إنفاق الناتو يختبر وحدة الحلف.. هل يتحمل الأوروبيون كلفة الأمن الجماعي؟

في ظل الضغوط الأمريكية، يشهد حلف شمال الأطلسي (ناتو) في عام 2025 مرحلة إعادة تشكيل جذرية في سياساته الدفاعية.
ودفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الحلفاء الأوروبيين إلى الالتزام بمستويات إنفاق غير مسبوقة على الدفاع، ففي قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأخيرة التي عقدت في يونيو/حزيران الماضي، تعهد الأعضاء بإنفاق 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2035، تُخصص منها 3.5% للإنفاق العسكري المباشر و1.5% للبنية التحتية والجاهزية المدنية.
في السابق، اعتمدت أوروبا على الولايات المتحدة كضامن للأمن الجماعي، وهو ما اعتُبر لعقود أنه يأتي على حساب القدرات الأمريكية لكن مع تزايد حاجة واشنطن للتركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين، أصبح من الواضح أنه يتعين على الأوروبيين تحمل المسؤولية الرئيسية عن الدفاع التقليدي للقارة.
وأشار الموقع إلى أن زيادة الإنفاق الدفاعي لأوروبا ممكن جدا من الناحية الاقتصادية إذ إن الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي في 2024 كان يعادل تسعة أضعاف الناتج الروسي، من دون احتساب بريطانيا وتركيا وغيرهما من أعضاء الناتو خارج الاتحاد.
ويمكن تقسيم التزام دول الناتو بالهدف الجديد إلى أربع فئات رئيسية وذلك وفقا لما ذكره موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي.
الدول الأكثر التزاما
تضم المجموعة الأولى الدول الأكثر التزامًا وسرعة في التنفيذ وتشمل بولندا، دول البلطيق، الدول الإسكندنافية، وألمانيا.
وبالفعل، كانت بولندا رائدة بإنفاق بلغ 4.12% عام 2024، مع خطة للوصول إلى 5% بحلول 2026 أما إستونيا فأنفقت 3.43% عام 2024، ووافقت على خطة استثمار دفاعي لبلوغ 5% في 2026، فيما التزمت ليتوانيا ولاتفيا بالجدول ذاته.
أما السويد، العضو الجديد في الناتو، فأعلنت نيتها بلوغ 3.5% بحلول 2030، وربما 5% قبل 2035، بينما ستلحق بها النرويج وفنلندا والدنمارك تدريجيًا.
وبالنسبة لألمانيا التي فشلت لعقدين في بلوغ 2%، فوصلت إلى هذا السقف في 2024 ومع تولي المستشار الجديد فريدريك ميرتس السلطة تسارعت سياسة الـ" التحول" لتضع هدف 3.5% عام 2029.
وتمثل هذه المجموعة "المحرك الدفاعي الجديد" لأوروبا، ويُنتظر أن تكون أول من يحقق المستويات المطلوبة، بل وربما قبل الموعد النهائي.
الدول الملتزمة بخطط واضحة حتى 2035
تشمل المجموعة الثانية فرنسا، اليونان، رومانيا، المجر، التشيك، بلغاريا، هولندا، المملكة المتحدة، ألبانيا، الجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية.
وبالفعل، أعلنت فرنسا زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 75 مليار دولار بحلول 2027، أي نحو 2.4% من ناتجها المحلي ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أنها ما زالت بعيدة عن 3.5%..
ومعظم دول هذه المجموعة كانت بالفعل عند 2% في 2024، مما يجعل التزامها بالوصول إلى 5% في 2035 معقولًا وإن كان مليئًا بالتحديات الاقتصادية والسياسية.
الدول ذات المسارات الغامضة
تشمل إيطاليا، بلجيكا، سلوفينيا، كرواتيا، البرتغال، لوكسمبورغ، كندا، وسلوفاكيا.
لقد اعترفت إيطاليا بأنها بحاجة إلى عقد كامل تقريبًا للوصول إلى الهدف، فيما حاولت احتساب مشاريع غير عسكرية ضمن الإنفاق الدفاعي، مما أثار الشكوك.
أما دول مثل بلجيكا وسلوفينيا وكرواتيا فترددت دائما في الاستثمار العسكري، وكانت تحت عتبة 2% عام 2024 حتى أن رئيس وزراء سلوفينيا لمح إلى إمكانية طرح عضوية الناتو للاستفتاء ردًا على هذا الالتزام الجديد.
وبالنسبة لكندا فقد اتخذت خطوة أكثر جدية مؤخرًا بإعلان نيتها بلوغ 2% العام المقبل، ما قد يشير إلى نهاية عقود من التقاعس في الاستثمار العسكري.
وستبقى دول هذه المجموعة تحت المراقبة، إذ إن التزامها الرسمي بالـ5% لا يقابله بعد مسار مالي وسياسي واضح.
الدولة الرافضة
رفضت إسبانيا الالتزام بالهدف الجديد للناتو مثلما رفضت من قبل هدف الـ 2% القديم وهو ما أثار انتقادات حادة، إذ يُنظر إليه كإصرار على الاعتماد على الآخرين دون تحمل عبء الدفاع المشترك.
يعكس التحول في سياسة الإنفاق إعادة توازن داخل الناتو من تحالف يعتمد على الولايات المتحدة إلى تحالف يحاول بناء قدرة دفاعية أوروبية مستقلة نسبيًا.
وبالنسبة للولايات المتحدة فإن التحول يمثل فرصة لإعادة توجيه الموارد نحو آسيا من دون الانسحاب من أوروبا كليًا، حيث ستبقى واشنطن المزود الأساسي لـ"القدرات الاستراتيجية" مثل الردع النووي والاستخبارات واللوجستيات البعيدة.
أما بالنسبة لأوروبا، فإن التحدي الأكبر ليس في الموارد بل في الإرادة السياسية والقدرة على التنسيق بين الدول. إذا التزمت أوروبا فعلًا بخططها، فإنها ستصبح في ثلاثينيات هذا القرن قوة عسكرية قادرة على ردع روسيا وضمان أمنها الذاتي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOSA= جزيرة ام اند امز