نثتائيل ليمينسكي.. "رجل الظل" يكتب مستقبل ألمانيا
من مفارقات القدر ومزحات السياسة أن الشاب الذي يلعب الدور الأكبر في صياغة مستقبل ألمانيا بعد ميركل، لا يزال عضوا في شبيبة الحزب الحاكم.
فالشاب نثتائيل ليمينسكي، الذي لا يزال عضوا في شبيبة الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم "يمين وسط"، يعد أهم مستشار لأرمين لاشيت، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي والمرشح الأقرب لخلافة ميركل، ولن يترك الشبيبة قبل 6 أشهر من الآن مع إتمامه عامه الـ36 في الخريف المقبل.
فالسياسي الشاب بألمانيا نثتائيل ليمينسكي، لا يزال شابا في نظر لوائح الحزب الحاكم، رغم أنه يعمل كوزير دولة في حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا "غرب"، أكبر ولايات البلاد.
بل إن ليمينسكي يعمل منذ 7 سنوات مع لاشيت، حيث رسم خلال هذه المدة كل خطوة مهمة في مسيرة رئيسه المهنية، كما يلعب الدور الأكبر حاليا في رسم طريقه ( لأرمين لاشيت) لخلافة ميركل.
ووفق مجلة دير شبيجل الألمانية "ذائعة الصيت"، فإن ليمينسكي الذي كان عمره 33 عاما في هذا الوقت، كان مهندس فوز لاشيت المفاجئ والكبير بانتخابات شمال الراين ويستفاليا في 2017، على حاكم الولاية ومرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هانيلور كرافت، رغم أن الاشتراكيين الديمقراطيين يملكون زمام الأمور في الولاية منذ فترة طويلة.
كما لعب ليمينسكي الدور الأكبر في تقدم لاشيت بطلب ترشيح في انتخابات رئاسة الحزب الحاكم، ثم فوزه بها في منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري، على حساب منافس صعب، هو فريدرش ميرتس، رئيس كتلة الحزب البرلمانية السابق.
والآن، يلعب السياسي الشاب الدور الأكبر في صياغة مستقبل ألمانيا ما بعد ميركل، حيث يخطط ويمهد طريق رئيسه، لأرمين لاشيت إلى منصب المستشارية خلفا للمرأة الحديدية.
العقل المدبر
وفي داخل الحزب الديمقراطي المسيحي، يطلق السياسيون على ليمينسكي العديد من الألقاب مثل "رجل ظل لاشيت"، و"مركز تحكم لاشيت"، و"العقل المدبر"، و"نجل لاشيت".
لكن لا يعرفه أحد خارج الحزب لأنه لا يظهر علنا ولا يجري مقابلات، رغم دوره الكبير في تحويل "خليفة ميركل" من مجرد معارض في برلمان ولاية شمال الراين ويستفاليا، إلى المرشح الأكبر لخلافة المستشارة الألمانية ، في 7 سنوات فقط.
وينحدر السياسي الشاب من بلدة سانت أوغسطين القريبة من مدينة بون، ونشأ مع تسعة أشقاء في منزل كاثوليكي محافظ، حيث كان والده صحفيا يعمل في العديد من الصحف الألمانية.
وبدأ ليمينسكي حياته كسكرتير خاص لوالده في فترة المراهقة، حيث كان يعمل على قراءة مقالاته وأرشفتها، حتى أصبح على اتصال وثيق بالسياسة.
بل أن ليمينسكي كان متفوقا ولامعا في الدراسة، وأسس في نهاية التسعينيات اتحاد الطلاب في مدينة بون، وما يعرف بـ"جيل بنديكت، وهي شبكة عالمية سميت على اسم بابا الفاتيكان في ذلك الوقت، وكان هدفها توجيه حياة أعضائها نحو الإيمان الكاثوليكي.
وفي الـ22 من عمره، كان السياسي الصاعد يدرس التاريخ والسياسة في الجامعة في بون، ثم عمل ككاتب خطابات لرئيس وزراء ولاية هيسن، رولاند كوخ.
ورغم هذا النجاح المبكر، قاد الطموح الجارف ليمينسكي إلى برلين، حيث عمل مستشارا في وزارة الدفاع ثم الداخلية، مع أسماء سياسية لامعة تولت هذه الوزارات مثل توماس دي مزيير وأرسولا فون دير لاين "رئيسة المفوضية الأوروبية الحالية"، قبل أن يتلقى مكالمة حاسمة من لاشيت في 2014.
وفي ذلك الوقت، كان لاشيت رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي المسيحي في برلمان ولاية شمال الراين ويستفاليا، وتعرف السياسي الشاب خلال مناقشة علنية بينهما داخل أروقة الحزب، وأثار إعجابه.
وبعد لقاءات مكثفة، أقنع لاشيت ليمينسكي بأن يصبح مديرا لمكتبه، وانتقل الشاب البالغ من العمر 28 عاما والأب لطفلين، إلى دوسلدورف، مقر برلمان ولاية شمال الراين ويستفاليا، وبدأت العلاقة الخاصة بين الرجلين.
وبصفة عامة، يملك معظم السياسيين الكبار عقولا مدبرة، أو مستشارين يعكفون على حل المشاكل ويحافظون على شبكات العلاقات ويعوضون نقاط ضعف رؤسائهم، لكن الشيء المميز في لاشيت وليمينسكي هو اختلافهم الشديد، إذ يفصل بينهم 24 عاما، ويعد الأول ليبراليا والثاني محافظا متشددا.
ومع ذلك، هناك العديد من القواسم المشتركة، فكلاهما كاثوليكي متدين، ويملك روح الدعابة، حيث يقول بعض الألمان إن "الضحك لا يتوقف في أي لقاء يجمع بين الرجلين".
وفي البداية، عمل ليمينسكي على إيجاد موضوعات ساخنة وآراء قوية لرفع أسهم لأرمين لاشيت، مثل حادث التحرش الجماعي في احتفالية رأس السنة في مدينة كولونيا في 2016، وهجوم برلين الإرهابي في 2016، والاختناقات المرورية في الطرق السريعة في شمال الراين ويستفاليا.
ونتيجة لجهود السياسي الشاب، ارتفعت أسهم لاشيت كثيرا في شمال الراين ويستفاليا وفاز بالانتخابات في 2017 وبات حاكما لها، ثم قام بتعيين ليمينسكي وزير دولة ومدير مكتب المستشارية في الولاية.
لكن العديد من السياسيين المخضرمين في الحزب الديمقراطي المسيحي عارضوا بشدة تعيين ليمينسكي في هذا المنصب الكبير، وحاولوا تغيير رأي لاشيت بدعوى أنه شاب صغير جدا وعديم الخبرة، لكنهم يعضون أصابعهم ندما في الوقت الراهن.
ونقلت "دير شبيجل" عن سياسي كبير في الحزب "لم تذكر اسمه" قوله، إن:" التقليل من شأن هذا الشاب كان أكبر أخطائي".
ومن يعرف لاشيت منذ البداية، يقر بتأثير ليمينسكي عليه، فخليفة ميركل المحتمل كان فوضويا ومزاجيا، إذ اضطر قبل سنوات طويلة للاستقالة من منصبه كأستاذ في جامعة آخن بعد أن أضاع أوراق امتحانات الطلبة ووضع الدرجات بناء على تقديره الشخصي. كما لم يكن نشاطه في الحزب الديمقراطي المسيحي منتظما أو مبشرا، بحسب الصحيفة.
وفي هذا الإطار، قال أحد المقربين من لاشيت لـ"دير شبيجل"، إنه:" لقد أعاد ليمينسكي النظام إلى مسيرة لاشيت، ووضعها على الطريق الصحيح".
والشيء المميز في ليمينسكي أنه يعرف نقاط ضعف رئيسه جيدا، وحريص على ألا يجعل نفسه أكثر أهمية منه، لذلك لا يحاول الظهور علنا والمشاركة كمتحدث في اللقاءات والمؤتمرات لأنه يعلم أن خليفة ميركل المحتمل ليس سياسيا يملأ الغرفة حماسا عندما يبدأ التحدث، وغالبا ما يتجاهله الحضور إذا صعد المنصة لإلقاء كلمة.
وكسياسي ومفاوض، لعب ليمينسكي أدوارا كبيرة في حكومة لاشيت في ولاية شمال الراين ويستفاليا، حيث كان العقل المدبر والمفاوض الرئيسي في اتفاق حكومة الولاية والحكومة الاتحادية على آلية للتخلص التدريجي من الفحم، تضخ بموجبه برلين 40 مليار دولار كمساعدات مالية لمناطق التعدين في كل البلاد، تذهب منها 37% إلى ولاية لاشيت، في صفقة وصفت بالممتازة.
الدور الأهم
ورغم كل ما حققه، لا يزال أمام ليمينسكي أهم دور ألا وهو "هندسة طريق لاشيت" إلى منصب خليفة ميركل.
ففي مارس/ آذار المقبل، يتعين على لاشيت، رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي "الحزب الأكبر"، حسم المنافسة مع ماركوس ذودر، حاكم ولاية بافاريا "جنوب" ورئيس الحزب الاجتماعي المسيحي "الأصغر"، على مرشح تحالفهما؛ الاتحاد المسيحي، لمنصب المستشارية خلفا لميركل.
ومن بين أمور كثيرة يحتاجها لاشيت قبل الجلوس على طاولة المفاوضات مع زودر، توحيد الحزب الديمقراطي المسيحي خلفه، والحصول على تأييد شبيبة الحزب، وهو ما يعمل عليه ليمينسكي بالفعل بنجاح كبير، بل أنه أسس شبكة من المؤيدين في ولاية بافاريا نفسها، معقل زودر.
وبعد الانتخابات التشريعية في خريف 2021، وفوز لاشيت وحزبه الاتحاد المسيحي المحتمل بها، وتشكيله حكومة جديدة، من المنتظر أن يلعب ليمينسكي الدور الأكبر في صياغة سياسة ألمانيا ما بعد ميركل، كرجل ظل، لأنه لا يحب أدوار الرجل الأول، وفق دير شبيجل.
aXA6IDEzLjU4LjIwMC43OCA=
جزيرة ام اند امز