الحريري"
رئيس وزراء لبنان يعلن موازنة 2020 بدون ضرائب جديدة مع إقرار بنود بينها خفض رواتب النواب والوزراء للنصف وإلغاء وزارة الإعلام.
حزمة إصلاحات اقتصادية أعلنها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، في محاولة لامتصاص غضب المحتجين، تصطدم هي الأخرى برفض شعبي مصرّ على رحيل الطبقة الحاكمة بأكملها.
- مبادرة حكومة لبنان.. قرارات مطلوبة وثقة شعبية مفقودة
- متظاهرون لبنانيون يشككون بمبادرة الحكومة: لا ثقة بإصلاحاتكم
محاولة جديدة تأتي بعد يومين من أخرى فاشلة لنصر الله، وبالتزامن مع انقضاء مهلة 72 ساعة منحها الحريري للقوى السياسية، الجمعة، لتجاوز الأزمة في لبنان، والتوافق على حلول بشأنها مع الكتل الحكومية.
وأعلن الحريري إقرار مجلس الوزراء موازنة عام 2020 بدون ضرائب جديدة، مع إقرار بنود عدة وصفها بالإصلاحية، بينها خفض رواتب النواب والوزراء للنصف، وإلغاء وزارة الإعلام ومؤسسات أخرى "غير ضرورية"، في محاولة لامتصاص غضب الشارع.
الحريري أعلن أيضاً دعمه لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة نزولاً عند طلب المحتجين.
حزمة بدت مقنعة لولا توقيتها المتأخر، وفق مراقبين ممن رأوا أن سقف مطالب المحتجين تجاوز مجرد الغضب على الحكومة لتضمينها ضرائب جديدة في موازنة العام المقبل، إلى غليان ينادي بإسقاط الطبقة الحاكمة بشكل عام، التي يهيمن عليها حزب الله وحلفاؤه.
أما الرد الشعبي على كلمة الحريري فجاء من ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، حيث ذكرت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن "المحتجين يتحلقون حول مكبرات الصوت للاستماع إلى كلمة رئيس الحكومة سعد الحريري مباشرة، وعند ذكر كل بند يهتفون: ثورة والشعب يريد إسقاط النظام".
وبانتهاء كلمته، ارتفعت الشعارات المنادية بإسقاط الحكومة في جميع التجمعات الحاشدة في بيروت وغيرها من المدن اللبنانية، معلنة رفض القرارات الحكومية لإصلاح المنظومة الاقتصادية ومحاربة الفساد.
وقال محتجون لا ينتمون لأي كتلة سياسية أو حزب، في بيان توجهوا من خلاله للحكومة: "لا ثقة لنا بإصلاحاتكم ونهجكم وعقلية منظومتكم"، واصفين الإصلاحات بـ"الواهية غير الواقعية والفضفاضة والمضللة لكسب الوقت والمماطلة".
وجدد المتظاهرون موقفهم مؤكدين عدم التراجع حتى إسقاط حكومة الضرائب الجائرة والمحاصصة الطائفية وتحقيق كل المطالب، متمسكين بـ"الاستقالة الفورية لحكومة الضرائب الجائرة والمحاصصة الطائفية".
وطالبوا أيضاً بتشكيل حكومة إنقاذ مصغرة تضم تكنوقراط، وتتبنى خارطة طريق تشمل إجراء انتخابات نيابية مبكرة بناء على قانون انتخابي عادل يضمن صحة التمثيل، وإدارة الأزمة الاقتصادية وإقرار نظام ضريبي عادل، و"تحصين القضاء وتجريم تدخل القوى السياسية فيه".
صفع نصر الله
"نصر الله واحد منهم".. شعار دوى من حناجر المتظاهرين ليقصف تصريحات جوفاء للأمين العام لمليشيا حزب الله الإيرانية، ويعلن أنه حان الوقت لاجتثاث البذرة المسمومة في لبنان وتطهير طبقتها الحاكمة منها.
توحدت الطوائف وذابت الاختلافات بأنواعها تحت شعار واحد يتمسك به المحتجون منذ مساء الخميس، واصطفوا جميعهم للرد على نصر الله الذي أطل عليهم من جحره متمسكاً ببقاء حكومة أرهقها بمعارضته للإصلاحات، ليدفع بها نحو أتون الغضب الشعبي.
خرج نصر الله من نفقه ليفاقم مشاعر الإحباط لدى شعب سئم النخب وقادة الأحزاب والطوائف ونظام المحاصصات القائم منذ عقود طويلة، فانتفض على أمل كسر هذا الاستقطاب، مطالباً برحيل حكومة يشكل حزب الله وحلفاؤه الأغلبية المطلقة فيها.
وجاءت كلمة نصر الله غداة اتهامات صريحة وجهها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لشركائه في الحكومة، بعرقلة الإصلاحات الاقتصادية منذ سنوات، في أسهم بدت موجهة بشكل رئيسي لحزب الله المهيمن مع حلفائه على التشكيلة الحكومية.
ومع أن كلمته حملت ذات الطابع الاستعراضي، وافترضت بديهة أن يتلقاها المتظاهرون بالتهليل والترحيب، إلا أن الرد الشعبي جاء مخيباً لتوقعات المليشيا الإيرانية، فمباشرة عقب الكلمة التي تضمنت تشبثاً بالحكومة، هتف المتظاهرون "كلن يعني كلن.. نصرالله واحد منا"، في إشارة إلى الدعوات التي أطلقها المحتجون بضرورة رحيل الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد بشكل كامل.
مخاوف تتجسد
المخاوف من سيطرة حزب الله الإيراني على الحكومة اللبنانية طفت إلى السطح منذ انطلاق أعمالها، مطلع العام الجاري، فما إن تم الإعلان عن التشكيلة بعد مخاض سياسي عسير، حذر خبراء من الحزب المدعوم مالياً وعسكرياً من طهران، ومن حقيقة مساعيه لوضع يده على المشهد السياسي بالبلاد.
وبناء على هذه التشكيلة، يملك "حزب الله" وحلفاؤه نسبة النصف زائد واحد من عدد أعضاء الحكومة، ما منحه إمكانية تمرير أي قرار يريده دون أي قدرة للآخرين على تعطيله، لكن ما يفاقم مخاوف اللبنانيين هو أن هذه المليشيا الإيرانية قادرة على فرض رغباتها دون أغلبية نيابية ولا وزارية، فكان السؤال الذي لطالما خيم على الأذهان: "كيف سيكون عليه الوضع وهذه المليشيات تمتلك الأغلبية الحكومية".
واستطاع حزب الله السيطرة على مفاصل العديد من الوزارات سواء عبر توليها بشكل مباشر أو عبر حلفائه، حتى غدت الحكومة عبارة عن أداة لتأمين المصالح الاستراتيجية للمليشيا.
ولم يكتف حزب الله بذلك، وإنما تمكن عبر تحالفه مع التيار الوطني الحر من اختراق جميع المواقع ومراكز السلطة من خلال الساحة المسيحية، حيث استفاد من هذا التحالف للتسويق لفكرة أن التحالف يشكل ضمانة وطنية، قبل أن ينفضح أمره، لينكشف أن الأمر ليس إلا شرعنة واهية، وتعويم هدفه التضليل من أجل سلطة تتلاشى معها فكرة الدولة لصالح المليشيا الحاكمة.