مدفع «غوستاف» النازي.. سلاح مرعب يفوق الخيال ويكبل الواقع

رغم الهالة التي أحاطت بالأسلحة الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، باعتبارها تجسيدًا للتفوق التكنولوجي النازي، فإن بعضها شكّل عبئًا على فاعلية العمليات العسكرية أكثر من كونه أداة حاسمة في ساحات القتال.
ويُعد مدفع «شفيرر غوستاف» أبرز الأمثلة على هذا التناقض بين العظمة الهندسية والجدوى العسكرية.
خلال الحرب العالمية الثانية، تميزت التكنولوجيا الألمانية بتفوق ملحوظ على ما استطاعت قوات الحلفاء تطويره في معظم فترات الحرب، مما عزز صورة النظام النازي كقوة شر متجسدة ومهيمنة، بحسب مجلة ناشيونال إنترست.
ويُعد مدفع السكة الحديدية الثقيل "شفيرر غوستاف" مثالًا بارزًا على هذا التفوق التكنولوجي، حيث كان ابتكارًا يعكس هوس الرايخ الثالث بالقوة النارية الهائلة والتفوق العسكري، لكنه في الوقت ذاته كان من أكثر الإنجازات الهندسية العسكرية طموحًا ورعبًا في التاريخ، إذ جمع بين الحجم الهائل والقوة التدميرية غير المسبوقة.
جرى تصميم مدفع غوستاف بواسطة شركة كروب الألمانية الشهيرة، التي كانت من أبرز شركات تصنيع الأسلحة في ألمانيا النازية.
وكان الهدف من ابتكاره هو تدمير الأهداف شديدة التحصين والتي كانت تقف عقبة أمام التوسع العسكري الألماني، مثل خط ماجينو الفرنسي، الذي كان يشكل تحديًا كبيرًا للجيش الألماني بسبب تحصيناته القوية وسلسلة الدفاعات المعقدة التي بُنيت على الحدود الفرنسية الألمانية.
بدأ تطوير المدفع عام 1937، وسُمّي باسم "غوستاف" تكريمًا لغوستاف كروب، رئيس الشركة الذي كان رمزًا للصناعة العسكرية الألمانية.
وكان المدفع قادرًا على إطلاق قذائف ضخمة تزن حتى 7 أطنان لمسافات تصل إلى 47 كيلومترًا، مما يجعله سلاحًا ذا قدرة تدميرية غير مسبوقة، حيث كانت هذه القذائف مزودة برؤوس شديدة الانفجار قادرة على اختراق الخرسانة المسلحة والصلب، بالإضافة إلى قذائف خارقة للدروع مخصصة لتدمير المخابئ العميقة تحت الأرض.
لكن، وبالرغم من هذه القوة الهائلة، كان استخدام مدفع غوستاف محدودًا جدًا بسبب وزنه الضخم الذي بلغ حوالي 1350 طنًا، وحجمه الذي تجاوز 47 مترًا في الارتفاع، بالإضافة إلى تعقيداته اللوجستية التي تطلبت حوالي 2000 جندي لتشغيله وصيانته، مما جعله سلاحًا صعب الاستخدام في الميدان.
ونظرًا لحجمه ووزنه الكبيرين، كان مدفع غوستاف يُثبّت على عربة سكة حديد خاصة به، مما جعله غير قابل للنقل عبر الطرق التقليدية.
كان المدفع بحاجة إلى النقل عبر السكك الحديدية، وكانت عملية تجميعه وتفكيكه تستغرق أسابيع بمساعدة الرافعات والمعدات الخاصة، كما كان يُرافق دائمًا ببطاريات مضادة للطائرات وقطارات دعم لنقل الذخائر والموارد، ما جعله كابوسًا لوجستيًا بكل معنى الكلمة.
على الرغم من أن المدفع كان مخصصًا في الأصل لاختراق خط ماجينو، إلا أن اكتماله في عام 1941 جاء بعد أن كانت القوات الألمانية قد اجتاحت فرنسا عام 1940 متجاوزة الخط الدفاعي من خلال بلجيكا، مما جعل المدفع عديم الفائدة تقريبًا في ذلك الوقت.
ومع ذلك، أُعيد استخدامه لاحقًا خلال حصار مدينة سيفاستوبول السوفيتية في عام 1942، حيث تم نشره لقصف التحصينات الشديدة التي كانت تحمي المدينة، مما أظهر بعضًا من قدراته التدميرية على الأرض، رغم محدودية تأثيره الاستراتيجي.
على الرغم من الإنجاز الهندسي الكبير الذي مثله مدفع غوستاف، إلا أن المشروع كان إهدارًا ضخمًا للموارد، حيث استنزف موارد بشرية ومادية هائلة كان من الممكن توجيهها نحو أسلحة أكثر فاعلية وكفاءة في ميدان القتال.
ويعكس هذا السلاح الطموح المبالغ فيه وغير العملي في بعض الأحيان الذي ميز بعض جوانب التكنولوجيا العسكرية النازية، والتي كانت تركز على إبهار العدو وإظهار القوة بطرق دراماتيكية، حتى لو لم تكن هذه الأسلحة عملية أو فعالة على أرض الواقع.
ودفع المدفع حدود ما يمكن تحقيقه في تصميم المدفعية، لكنه في الوقت ذاته أظهر صعوبة تحويل التصاميم الطموحة إلى أدوات فعالة في ظروف الحرب الحقيقية، حيث كانت المرونة والسرعة في الحركة والتكتيكات العملية أكثر أهمية من الحجم والضخامة.
يبقى مدفع "شفيرر غوستاف" تحفة تكنولوجية وقصة تحذيرية في آنٍ واحد، تقدم دروسًا قيمة حول التوازن بين الابتكار والجدوى العملية، وتُخلّد إرثًا في كتب التاريخ العسكري كشهادة على السعي البشري لتخطي حدود الممكن حتى في أصعب الظروف.