ناصف ساويرس.. أغنى ملياردير مصري يستثمر 50 مليار دولار في أمريكا
يسعى لدمج شركاته العالمية وإدراج الكيان الجديد في سوق أبوظبي

يستعد رجل الأعمال المصري ناصف ساويرس، أغنى رجل في مصر وأحد أبرز رجال الأعمال في الشرق الأوسط، لتوجيه استثمارات ضخمة تصل إلى 50 مليار دولار نحو مشروعات البنية التحتية في الولايات المتحدة.
ويسعى ساويرس إلى الاستفادة من موجة الإنفاق الكبرى التي تشهدها قطاعات مثل مراكز البيانات والمطارات والإسكان الجامعي.
وتأتي هذه الخطوة بالتوازي مع إعادة هيكلة شاملة لمجموعته الاستثمارية، من خلال دمج شركاته المدرجة في الأسواق العالمية تحت مظلة "أوراسكوم للإنشاءات" وإدراج الكيان الجديد في سوق أبوظبي المالي.
إعادة تموضع استثماري عالمي
يأتي التحول الجديد بعد سلسلة من القرارات الجريئة التي اتخذها ساويرس خلال العامين الماضيين، حيث باع عبر شركته المدرجة في أمستردام "أو سي آي غلوبال" أصولاً تتجاوز قيمتها 11.6 مليار دولار، شملت أنشطة في قطاع الكيماويات والأسمدة.
ومع إتمام هذه المرحلة، يتجه ساويرس الآن لإتمام صفقة دمج "أو سي آي" مع "أوراسكوم للإنشاءات"، وهي الشركة العائلية التي أسسها والده الراحل أنسي ساويرس منذ خمسينيات القرن الماضي، ليعلن عن الكيان الجديد رسمياً يوم الإثنين المقبل.
ووفقا لصحيفة فايننشال تايمز فإن الخطوة ليست مجرد دمج مالي، بل تعكس إعادة تموضع استراتيجي لرجل الأعمال الذي أعاد مؤخرًا تسجيل إقامته في أبوظبي وإيطاليا بعد خروجه اللافت من المملكة المتحدة نتيجة لتغييرات ضريبية دفعت عدداً من الأثرياء إلى مغادرة لندن.
وإدراج الشركة الجديدة في سوق أبوظبي المالي ينسجم مع تحولات ساويرس نحو مراكز المال الناشئة في الخليج، والتي باتت تجذب رؤوس الأموال الدولية بفضل سياسات اقتصادية مرنة وبيئة استثمارية تنافسية.
التركيز على البنية التحتية الأمريكية
المرحلة المقبلة من نشاط ساويرس ستتركز على السوق الأمريكية، حيث يخطط لضخ استثمارات مباشرة من أموال الشركة إضافة إلى أموال شركاء عبر مزيج من الاستثمارات في الأسهم والديون.
ويعتمد في ذلك على الخبرة الطويلة لشركة أوراسكوم في مجال المقاولات وإدارة المشروعات الكبرى، إضافة إلى السيولة المتاحة في ميزانية "أو سي آي" والتي تتجاوز مليار دولار نقداً وعوائد أخرى.
وقال ساويرس في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز: "نرغب في تركيز المرحلة التالية من أعمالنا على المجال الذي نرى فيه أكبر فرصة، وهو البنية التحتية. لدينا ميزة واضحة بفضل خبرتنا الطويلة في التنفيذ مقارنة بالمؤسسات المالية التي تكتفي بالتحليل المكتبي دون قدرة حقيقية على إدارة الأصول وتحقيق القيمة."
منافسة مع عمالقة الاستثمار الخاص
وبات قطاع البنية التحتية ساحة جذب لرؤوس الأموال العالمية، حيث تدفقت صناديق استثمارية ضخمة مثل "بلاك روك" عبر ذراعها GIP و"بروكفيلد" الكندية إلى هذا المجال، ما رفع حدة المنافسة.
لكن ساويرس، المعروف بانتقاداته اللاذعة لصناديق الاستثمار المباشر، يرى أن ميزة شركته تكمن في خبرتها التنفيذية الميدانية، وهو ما يمنحها أفضلية على الصناديق المالية التي تعتمد على المضاربات والعوائد قصيرة الأجل.
وكان قد صرح مطلع هذا العام بأن "أيام المجد لصناعة الاستثمار الخاص قد ولّت".
أوراسكوم في السوق الأمريكية
جدير بالذكر أن أوراسكوم تمتلك بالفعل حضوراً في السوق الأمريكية من خلال شركة "وايتز" التي استحوذت عليها عام 2012، والتي نفذت مشروعات كبرى مثل بناء مراكز بيانات حديثة، وتطوير صالات مطارات، وإنشاء وحدات سكنية جامعية.
هذه التجارب عززت ثقة ساويرس في أن السوق الأمريكية هي الوجهة المثالية للاستثمار طويل الأمد، خاصة مع توجه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ضخ مئات المليارات في البنية التحتية والانتقال الرقمي.
إرث عائلي وتحولات استراتيجية
وناصف ساويرس، البالغ من العمر 64 عاماً، هو الابن الأصغر للمؤسس أنسي ساويرس، الذي أرسى دعائم مجموعة أوراسكوم منذ خمسينيات القرن الماضي وحولها إلى إمبراطورية متعددة الأنشطة في المقاولات والصناعة والاتصالات.
وقاد ناصف نفسه على مدار العقود الماضية تحولات كبرى، بدءاً من دخوله مجال الأسمنت وبيع "أوراسكوم للأسمنت" إلى مجموعة "لافارج" الفرنسية في 2007 مقابل أكثر من 10 مليارات يورو، وصولاً إلى استثماره في الكيماويات والأسمدة عبر "أو سي آي غلوبال".
ورغم تنوع أنشطته، فإن معدل العائد الداخلي المجمع لكل من أوراسكوم وأو سي آي بلغ أكثر من 39% منذ إدراج أوراسكوم في البورصة عام 1999 وحتى نهاية 2024، كما أعادت الشركتان توزيعات نقدية تجاوزت 22 مليار دولار على المساهمين، وفقاً لتقرير مراجعة أعدته "كيه بي إم جي".
تخارجات استراتيجية ناجحة
وشهد العام الماضي إتمام "أو سي آي" بيع نشاط الميثانول العالمي لشركة "ميثانيكس" الأمريكية مقابل نحو ملياري دولار، في رابع صفقة كبرى تنفذها الشركة بعد إطلاقها مراجعة استراتيجية في 2023.
وتبقى بعض الأصول الأوروبية قيد التصفية أو البحث عن فرص بيع، وهو ما يمثل استكمالاً لعملية إعادة الهيكلة الشاملة التي مهدت لمرحلة التركيز على البنية التحتية.
ثروة شخصية وأهداف مستقبلية
وتقدر مجلة "فوربس" ثروة ناصف ساويرس بحوالي 9 مليارات دولار، ما يجعله في صدارة أثرياء مصر وأحد أبرز رجال الأعمال العرب على الساحة الدولية.
وإلى جانب نشاطه الصناعي والاستثماري، يمتلك ساويرس نادي "أستون فيلا" الإنجليزي لكرة القدم، حيث ساهم في إعادته إلى مصاف الأندية المنافسة في الدوري الممتاز.
لكن التركيز الجديد على الاستثمار في البنية التحتية الأمريكية يكشف عن رؤية طويلة الأمد تتجاوز مجالات الرياضة والأسمدة والكيماويات، نحو قطاع يُعتبر حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية المستدامة.
ويبدو أن ساويرس يراهن على أن الجمع بين خبرة المقاولات والقدرة على تعبئة رؤوس الأموال سيمنحه موقعاً تنافسياً في سوق مرشحة للنمو الهائل خلال العقد المقبل.