مبادرة حكومة لبنان.. قرارات مطلوبة وثقة شعبية مفقودة
تواجه مبادرة مجلس الوزراء اللبناني التي طرحها لإنقاذ الأوضاع في البلاد، أزمة ثقة بين الحكومة والشعب، مما يهددها كحل سياسي للوضع الراهن
موقف واحد يكاد يجمع عليه اللبنانيون حيال المبادرة التي قدمتها الحكومة اللبنانية لإنقاذ الوضع، والتي أقرتها في وقت سابق اليوم الإثنين، في محاولة منها للاستجابة للاحتجاجات الشعبية، وهو أن بنود المبادرة جيدة ومطلوبة، لكن لا توجد ثقة بالتركيبة السياسية الحالية لتطبيقها.
ورغم هذا الموقف برزت بعض الأصوات، لا سيما من مظاهرة بيروت المركزية، بإمكانية إعطاء فرصة للحكومة لتطبيق هذه الإصلاحات؛ وذلك انطلاقا من أن إسقاط مجلس الوزراء قد يدخل لبنان في المجهول.
بنود جيدة.. ولكن
المحلل السياسي اللبناني أسعد بشارة، قال إن البنود الاصلاحية "جيدة جدا"، لكن نقص الثقة لدى الشعب يحول دون الاستجابة لها.
أما الخبيرة الاقتصادية اللبنانية فيوليت بلعة، أكدت أن هذه الإصلاحات كانت ستصبح محل قبول شعبي لو تم طرحها قبل الاحتجاجات الشعبية.
في المقابل، يرى المحلل السياسي والأستاذ الجامعي اللبناني مكرم رباح، أن ما قدمته الحكومة ليس له قيمة، وأن الحراك مبرّر لعدم تضمن اقتراحات أي إصلاح سياسي أهمها "اتخاذ موقف موحد تجاه سلاح حزب الله".
فيما يعتبر بشارة أن سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء اللبناني "يمرّ اليوم بين الألغام"، مؤكدا في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الحكومة تعاني من فقدان الثقة في أدائها، إذ إن الرأي العام في لبنان يدرك تماما أن هذه القرارات ستضيع في الخلافات السياسية كما العادة، وبالتالي لن تجد طريقها إلى التنفيذ.
وتابع المحلل السياسي اللبناني أن "ما يحدث اليوم في الشارع اللبناني هو مرحلة جديدة، يجب أن يرافقها مرحلة سياسية مختلفة"، لافتا إلى أن الحريري بدا مدركا لهذا الواقع، لذا عليه "أن يطرح ضمانة للمتظاهرين وعدم إقدام القوى الأمنية على أي خطوة تجاههم قد تؤدي إلى عواقب وخيمة".
شبكات الفساد وسلاح حزب الله
من جهته، يرى الدكتور مكرم رباح أن ما قدمته الحكومة اللبنانية في قراراتها أثبت أن الحراك على حق، وأنه لا يمكن أن يتحقق الإصلاح الاقتصادي ما لم يتحقّق إصلاحا سياسيا أيضاً.
وقال رباح لـ"العين الإخبارية" إن المشكلة تكمن في شبكات الفساد المتجذرة في الدولة اللبنانية والتي ترضخ لسلاح حزب الله، موضحا أن الحديث عن إصلاحات اقتصادية دون أن يترافق مع تغيرات سياسية على رأسها موقف موحد من سلاح حزب الله "لن يجدي نفعا".
من جانبها، ترى الخبيرة الاقتصادية اللبنانية، أن الورقة الإصلاحية التي قدمتها الحكومة كانت تجدي نفعا قبل الاحتجاجات، لكن في المرحلة الراهنة ارتفع سقف المطالب الشعبية.
وأوضحت لـ"العين الإخبارية" أنه "لا يمكن أن نقول للمتظاهرين في الشارع انتظروا شهرا أو شهرين للتنفيذ.. في ظل انعدام الثقة بالمسؤولين".
وأضافت أن "التجارب السابقة جعلت اللبنانيين غير واثقين في وعود الحكومة، خصوصا أن التركيبة السياسية هي نفسها التي سبق وأن فشلت في تحقيق أي منها"، متابعة "أن شيطان الخلافات السياسية سيكمن في تفاصيل تنفيذ المبادرة الحكومية".
وكان متظاهرون في العاصمة بيروت اقترحوا منح فرصة للحكومة، فيما عبّر عدد كبير منهم عن رفضهم المبادرة الإصلاحية لعدم ثقتهم بالتنفيذ.
وغادرت أعداد كبيرة من المتظاهرين ساحة الاعتصام في وسط بيروت، بعد الإعلان عن مقررات الحكومة اللبنانية، بحسب ما أفادت "الوكالة الوطنية للإعلام"، في ظل دعوات البقاء في الشارع، بينما استمر توافد المتظاهرين إلى أماكن التجمع في مناطق لبنانية عدة.
ورفض متظاهرون لبنانيون، اليوم الإثنين، مبادرة الحكومة الإنقاذية لإصلاح المنظومة الاقتصادية ومحاربة الفساد، وأكدوا في بيان أنه "لا تراجع" عن تحقيق المطالب الشعبية بإسقاطها.
وكانت الرئاسة اللبنانية أعلنت الإثنين، أن مجلس الوزراء أقر مبادرة سعد الحريري للخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد، مع مواصلة النقاش حول البند الأخير منها المتعلق بمساهمة المصارف في قطاع الكهرباء.
وقال بيان لمتظاهرين لا ينتمون لأي كتلة سياسية أو حزب، موجها حديثه للحكومة اللبنانية، إنه "لا ثقة بإصلاحاتكم ونهجكم وعقلية منظومتكم"، وجدد رفض هذه الإصلاحات التي وصفها بـ"الواهية غير الواقعية والفضفاضة والمضللة لكسب الوقت والمماطلة".
وشدد البيان على "رفض سياسة الإمعان بإفقار الناس والإكمال بالاستدانة وسياسات الخصخصة والاحتكار وأي شكل من أشكال الخصخصة"، مؤكدا أنه "لا ثقة بحكومة ليست متفقة على هذه الإصلاحات"، وتساءل "أين كانت إصلاحاتكم من سنوات؟".
وفند البيان بنود مبادرة الإصلاح، وقال إنه "لا قيمة لادعاء تمويل المصارف لعجز الموازنة العامة لمدة عام واحد"، وأن "المطلب هو استرداد الأرباح المتراكمة لدى المصارف نتيجة سياسة الاستدانة والهندسات المالية".
ولفت إلى أنه "لا قيمة لفرض ضرائب على أرباح المصارف، طالما أن هذه الأرباح هي نتيجة الفوائد التي يدفعها المصرف المركزي لودائع المصارف لديه"، وأن "المطلوب تصفير هذه الفوائد".
وأوضح البيان أنه "لا مشاريع مطروحة لتحريك العجلة الاقتصادية سوى المزيد من الاستدانة عبر سيدر، وما تحمله مشاريع سيدر من آثار سلبية"، وأشاروا هنا إلى مشروع "سد بسري".
وكشف البيان عن أن "خفض موازنات بعض المجالس والوزارات بنسبة 70% يعني إلغاء دورها ووظيفتها التنموية، والإبقاء على دور التنفيع بالوظائف للمحظيين".