نتنياهو يتراجع عن بعض قوانين الإصلاح.. إرضاء للشارع أم للبيت الأبيض؟
تخلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن جزء من قرارات الإصلاح القضائي ولكنه أبقى "الجزء الآخر".
إعلان نتنياهو جاء في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أكد فيها التخلي عن "فقرة التغلب"، وهي تمنح القوانين حصانة استباقية من المراجعة القضائية، مع "التمسك بهيمنة الحكومة على اختيار القضاة"، وتزامن ذلك مع استمرار الجدل حول عدم دعوة نتنياهو إلى البيض الأبيض بعد مرور 6 أشهر على تشكيل الحكومة.
- في أوج "الجفاء" الأمريكي.. نتنياهو يتلقى دعوة لزيارة الصين
- نتنياهو يرجئ مشروعا استيطانيا ضخما بالقدس تحت ضغط أمريكي
وتصدرت تصريحات نتنياهو وسائل الإعلام الإسرائيلية دون أن تعلق المعارضة عليها بشكل رسمي، أما المؤيدون لمشاريع القوانين فقد خرجوا للدفاع عنها.
وقال وزير الرياضة من حزب (الليكود) ميكي زوهار لإذاعة محلية: "في النهاية، أعتقد أننا جميعًا نفهم أنه لكي تستمر هذه الحكومة في الوجود، يجب علينا تعزيز الإصلاح".
ومن جهته فقد وجه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الاتهام لنتنياهو بـ"الاستسلام" للاحتجاجات الجماهيرية ضد التعديل القضائي المخطط له.
وقال لوسائل الإعلام الإسرائيلية: "لقد تم انتخابنا لتحقيق الحكم والتغيير. الإصلاح هو حجر الزاوية في هذا الوعد".
وكانت مشاريع قوانين الإصلاح القضائي فجرت موجة من الاحتجاجات لا تزال مستمرة في إٍسرائيل للأسبوع الـ24 على التوالي.
وقال نتنياهو: "أنا متنبه لنبض الجمهور".
وأضاف: "لقد سعيت بالتأكيد إلى إجماع واسع، ربما باتفاق رسمي مع المعارضة، لكن ما اكتشفناه بعد الضغط على زر الإيقاف المؤقت.. بعد شهر، شهرين وثلاثة أشهر، أن المعارضة كانت تحت ضغوط سياسية لم تمكنها من الموافقة على الحد الأدنى من التفاهم".
ولم يتضح إذا ما كان نتنياهو يلمح بذلك إلى وقف الحوار الجاري منذ 3 أشهر برعاية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بين الحكومة والمعارضة.
ومن جهة ثانية، فقد ثارت تساؤلات عما إذا كان نتنياهو يريد من خلال تصريحاته هذه إرضاء الرئيس الأمريكي جو بايدن للحصول على دعوة إلى البيت الأبيض.
وقال نتنياهو عن هذه الدعوة: "أعتقد أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت، لكنني أتوقع لقاء الرئيس بايدن".
وأضاف: "قضية الدعوة هذه تشوش على آراء الناس".
ما هي فقرة التغلب التي ألغاها نتنياهو؟
ففي المقابلة، قال نتنياهو إنه "استبعد" بندا في مشاريع الإصلاح القضائي التي تطرحها حكومته يمنح الكنيست صلاحية إلغاء قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد.
ويطلق على هذا البند اسم "فقرة الغلب" ويتعلق أساسا بصلاحية المحكمة العليا في إلغاء قوانين الكنيست في حال اعتبرته غير دستوري.
ففي الوضع القائم اليوم، فإن المحكمة العليا مخولة بصلاحية إلغاء قانون سنّه الكنيست إذا كان غير دستوري، أي إذا كان يتناقض مع قوانين الأساس الخاصة بحقوق الإنسان.
وفي حال قررت المحكمة أن القانون غير دستوري فإن القانون يصبح لاغياً وغير ساري المفعول.
لكن مشروع القانون الذي طرحته الحكومة الحالية ينص على أنه سيكون بإمكان الكنيست الالتفاف على صلاحية المحكمة بشأن إلغاء القوانين أو إلغاء هذه الصلاحية تماماً.
وبموجب مشروع القانون فسيصبح بإمكان الكنيست أن يقرر مسبقاً أن شأناً معيناً لن يكون خاضعاً للرقابة القضائية أو أنّه بإمكان الكنيست إعادة سن قانون بأثر رجعي إذا قررت المحكمة العليا إلغاءه لأنه غير دستوري، بالرغم من كونه غير دستوري ويمس بحقوق الإنسان، بحسب تفسير جمعية حقوق المواطن في إسرائيل.
وقالت: "الاقتراح هو أن يكون بإمكان الكنيست إعادة سن قانون ألغته المحكمة، بأغلبية 61 عضو كنيست فقط، ومعنى هذا أن أي حكومة تملك أغلبية 61 عضواً في الكنيست ستكون قادرة على إعادة سن قوانين ألغتها المحكمة، لأنّ فيها مسّاً بحقوق الإنسان، حتى في القضايا التي تشكل موضع خلاف جماهيري عام، واسع وعميق".
وأضافت: "يدّعي المؤيدون لفقرة التغلب أنّه إذا ما توفرت في الكنيست أغلبية لإعادة سنّ قانون ألغته المحكمة، فهذه هي إرادة الشعب/الناخبين وهو ما يجسد قيم الأغلبية، وعليه، ليس من المعقول أن يأتي جسم من أشخاص غير منتخَبين ولا يمثلون الشعب ليقرر خلافاً لرأي الأغلبية المنتخَبة".
وتابعت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل: "أما معارضو فقرة التغلب فيعتقدون بأن هذه الفقرة معادية للديمقراطية، لأنها تسمح بالمس المتعمّد بحقوق الإنسان من قِبل الأغلبية السياسية (استبداد الأغلبية) دون إمكانية ممارسة الرقابة عليها".
وليس هناك دستور في إسرائيل وإنما مجموعة من "قوانين الأساس" التي تحتكم إليها المحكمة العليا في قراراتها.
وفي ظل غياب الدستور، تشكل قوانين الأساس البديل عن الدستور الإسرائيلي، في حين أن وظيفة المحكمة العليا هي فحص ممارسات الحكومة وأنشطة الكنيست على ضوء قوانين الأساس والقيم المذكورة.
لجنة اختيار القضاة
وبالمقابل، فقد تمسك نتنياهو في المقابلة باقتراح القانون الخاص بلجنة اختيار القضاة، دون أن يفصح عن الصيغة النهائية التي يطرحها بهذا الشأن.
وقال إن مشروع القانون "لن يكون بالنسخة الحالية، ولكنه لن يكون بالنسخة الأصلية".
وتضمّ لجنة اختيار القضاة اليوم، ممثّلين عن النّظامين القضائي والسياسي.
وتسعى الحكومة إلى تغيير تركيبة هذه اللجنة بحيث يصبح 5 من ضمن أعضائها التسعة، معيّنين من قبل الحكومة، وتكون الأغلبية المطلوبة هي بواقع خمسة من أصل تسعة أعضاء، للمصادقة على تعيين قاضٍ.
وتتألف لجنة اختيار القضاة من تسعة أعضاء هم: وزيران من الحكومة على أن يكون وزير العدل أحدهما وهو رئيس اللجنة، رئيس أو رئيسة المحكمة العليا، قاضيان من محكمة العليا، عضوان من نقابة المحامين ونائبان من الكنيست، ومن المتبع أن يكون أحدهما من الائتلاف الحكومي والآخر من المعارضة.
وقالت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل: "بكلمات أخرى، فإن الحكومة ستملك أغلبية تلقائية في هذه اللجنة".
ولم يوضح نتنياهو طبيعة التعديل الذي سيدخله على اقتراح تشكيلة اللجنة.
ماذا يقول المحللون؟
وفي حين امتنعت المعارضة عن التعقيب، قال المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية نداف إيال: "ما حدث بالفعل هو أن نتنياهو تخلى عن طاولة المفاوضات وقبل بشكل كامل موقف وزير العدل ياريف ليفين، على الأقل حسب مقابلته مع وول ستريت جورنال، بأنه لا جدوى من المفاوضات".
وأضاف: "يعتزم (نتنياهو) تغيير تشكيل لجنة اختيار القضاة من جانب واحد، وهو يستبعد المفاوضات بشكل أساسي. الأمر حزين وخطير للغاية".
أما يوسيف يسرائيل، مراسل القناة الإسرائيلية (13)، فقد اعتبر أن "الهدف الأول والأخير لهذا الإعلان من قبل نتنياهو هو الحصول على دعوة إلى البيت الأبيض".
وقال على "تويتر": "مقابلة نتنياهو مع وول ستريت جورنال لها 3 أهداف رئيسية: أولا، تلقي دعوة إلى البيت الأبيض، وثانيا، أن تتم دعوته إلى البيت الأبيض، وثالثا، دعوته إلى البيت الأبيض".
وأضاف: "إذن هذه هي الاستراتيجية: تسريب جدول تشريعي بالعبرية كبالون تجريبي لإرضاء القاعدة؛ مقابلة باللغة الإنجليزية مع رسائل مخففة لإرضاء الإدارة الأمريكية. بطريقة ما فإنني هذه المرة لا أعتقد أنه سينجح".
ويريد نتنياهو من الرئيس الأمريكي جو بايدن دعوته إلى البيت الأبيض، ولكنه لم يحصل على مثل هذه الدعوة حتى الآن.
وبالمقابل، فقد حصل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ على دعوة إلى البيت الأبيض وإلى مجلسي الشيوخ والنواب الشهر المقبل.