اليوم الوطني للهجرة.. مهدئات فرنسية لـ"وجع" الذاكرة بالجزائر
فيما تحيي الجزائر اليوم الوطني للهجرة لاستذكار أحد أسوأ الأحداث بتاريخ الثورة في البلاد، تحاول فرنسا تهدئة الآلام بـ"الشراكة المتجددة".
وتحيي الجزائر اليوم مرور 61 عاما على "المجزرة" التي ارتكبتها فرنسا ضد متظاهرين جزائريين خرجوا في احتجاجات على حظر التجول الذي فرض على الجزائريين في باريس عام 1961، فيما بات يعرف بـ"الثلاثاء الأسود".
إلا أن هذه الذكرى تنكأ جراح 132 عاما منذ عهد الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، والتي لم تلتئم بعد، رغم محاولات الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون منذ انتخابه لأول مرة عام 2017، لتطبيع العلاقات بين الشعبين.
وضرب إيمانويل ماكرون، أول رئيس فرنسي ولد بعد حرب استقلال الجزائر (1954-1962)، عندما كان مرشحا للانتخابات على وتر حساس عندما وصف الاستعمار بأنه "جريمة ضد الإنسانية"، وقد ضاعف منذ ذلك الحين مبادراته في ملف الذاكرة.
مهدئات لتخفيف الصداع
وبعد عودته إلى الجزائر في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2017، أي بعد أشهر قليلة على انتخابه، دعا ماكرون إلى عدم بقاء علاقة البلدين "رهينة الماضي" وإلى بناء "علاقات أكثر تطورا" بينهما.
وضاعف ماكرون مبادراته، فأقر بمسؤولية الجيش الفرنسي عن مقتل عالم الرياضيات موريس أودان والمحامي القومي علي بومنجل، لكنه لم يقدم اعتذارا عن الاستعمار الفرنسي للبلاد.
ورغم محاولات الرئيس الفرنسي الحالي تهدئة الأوضاع مع الجزائر، إلا أن حكومته اتخذت خلال العام الماضي عدة خطوات أثارت غضب الجزائريين، بينها رفضها في 31 أغسطس/آب 2021 النظر في طلب الحكومة الجزائرية بشأن تسليم المعارض "رئيس الحكومة القبايلية المؤقتة" فرحات مهني، بعد أن أصدرت الجزائر مذكرة توقيف دولية بحقه، بل إنها كرمت الحركة بعدها بشهر.
توتر العلاقات
تلك الخطوة أعقبتها أخرى في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بإعلان باريس أنها ستخفض عدد التأشيرات الصادرة للجزائريين بنسبة 50%، في قرار أعلن "من دون تشاور مسبق" وشجبته الجزائر كونه "تضمن سلوكا غير مقبول من خلال الضجة الإعلامية التي صاحبته"، على حد قول بيان جزائري في ذلك الوقت.
خطوة أخرى من فرنسا أثارت حنق الجزائر، ممثلة في تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في سبتمبر/أيلول 2021، والتي اعتبر فيها أن السلطات الجزائرية أنشأت "ريعا لذاكرة" حرب الاستقلال للحفاظ على شرعيتها، مشككا في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار.
واستدعت الجزائر سفيرها في فرنسا حينذاك، ليعود بعد نحو ثلاثة أشهر، فيما أعرب الرئيس الفرنسي عن "أسفه" للجدل الذي أثارته تصريحاته في مسعى لاحتواء الأزمة.
تهدئة الأوضاع
وبعد هذه المحطات المضطربة، حاولت فرنسا تهدئة الأمور مع الجزائر، فاستعاد البلدان علاقتهما الحيوية مع نهاية العام المنصرم، عقب زيارتين لوزير الشؤون الخارجية الفرنسي السابق جون إيف لودريان، الذي حرص على لعب دور رجل المطافي لخفض التوتر بين البلدين.
ومنذ ذلك الوقت، عادت الحرارة إلى العلاقات بشكل تدريجي؛ ففي نهاية أبريل/نيسان الماضي هنأ الرئيس الجزائري ماكرون بفوزه بولاية رئاسية ثانية ودعاه لزيارة الجزائر، وفي يونيو/حزيران أعرب الرئيسان عن أملهما في "تعميق" الروابط بين البلدين.
وفي رسالة وجهها إلى تبون في الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، أكد ماكرون "التزامه مواصلة عملية الاعتراف بالحقيقة والمصالحة لذاكرتي الشعبين الجزائري والفرنسي".
وبعد اندلاع الأزمة الأوكرانية التي تسببت في نقص واردات الغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد إيقاف الغاز الروسي، بذلت فرنسا مزيدا من الجهود لتهدئة التوتر مع الجزائر، فأوفدت في يوليو/تموز الماضي المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا، المستشار الخاص للرئيس إيمانويل ماكرون، في شؤون الذاكرة.
وقالت الرئاسة الجزائرية، في بيان صادر عنها -في ذلك الوقت- إن المؤرخ الفرنسي حل بالجزائر "محملا برسالة خطية من الرئيس الفرنسي، وقد سلمها لنظيره الجزائري، في أول تواصل بين البلدين يرجح أن ملف الذاكرة كان حاضرا فيه، منذ تدهور العلاقات الثنائية في أعقاب التصريحات غير المسؤولة للرئيس الفرنسي في خريف العام المنصرم".
ملف الذاكرة
وكان الرئيس الفرنسي كلف ستورا بإعداد ملف حول "ذاكرة الاستعمار الفرنسي في الجزائر"، في إطار محاولاته الهادفة إلى تهدئة "صراع الذاكرة" بين البلدين، فيما عين الرئيس الجزائري مستشاره لشؤون الذاكرة والأرشيف عبدالمجيد شيخي، بإعداد تقرير من الجانب الجزائري.
وبعد زيارة مستشاره، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة إلى الجزائر، في أغسطس/آب الماضي حاول فيها تهدئة الأوضاع مع الجزائر، والتقى رجال أعمال وجمعيات شباب طرحوا عليه أسئلة عن مشاكل التأشيرة وتراجع اللغة الفرنسية في الجزائر، والخلاف حول ملفات الذاكرة بين البلدين.
وبعد أشهر من الأزمة الدبلوماسية المرتبطة بهذا الماضي الأليم، أعلن الرئيسان الفرنسي والجزائري عبدالمجيد تبون، منذ اليوم الأول للزيارة في أغسطس/آب الماضي، ديناميكية جديدة في العلاقة بين البلدين.
واختتم ماكرون زيارته بالتوقيع الرسمي على إعلان مشترك من أجل "شراكة متجددة وملموسة وطموحة" بحسب ما أعلنت الرئاسة الفرنسية، وهي نقطة أضيفت في اللحظة الأخيرة إلى برنامج الرئيس الفرنسي، الذي اعتبر أن العلاقات مع الجزائر "قصة لم تكن بسيطة أبدا، لكنها قصة احترام وصداقة ونريدها أن تبقى كذلك، وأجرؤ على القول إنها قصة حبّ".
شراكة جديدة
وأكد أنه سيعمل على "شراكة جديدة من أجل الشباب ومن خلالهم" تشمل قبول ثمانية آلاف طالب جزائري إضافي للدراسة في فرنسا ليرتفع اجمالي عدد الطلبة الجزائريين المقبولين سنويا إلى 38 ألفا.
كما دافع بقوة عن فكرة تسهيل حصول بعض الفئات من الجزائريين على تأشيرات فرنسية من أجل المساهمة في ظهور "جيل فرنسي جزائري جديد في الاقتصاد والفنون والسينما وغيرها".
وتم الإعلان في الزيارة عن تشكيل لجنة مشتركة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين "للنظر معا في هذه الفترة التاريخية" من بداية الاستعمار وحتى نهاية حرب الاستقلال "بدون محظورات".
وفي أكتوبر/تشرين الأول الجاري، زارت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن ونصف حكومتها الجزائر، معتبرة أن البلدين يتقدمان باتجاه "شراكة متجددة دائمة"، بعدما التقت الرئيس عبدالمجيد تبون في ثاني يوم من زيارتها للجزائر.
وقالت أمام الصحفيين في قصر الرئاسة بالجزائر العاصمة "أشعر أننا حققنا تقدما معا، وأن اللجنة الحكومية رفيعة المستوى وضعت أسس شراكة متجددة ودائمة ستكون في صالح شبابنا".
وشددت رئيسة الوزراء الفرنسية ونظيرها الجزائري أيمن بن عبدالرحمان على رغبتهما في "تكثيف" العلاقات الثنائية في ختام اجتماع اللجنة الحكومية رفيعة المستوى، وهو الأول منذ عام 2017، والذي أسفر عن توقيع 12 اتفاقية تعاون في مجالات الصناعة والفن والثقافة.
aXA6IDMuMTQuMTQ1LjE2NyA=
جزيرة ام اند امز