منذ ذلك الوقت رسخت إسرائيل دولتها والتهى العرب بالانقلابات والاضطرابات والخلافات واتباع سياسة المحاور
في مطلع الثمانينيات صدر كتاب فريد لرجل المخابرات المركزية الأمريكية مايلز كوبلنز عنوانه "لعبة الأمم"، ثم أتبعه بكتاب آخر يحمل عنوان "حبال الرمل"، أورد فيهما تفاصيل مثيرة عن دور المخابرات في أحداث المنطقة والمتغيرات السريعة التي جرت منذ منتصف الخمسينيات حتى زمن الإصدار.
منذ ذلك الوقت رسخت إسرائيل دولتها والتهى العرب بالانقلابات والاضطرابات والخلافات واتباع سياسة المحاور بعد أن دخل الاتحاد السوفيتي طرفاً في لعبة الأمم، لنعرف بعد ذلك أن كل ما جرى من يومها إلى يومنا هذا كان جزءاً من اللعبة
وكالعادة، انقسم العرب ورجال السياسة والإعلام بين مصدق ومؤكد ومكذب ومستخف، لأن المضمون ينسف كثيرا من الحقائق، ويكشف النقاب عن قيادات وأنظمة كان ينظر إليها بإعجاب ويقلب لافتات الإشادة بدورها الوطني، فما جاء في الكتابين يبرز دور الولايات المتحدة وغيرها في معظم الانقلابات العسكرية والاضطرابات والخلافات العربية والأحداث الغامضة مع التركيز على مصر وسوريا ولبنان والعراق.
واعترف بأن القراءة الأولى للكتابين تدفع للشك بما تضمنته من عنتريات ولغة جيمس بوندية وإظهار بطولات وتمجيد القدرة على الوصول إلى أدق تفاصيل العالم العربي والقرب من أصحاب القرار والتأثير في قراراتهم وممارساتهم سراً وعلنا.
ومع عدم استبعاد المبالغة في الوصف والسرد، فإن من يبحث ويدقق في الأحداث يجد كثيرا من الحقائق التي أكدتها مذكرات السياسيين والعسكريين والوثائق السرية التي تنشر في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا بعد مضي ٢٥ عاماً على حدوثها، إضافة إلى ما يكشف عنه من وثائق وممارسات بعد قلب نظام ما.
ولو تركنا كل هذه الأمور جانباً واستعرضنا الأحداث التي وقعت في معظم الدول العربية خلال قرن من الزمان، لوجدنا ضالتنا وتأكدنا من الواقع الأليم الذي حول العربي إلى مفعول به على الدوام، بدلاً من أن يكون فاعلاً، ولو فيما يتعلق بقضاياه وخصوصياته وسيادته واستقلال قراره.
ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى مراكز دراسات وأبحاث وتدقيق لرصد الوقائع وكشفها للرأي العام، ولكن من المفيد عرض جردة حساب بأحداث قرن من الزمان يمهد للعمل الجدي من البداية عندما خدع البريطانيون العرب بما سمي الثورة الكبرى ضد العثمانيين لقاء وعد بإقامة خلافة عربية بقيادة الشريف حسين، وعندما تحقق لهم ما خططوا لينكثوا بوعودهم وتوصلوا مع الفرنسيين إلى اتفاقية لا شرعية عرفت باسم "سايكس بيكو". وكرت سبحة الأحداث ليصدر وعد بلفور المشؤوم بعد تكريس الاستعمار بالتقاسم بين الدولتين لإعطاء اليهود حق إقامة دولتهم في فلسطين.
وهذا ما جرى إلى أن وقعت نكبة فلسطين عام ١٩٤٨ وانتهت بهزيمة العرب ونزوح الفلسطينيين، وفي عام ١٩٥٦ بدأت نهاية النفوذ البريطاني والفرنسي إثر العدوان الثلاثي (إسرائيل وفرنسا وبريطانيا) على مصر وتدخل الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور لوقفها ووضع اليد على المنطقة، مخيرا البريطانيين بين العمل مع أمريكا لقاء مكاسب توهب لهم.
ومنذ ذلك الوقت رسخت إسرائيل دولتها والتهى العرب بالانقلابات والاضطرابات والخلافات واتباع سياسة المحاور بعد أن دخل الاتحاد السوفيتي طرفاً في لعبة الأمم، لنعرف بعد ذلك أن كل ما جرى من يومها إلى يومنا هذا كان جزءاً من اللعبة إلى أن استغلت القوى الإقليمية ضعف العرب لتدخل بدورها طرفاً في التآمر، وتحولت إيران وتركيا إلى لاعبين أساسيين؛ ليس في السياسة فحسب بل في التدخل العسكري السافر، لتصبح لعبة على المكشوف بلا خجل ولا حياء من الفاعل والمفعول به والعرض مستمر بلا انقطاع وإقبال تام على لعبة الأمم.. عفواً لعنة الأمم!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة