مظاهرات لبنان.. الأسباب والمآلات
5 سيناريوهات مستقبلية تنتظر لبنان بعد تصاعد حدة المظاهرات نتيجة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية.
المؤكد أن هناك دوافع نبيلة وحقيقية وراء كل المتظاهرين الذين خرجوا بعفوية شديدة ضد الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان مع تزايد معدلات البطالة والفقر وارتفاع غير مسبوق في التضخم، وتوقف النمو الاقتصادي، مع نظرات سلبية للاقتصاد من كافة المؤسسات المالية الدولية.
فغالبية المتظاهرين خاصة الشباب أكدوا أنه لا مستقبل لهم في لبنان، وأنهم لا يريدون الهجرة للخارج، ورغم صدق وأمانة هذه المواقف تظل كل الأوجاع الاقتصادية هي "نتيجة" وليست "سبباً" لما فيه لبنان من أزمات سياسية وأمنية،
ومن يقرأ مواقف الأحزاب السياسية والقوى اللبنانية أثناء المظاهرات يتأكد أن الوضع الاقتصادي المتدهور هو "عرض" وليس "مرض" لذلك لا يعول الكثيرون على نجاح المبادرة التي قدمتها الحكومة برئاسة سعد الحريري.
هذه الوضعية تطرح تساؤلات عن الأمراض الحقيقية التي يعيشها لبنان وأدت إلى كل هذه التشوهات في الاقتصاد والبنية السياسية والأمنية؟ وما أولويات اللبنانيين في هذا الظرف التاريخي؟ وهل الأولوية إنفاذ لبنان وبالتالي معالجة المرض الحقيقي أم إنقاذ الحكومة من خلال بعض المسكنات وفرض ضريبة 35% على البنوك، وبقاء لبنان رهينة لسرطان الاختطاف من جانب مشروع إقليمي مشبوه؟ وهل من "خريطة طريق" للخروج من النفق المظلم الطويل الذي حل باللبنانيين طوال السنوات الماضية؟
كل الشواهد تؤكد أن الشعب اللبناني يدفع ثمن الصفقة التي دفعت بالرئيس عون لرئاسة الجمهورية بينما وصل سعد الحريري لرئاسة الحكومة، رغم سعي رئيس الوزراء على جمع أكبر قدر من الأحزاب في تلك الحكومة التي جاءت على وقع فوز حزب الله وأنصاره في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
إلا أن حزب الله وراعيه الإيراني تعامل مع الأمر باعتباره فرصة لتعزيز "التوظيف السياسي" للهيمنة الإيرانية على الحكومة اللبنانية، وإلحاق لبنان بالكامل بالمشروع الإيراني وعزله عن العالم العربي، ولذلك تخصص حزب الله وأنصاره في عرقلة أي خطوة يمكن أن تعود على الشعب بالفائدة، بل دفع الشعب اللبناني فاتورة مشاركة وزراء الحزب في الحكومة اللبنانية، حيث رفضت المؤسسات المالية العربية والدولية تقديم المنح والتسهيلات والقروض لحكومة يشارك فيها حزب وضعته الخارجية الأمريكية على لائحتها الإرهابية والإجرامية نتيجة نشاط حزب الله في تجارة المخدرات، خاصة في أمريكا اللاتينية وتدخلاته في دول المنطقة.
تهديدات حسن نصر الله
وبتحليل مضمون كلمة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، والكلمة التي ألقاها من قصر الرئاسة جبران باسيل وزير الخارجية وزعيم التيار الوطني الحر ووريث الرئاسة مع الصور التي نشرتها وكالات الأنباء لعناصر حركة أمل المدججين بالسلاح بهدف ترويع المتظاهرين تقول شيئاً واحداً، وهو أن هذا الفريق الذي خطف لبنان طوال السنوات الماضية يريد جعل لبنان أسيرا لهذا المشروع الإيراني العابر للحدود الذي يفتخر بالسيطرة على 4 عواصم عربية منها بيروت.
هذا الفريق لا يريد استقالة الحكومة أو إقالتها ليس لإنقاذ البلاد أو التخوف من الدخول في حالة جديدة من "عدم اليقين السياسي والاقتصادي"، بل يريد "التحويط" على بقاء لبنان وحكومته "كأداة وظيفية" لتحقيق مصالح المشروع الإيراني، وليس لها علاقة من قريب أو بعيد بأحلام الشباب اللبناني.
وبات حزب الله ومعه التيار الوطني الحر وحلفاؤهما أكثر سيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية من خلال عدد كبير من الوزراء الذين يدينون بالولاء لإيران وحزب الله وليس للدولة اللبنانية ، ومع المظاهرات التي تطالب بإسقاط "النظام" في لبنان رفض حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر إسقاط الحكومة، في حين طالب البعض الآخر بإقالة الحكومة.
وكان خطاب سعد الحريري واضحاً بأن هناك من يعطل أداء الحكومة، وكان يشير إلى تعطيل وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر لإقرار الميزانية، وهو الأمر الذي حرم الميزانية اللبنانية من 11 مليار دولار من المؤسسات الدولية، كما أن سياسات حزب الله ساهمت في هرب المستثمرين والسائحين من لبنان.
وكذلك أدت تدخلات حزب الله في الدول العربية إلى تراجع عائدات اللبنانيين من الخارج، وعطلت كثيرا المساعدات العربية التي كان لبنان يستفيد منها، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية للبنان خاصة في الحكومة الأخيرة لسعد الحريري التي فيها "مغالبة" واضحة و"خطف للقرار" من جانب حزب الله وحلفائه في حركة أمل والتيار الوطني الحر ، وجميعهم ضد إرادة كل المتظاهرين الذين تحدوا سلاح حركة أمل، وتهديدات حسن نصرالله وجبران باسيل.
فمن يراجع دفاتر الحكومة اللبنانية يتأكد من استحواذ التيار الوطني الحر على شركة الكهرباء التي تمثل 33% من الميزانية اللبنانية، وخلت مبادرة الحكومة من إعادة الهيكلة الكاملة لهذه الشركة، وهو شرط من شروط المؤسسات المالية الدولية لتقديم مساعدات للبنان، كما أن حزب الله من خلال سيطرته على الموانئ والاتصالات حرم المالية اللبنانية من 2 مليار دولار عائدات الموانئ، و5 مليارات دولار من شركات الاتصالات، ولهذا هذه الأطراف ومن خلال وزرائها في الحكومة اللبنانية عطلوا كل مقترحات الإصلاح التي قدمها رئيس الوزراء سعد الحريري، ودفع حسن نصرالله لتهديد المتظاهرين عندما تحدث عن قدرته على حشد الشارع بل والبقاء فيه.
وزادت معاناة اللبنانيين منذ أبريل/نيسان 2013 عندما أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله دخول الحزب الحرب في سوريا متجاوزاً سياسة النأي بالنفس التي أعلنها لبنان عقب اندلاع الأحداث في سوريا مارس/أذار 2011 وبدأت تتفاقم المشاكل اللبنانية سواء الأمنية أو السياسية، لكن الاقتصاد اللبناني كان أكثر الخاسرين من هذه المشاركة التي تبعتها معلومات تؤكد وجود عناصر لحزب الله في العراق واليمن متجاهلاً سياسة النأي بالنفس التي كثيراً من تحدثت عنها الحكومات اللبنانية.
سيناريوهات مستقبلية
تهديدات حسن نصرالله وتأكيده أن هذه الحكومة لن تسقط، تحمل تحديًا لإرادة اللبنانيين، وهو ما يؤشر على أن لبنان قد يتعرض لخطر "القناصة" الذي تعرض له المتظاهرون جنوبي العراق وبغداد عندما طالبوا بالتخلص من سيطرة رجال الميلشيات التابعين لإيران، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي والأمم المتحدة البحث في خيارات حماية الشعب اللبناني من تهديدات الثلاثي "حزب الله – حركة أمل – التيار الوطني الحر"، والسؤال الذي يطرحه البعض ماذا بعد مبادرة الحريري وبنودها الاقتصادية؟
ليس من مصلحة حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل إسقاط الحكومة الحالية، لأن الوضع الحالي هو الأفضل لهذا الثلاثي، بينما تتضرر باقي الأطراف المسيحية والسنية من استمرار هذه الحكومة بل تتضرر الدولة اللبنانية نفسها، لذلك هناك 5 سيناريوهات للمشهد اللبناني وهي:
1- انصراف المتظاهرين من الشارع بعد سماع مبادرة الحريري، وهذا مستبعد جداً وجاء متأخراً، لأن إقرار الحكومة هذه الإجراءات بعد نزول المتظاهرين لا يعكس "إرادة سياسية" بقدر ما يعكس "حالة انتهازية" لبث الخلاف والفرقة بين المتظاهرين، وقد عبر المتظاهرون بالفعل عن عدم الثقة في هذه الحكومة.
2- استقالة حكومة الحريري الحالية وتكليفه أو تكليف غيره بحكومة جديدة ليس على قاعدة "استحواذ" حزب الله على القرار، وهذه الحكومة قد تستغرق شهورًا وربما سنوات لأن تمرير حزب الله لهذه الحكومة سيكون صعباً للغاية.
3- تشكيل حكومة "تكنوقراط" وليس حكومة سياسيين بهدف تهدئه الشارع، وإعطاء شعور بإبعاد السياسيين والأحزاب عن الحكومة، وهذا هو الشكل الأقرب للمتظاهرين للحكومة القادمة لإبعاد كل من ارتبطوا بالفساد في السابق.
4- تحول المظاهرات السلمية إلى أعمال عنف وتدخل حزب الله ومسلحي أمل لقتل المتظاهرين وتخويف الآخرين على غرار النموذج العراقي.
5- في حالة توسع دائرة العنف من جانب حزب الله وحلفائه، والعودة للخلافات الطائفية نكون على مشارف السيناريو السوري، وهو ما لا يتحمله لبنان ولا المنطقة العربية.