رغم اقتراب الحرب في قطاع غزة من شهرها السادس، وتسارع وتيرة البحث عن صيغة لهدنة ولو مؤقتة خلال شهر رمضان الكريم الذي بدأ اليوم الإثنين، لا تظهر أي ملامح واضحة لتبلور تلك الهدنة المأمولة.
والسبب الأساسي في ذلك هو: تمسك كل من إسرائيل وحركة حماس بشروط متشددة. وطرح كل طرف مطالب وضمانات لا تتوافق بل بعضها يتناقض مع مطالب الطرف الآخر.
ومنذ أسابيع والمفاوضات تجري في حلقة مغلقة من الشروط والشروط المضادة، وكلما اضطر أحد الطرفين إلى التنازل أو إبداء مرونة في بعض الجوانب، يفاجأ الوسطاء بالتشدد في جوانب أخرى أو تطرح مطالب جديدة تماماً. وبالطبع يقابل الطرف الآخر هذه المناورات بنفس النمط من الألاعيب التفاوضية، لتعود المفاوضات إلى نقطة الصفر.
وقد حاولت الدول القائمة بالوساطة من البداية: مصر وقطر، إحراز أي تقدم إلى الأمام. وأمام تشدد كلا الطرفين وتذبذب مواقفهما بشكل سلبي، دخلت أطراف أخرى على خط الوساطة. وهي تحديداً الولايات المتحدة الأمريكية التي انضمت إلى المفاوضات بشكل مباشر وطرحت نفسها ليس فقط كوسيط، وإنما أيضاً كضامن لتنفيذ ما قد يتم التوصل إليه من تفاهمات. وذلك بهدف التعجيل ببلورة صيغة مقبولة وعملية لهدنة أو تسوية ولو مؤقتة. بعد أن بدأ الرأي العام الداخلي الأمريكي يمثل ضغطاً على إدارة الرئيس جو بايدن، مع اتضاح خطورة ومأساوية الوضع في غزة.
وعلى خلاف الدوافع الداخلية للموقف الأمريكي مثل الانتخابات الرئاسية، يمثل استقرار المنطقة وأمن وتنمية شعوبها الدافع الجوهري لدى الدول الأخرى المعنية بالتهدئة بين الفلسطينيين وإسرائيل، سواءً أكانت الوسيطين الأساسيين المصري والقطري، أو دولاً أخرى مثل دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية والأردن. فكل هذه الدول تبحث في سياساتها الخارجية بشكل عام وتحركاتها الإقليمية بصفة خاصة عن السلام والهدوء في الشرق الأوسط.
لكن من الواضح أن حرص دولة الإمارات وبقية الأطراف المعنية بما يجري في غزة (على الخروج من الوضع المتأزم هناك) أشد كثيراً من حرص الطرفين الرئيسين وهما إسرائيل وحماس، وهو أمر صادم، لكنه واقعي. فحكومة بنيامين نتنياهو التي يفترض أنها تسعى بقوة إلى تحرير المحتجزين لدى حركة حماس، تباشر حرباً شرسة ضد قطاع غزة وتمارس عمليات قتل جماعي وتشريد للفلسطينيين المدنيين كلهم (وليس عناصر حماس تحديداً).
وحين بدأت في التفاوض على هدنة، جعلت أولويتها إطلاق سراح المحتجزين، لكنها في الوقت نفسه لا تقدم مرونة في مسائل أخرى مثل عدم عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال القطاع، واستمرار الوجود العسكري الإسرائيلي داخل القطاع أثناء وبعد الهدنة المقترحة. بل إن حكومة نتنياهو رفعت سقف التفاوض إلى خروج قادة حماس من غزة، رغم إدراكها مسبقاً أنه مطلب صعب التحقيق. بالإضافة إلى اشتراطات إجرائية، منها تحرير المحتجزين أولاً قبل وقف إطلاق النار.
وفي المقابل، تُصر حركة حماس على وقف إطلاق النار أولاً، كما تريد ضمانات بعودة النازحين إلى شمال غزة. وقبل كل ذلك والأهم هو ضمان استمرار المساعدات الإنسانية.
واضح جداً أن لدى كل من قادة حماس وقادة إسرائيل، هواجس سياسية ومخاوف تتعلق بالسلطة والمكاسب الداخلية، ربما تتجاوز أهميتها لديهم حياة المواطنين في الجانبين؛ الفلسطينيين أو الإسرائيليين. وإلا لما ظلت حماس تتشدد في التفاوض بينما في كل يوم تتأجل فيه الهدنة يسقط مئات المدنيين الأبرياء. ولما نفذت إسرائيل عمليات قصف ومداهمة عشوائية لمناطق ومنشآت فلسطينية، تقتل فيها عددا من المحتجزين الإسرائيليين أنفسهم.
ورغم أن التوفيق بين مطالب الجانبين التفاوضية ليس مستحيلاً، فإن الحائل هو العناد وخشية الجانبين من التنازل أو إبداء مرونة. والنتيجة أن المفاوضات تدور بلا تقدم، بينما تستمر معاناة الفلسطينيين بمزيد من القتل والجوع والنزوح. وفي ظل تلك النوايا والأهداف غير الصادقة على الجانبين، فمجرد الاتفاق على هدنة لن يضمن إنقاذ المدنيين الفلسطينيين، حيث ستستمر الاستفزازات والذرائع من الجانبين وسيتبادل الطرفان الاتهامات، بينما سيظل الشعب الفلسطيني الضحية الوحيدة لتلك المأساة غير الإنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة