ارتكبت في دول مجلس التعاون جرائم إرهابية شنيعة على أرضها، وهرب منفذوها والمحرضون عليها، وكثير منهم الآن يعيش في كنف دول لنا علاقات جيدة معها، أوروبية وغيرها
ارتكبت في دول مجلس التعاون جرائم إرهابية شنيعة على أرضها، وهرب منفذوها والمحرضون عليها، وكثير منهم الآن يعيش في كنف دول لنا علاقات جيدة معها، أوروبية وغيرها، وهؤلاء إن لم يوقفوا نشاطاتهم وتحريضهم ضد دولهم فإن دول الخليج مدعوة لأن تطالب بتسليمهم أو أن تطلب من الدول التي يعيشون في كنفها بأن تحد مما يقومون به من أعمال تحريضية.
نادراً ما أدرجت دول مجلس التعاون مطالباتها بهؤلاء الهاربين في مفاوضاتها ومناقشاتها مع الدول التي تؤويهم، والكثير منهم في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وما ذلك إلا لأن العنف والإرهاب من أساسه طارئ ومتغير ومستجد على مجتمعاتنا الخليجية، ولأننا ما زلنا نتعامل مع الدول الصديقة بشيء من الود الاجتماعي والخجل من «إزعاجهم»!!
لم تكن الاتفاقيات الأمنية الدولية أو الثنائية لتبادل المحكومين أو المطلوبين للعدالة في الأغلب هي الوسيلة الوحيدة التي تم فيها تسليم المطلوبين للعدالة، وكثيراً ما فشلت الاتفاقيات حتى الثنائية في إجبار الدول التي تؤوي مطلوبين في دولة ما على تسليمهم لدولة أخرى لعدم التزام الدول بها لاعتبارات سياسية.
والأمثلة كثيرة، أقربها الاتفاقية الثنائية بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا لتسليم المطلوبين المدانين بجرائم، التي وقعت بينهما عام 1979، وتسمى «اتفاقية تسليم المجرمين والمساعدة المتبادلة في المسائل الجنائية». ورغم ذلك، رفضت الولايات المتحدة الأميركية تسليم غولن المتهم بالانقلاب على إردوغان لتركيا.
نحتاج جهة خليجية ذات قيادة مركزية، مهمتها أن تضع قائمة بالمطلوبين، وقائمة بالدول التي تؤويهم، تكون مهمتها متابعة مهمة جلبهم، واحداً تلو الآخر
وبالمقابل، رفضت روسيا تسليم إدوارد سنودن للولايات المتحدة الأميركية، رغم مطالبتها المتكررة. والأمثلة كثيرة، إنما لم تترك أي من تلك الدول، ولم تهمل مطالباتها، واستمرت في ملاحقة المجرمين الذين ارتكبوا جرائمهم في حقها حتى بعد هروبهم، فأبقت على ملاحقتهم بطرق شتى، إحداها استخدامهم كورقة ضغط في «المفاوضات» الدبلوماسية، أو حتى التجارية، لتشكل ضغطاً على الدولة التي تؤوي المطلوبين، وتشكل في الوقت ذاته ضغطاً على المجرمين الذي يعتقدون أن هروبهم ولجوءهم لدولة أخرى يغلق ملفات مطالباتهم!!
الدول الخليجية لم تعتد أن يكون لديها قائمة «مطلوبين أمنيين» تمت محاكمتهم وإدانتهم، أو ملاحقين مشتبهين، مطلوب القبض عليهم على ذمة قضايا إرهابية، كما هو جار الآن بهذا الشكل المتصاعد، فلا تملك خبرة طويلة في ملاحقة تلك العناصر خارج حدود دولنا.
وأمام تلك المتغيرات التي استجدت، وحجم الإرهاب الذي ارتكب للمرة الأولى بهذا الشكل وتلك البشاعة على أرضنا، ولضلوع العناصر الإرهابية في جرائم خطرة تدينها كل القوانين، والأهم ضلوع دولة كإيران في تدريب وتمويل تلك العناصر الهاربة وإيوائها، كما فعلت مع عناصر من «القاعدة» ومن «حزب الله»، فإن الوقوف ضد ممارسات هذه الدولة وتدخلاتها يجب أن تكون على رأس أولويات دول مجلس التعاون.
نحتاج جهة خليجية ذات قيادة مركزية، مهمتها أن تضع قائمة بالمطلوبين، وقائمة بالدول التي تؤويهم، تكون مهمتها متابعة مهمة جلبهم، واحداً تلو الآخر، أياً كانت المدة الزمنية المطلوبة لإنجاز تلك المهمة، على أن تكون ملفات تلك القائمة حاضرة على جدول أعمال جميع المفاوضات الدولية، بين أي من دول مجلس التعاون وتلك الدول التي تؤوي المطلوبين للعدالة أو للتحقيق.
وسواء كانت تلك المفاوضات دبلوماسية أو أمنية أو تجارية أو عسكرية أو برلمانية، وحتى على طاولة التجار الخليجين مع نظرائهم الأوروبيين أو الأميركيين أو كل من يتعامل مع الدول التي تؤوي أياً من المطلوبين، لتطرح تلك المطالبات كجزء من التفاوض أو النقاش على جدول الأعمال دوماً.
هكذا تفعل جميع الدول بلا استثناء، أميركا فعلتها وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرهم، نحن فقط نقتدي بخبراتهم السابقة، ونكرس واقعاً جديداً تحتاجه مجتمعاتنا كي تأمن على نفسها، وتلقن أي عقلية إجرامية درساً بأن المجرم الإرهابي، سواء من نفذ أو حرض على الإرهاب في دولنا، لن يجد له راحة واستكانة حتى تأخذ العدالة مجراها، فلا مفر ولا مهرب ولا أرضًا تؤويه.
البحرين وحدها لديها العشرات من المطلوبين لتنفيذ أحكام قضائية صدرت بحقهم، أو المشتبه فيهم والمطلوبين على ذمة التحقيقات في قضايا أخرى، بعضهم موجود في دول عربية كالعراق ولبنان، وآخرون موجودون في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، والغفلة عن هؤلاء تكرس واقعاً خطيراً بأن الإرهاب إن نفذ من حدودنا، فهو آمن خارجها، لذا حين توضع خطط الإرهاب يكون الهرب لتلك الدول إحدى خطواتها وسيناريوهاتها الموجودة بشكل مسبق، وما ذلك إلا لأنهم يعرفون أننا لم نعتد أن نجهد في ملاحقتهم، ولم تكن مهمة جلبهم لمواجهة العدالة موجودة دائماً على رأس قائمة المهام التي تضطلع بها الحكومات... ذلك زمن يجب أن يكون قد ولى وانتهى.
*نقلاً عن " الشرق الأوسط "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة