الإمارات والبحرين.. نكهة أخوة بطعم السلام
علاقات تاريخية منقوشة بالذاكرة الجماعية للبلدين، تعززت بمسار سلام عكس رؤية ثاقبة وسياسة رصينة تستهدف استقرارا إقليميا يتصدى للفوضى.
فما يجمع دولة الإمارات بمملكة البحرين أكبر بكثير من الجغرافيا والعلاقات الرسمية بين الدول، لتتجاوزها إلى روابط الدين والدم والتاريخ ووشائج النسب والقربى والمصير الواحد، وهو ما يفرض تناظرا في الأفراح والأتراح بالنسبة لشعوب البلدين.
تقارب يفسر مشاركة الإمارات لشقيقتها البحرين احتفالاتها بأعيادها الوطنية، حيث تحتفل، الأربعاء والخميس، بيومها الوطني الـ49، والذكرى الـ21 لتسلم عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم.
احتفالات رسمية وشعبية
تحت شعار "البحرين – قلب وعين"، تشارك الإمارات فرحة البحرين بمجموعة من الفعاليات والعروض المميزة، تتضمن إضاءة عدد من أبرز معالم الدولة بالعلم البحريني، ومظاهر احتفالية في مطارات الدولة واستقبال الزوار البحرينيين القادمين إلى الإمارات بالورود والهدايا التذكارية، والعديد من الفعاليات والأنشطة الأخرى.
احتفالات تأتي في وقت يجني فيه البلدان ثمار قراراتهما الشجاعة بشأن تعزيز السلام وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بعد توقيع اتفاق سلام تاريخي مع إسرائيل.
كما تأتي الاحتفالات في وقت يتعاون فيه البلدان لمواجهة التحديات المشتركة التي تواجه العالم، وعلى رأسها جائحة كورونا، حيث شملت اختبارات المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح الفيروس غير النشط، متطوعين بالبلدين تحت شعار "لأجل الإنسانية".
وتشارك الإماراتُ البحرينَ احتفالاتها بأعيادها الوطنية في وقت تشهد فيه العلاقات التاريخية بين البلدين تطورات نوعية، مستندة لأسس من الود والاحترام المتبادل وروابط الدين والدم والتاريخ، ووشائج النسب والقربى والمصير الواحد، وسط حرص مشترك على تعزيزها وتنميتها بما يخدم مصالحهما المتبادلة ويلبي تطلعاتهما المستقبلية.
زيارات ومباحثات
تتجاوز العلاقات الإماراتية البحرينية الأطر الرسمية إلى العلاقات الاجتماعية الراسخة والممتدة، وذلك لكونها تستمد قوتها من الروابط الأسرية والتبادل الثقافي وعلاقات المصالح الاقتصادية، فيما تزداد اليوم تماسكا ورسوخا في ظل القيادة الحكيمة للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وتعكس الزيارات المتبادلة والمباحثات المتواصلة بين قادة البلدين متانة العلاقات الثنائية، وحجم الحرص المتبادل بين الجانبين على التباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود.
وكانت أحدث الزيارات تلك التي أجراها عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى الإمارات، قبل نحو شهر، للمشاركة في قمة ثلاثية مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعاهل الأردن الملك عبدالله الثاني.
وركزت القمة على العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدان الثلاثة وسبل تنميتها وتوسيع آفاقها، بما يحقق مصالحها المتبادلة وتطلعات شعوبها إلى التنمية المستدامة والازدهار، إضافة إلى التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وجاءت الزيارة بعد أشهر من قيام عاهل البحرين بزيارة خاصة للإمارات في 2 فبراير/ شباط الماضي، في خطوة أكدت من جديد أن العلاقات بين البلدين تتجاوز الأطر الرسمية إلى العلاقات الاجتماعية الراسخة والممتدة.
مباحثات متتالية وزيارات متبادلة ترجمت تطابق الرؤى بين البلدين، وحرص قادتهما على المضي بها إلى آفاق أرحب.
شركاء السلام.. تطابق الرؤى
تطابق في الرؤى تجلى من خلال دعم مسيرة السلام في المنطقة، بعد توقيع البلدين اتفاقيات سلام تاريخية مع إسرائيل.
ومنذ المكالمة التاريخية التي جرت بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 13 أغسطس/آب الماضي، تتالت إعلانات السلام من قبل دول عربية اختارت كسر العداء، بما يضمن الحق الفلسطيني.
وبعد أن ترجمت أبوظبي إعلانها التاريخي على أرض الواقع بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، وقعت المنامة في اليوم نفسه إعلان تأييد سلام مع تل أبيب، قبل أن تمضي قدما لتوقيع بيان تاريخي مشترك في 18 أكتوبر/تشرين الأول بشأن "إقامة علاقات دبلوماسية، إيذانا ببداية عهد جديد وواعد في العلاقات بين البلدين."
وتكتسب العلاقات الإماراتية البحرينية أهمية كبيرة في ظل تمتع البلدين بثقل سياسي وموقع جغرافي واستراتيجي مميز على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
كما يتبنيان سياسة حكيمة ومعتدلة تدعم الأمن والسلم الإقليمي والدولي، والتعايش السلمي بين الأديان والثقافات والحضارات، والحرص المشترك على أمن الخليج العربي وتقدمه وتعزيز التضامن العربي والإسلامي، ونشر رسالة التسامح والسلام في المنطقة والعالم، ووقوفهما صفا واحدا إلى جانب المملكة العربية السعودية في قيادتها للتحالف العربي في مكافحة الإرهاب، ودعم الشرعية وإعادة الأمل في اليمن.
ويرفض البلدان بشكل قاطع التدخلات الإيرانية السافرة والمتكررة في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين والدول العربية، ويستنكران دعم طهران للجماعات الإرهابية وتمويلها بما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويشددان على ضرورة التزام إيران بمبادئ ونصوص القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة القاضية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها واستقلالها ومبادئ حسن الجوار.
مواقف سياسية للبلدين تتطابق دائما مع القضايا الإقليمية والدولية؛ حيث يحرص البلدان على دعم ونصرة القضايا الخليجية والعربية والإسلامية، استنادا إلى عضويتيهما ودورهما الفاعل في مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات.
لجان واتفاقيات مشتركة
في 2000، بدأت العلاقات الإماراتية البحرينية تتخذ أبعاداً جديدة وآفاقاً رحبة على كافة المستويات، وذلك مع تشكيل اللجنة العليا المشتركة بينهما.
وشكلت اللجنة حافزا نحو إطلاق مشاريع ومبادرات في جميع المجالات الحيوية؛ حيث وقع البلدان خلال الاجتماع الأخير للجنة في دروته الثامنة يومي 29 و30 أكتوبر/تشرين الأول 2018، مجموعة من الاتفاقيات الثنائية أهمها تعاون ثقافي ثنائي بين مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث ووزارة الثقافة وتنمية المعرفة، للبدء في مشروع حضاري يستهدف ترميم بيتين أثريين في مدينة المحرق البحرينية.
وتفعيلا وتعزيزا للمصالح المشتركة؛ وقّع البلدان الشقيقان خلال السنوات الأخيرة العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات عدة، أبرزها استكشاف واستخدام الفضاء للأغراض السلمية، وبروتوكول تعاون في البحوث والتراث، ومذكرة تفاهم في مجالات الثقافة ودعم الشباب، ومذكرة تفاهم المؤهلات وضمان الجودة، ومذكرة تفاهم في المجال الزراعي والثروات المائية الحية.
كما وقّع البلدان اتفاقية دراسة تطوير مشاريع الطاقة المتجددة بين المجلس الأعلى للبيئة بمملكة البحرين، وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" وغير ذلك من المجالات المتعددة للتعاون.
وترجمة لتلك الاتفاقيات، تخطى التبادل التجاري بين البلدين المستويات التي شهدها ما قبل جائحة كورونا، حيث بلغ ما يعادل نحو 936 مليون دولار (3.4 مليار درهم) خلال النصف الأول من العام الجاري.