عندما يناكف نتنياهو واشنطن بإعلان زيارة بكين
لم تكن مصادفة أن يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نيته زيارة بكين قريبا خلال اجتماع مع أعضاء من الكونغرس.
فنتنياهو ينتظر منذ بداية العام الجاري دعوة من سيد البيت الأبيض جو بايدن لزيارة واشنطن، فيما يقول الإعلام الإسرائيلي إن رئيس الوزراء اليميني يريد بهذا الإعلان مناكفة البيت الأبيض.
وعادة ما يسارع البيت الأبيض لدعوة رؤساء الحكومات الإسرائيليين حال تشكيل حكوماتهم، ولكن هذا ما لم يحصل مع نتنياهو هذه المرة.
وتارة يقول البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي منشغل وتارة أخرى يربط الرئيس الأمريكي نفسه الدعوة بإنهاء نتنياهو مشاكله الداخلية، المنبثقة عن عزمه إدخال تعديلات على القوانين تحد من سلطة القضاء.
وبعد أن قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن نتنياهو يخطط لزيارة أنقرة، ردا على تجاهل البيت الأبيض له، فإن زعيم "الليكود" أبلغ أعضاء من الكونغرس أنه يخطط لزيارة بكين.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان إن نتنياهو أبلغ أعضاء كونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أمس الثلاثاء، بأنه تلقى دعوة لزيارة الصين.
ولم يحدد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي موعد هذه الزيارة، التي قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنها ستتم على الأرجح في شهر يوليو/تموز المقبل.
وأشار مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن الزيارة ستكون الرابعة لنتنياهو إلى الصين، في تاريخه السياسي، وإن إسرائيل أبلغت واشنطن بهذه الدعوة الشهر الماضي.
وذكر مسؤول إسرائيلي كبير لوسائل الإعلام العبرية أن "الحكومة الصينية أعربت مؤخراً عن رغبتها في استضافة نتنياهو في بكين كجزء من الاجتماع السنوي للجنة الابتكار الإسرائيلية الصينية، الذي عقد منذ عام 2014".
وقال المسؤول الإسرائيلي: "هذا شيء روتيني وليس إشارة سياسية لأحد، وكما أوضح رئيس الوزراء اليوم، لا بديل عن التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة".
وأكد نتنياهو لأعضاء الكونغرس أن "الولايات المتحدة ستكون دائما الحليف الأساسي لإسرائيل، ولا يمكن استبدالها".
ولكن الزيارة تأتي في وقت تحاول فيه الصين تصعيد دورها السياسي في المنطقة، حيث توسطت في صفقة لاستعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في أبريل/نيسان.
واستضافت الصين، خلال الشهر الجاري، الرئيس الفلسطيني محمود عباس دون أن تخفي دورها في محاولة لإعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.
وتتمتع إسرائيل والصين بعلاقات اقتصادية وثيقة، لكن العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة حالت دون توثيق التعاون مع بكين.
ورغم محاولات المسؤولين الإسرائيليين التقليل من شأن الزيارة المرتقبة فإن موقع (واللا) الإخباري الإسرائيلي قال: "في أعقاب تأخير دعوة رئيس الوزراء إلى البيت الأبيض أبلغ نتنياهو الإدارة الأمريكية أنه سيزور الصين للمرة الرابعة".
الرئيس الإسرائيلي يزور البيت الأبيض الشهر المقبل
ومن جهتها قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، نقلا عن مصدر مطلع على الأمر إن "الخطط ما زالت أولية للغاية، وأن نتنياهو يحرص على إرسال رسالة تعاون وشراكة مع الولايات المتحدة في نفس الوقت".
وأضافت "انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية علاقة إسرائيل بالصين في السنوات الأخيرة، وشجعت كلا من إدارتي ترامب وبايدن إسرائيل على منع الشركات الصينية من بناء البنية التحتية الأساسية والاستثمار في التقنيات التي يمكن أن تشكل مخاطر أمنية".
وأشارت الصحيفة إلى أن "خطة زيارة بكين تأتي في الوقت الذي لم يدعُ بايدن نتنياهو إلى البيت الأبيض بعد، مما يشير في تصريحات عامة إلى أن ذلك يرجع إلى سياسات الحكومة الإصلاحية القضائية".
وقالت: "كما كان هناك توتر متزايد مع واشنطن في الآونة الأخيرة بشأن تقدم المنازل الإسرائيلية في الضفة الغربية".
وفي حين لم يتم توجيه الدعوة لنتنياهو لزيارة البيت الأبيض، فإن من المتوقع أن يزور الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ البيت الأبيض ويلقي كلمة أمام مجلس الكونغرس الشهر المقبل.
كيف ينظر الخبراء لهذه الخطوة؟
وصف الرئيس السابق لهيئة الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي تامير هايمان زيارة نتنياهو إلى الصين في هذا الوقت بـ"الخطأ الفادح".
وأشار في تغريدات على تويتر، تابعتها "العين الإخبارية"، إلى أن "إسرائيل دولة ذات سيادة، وعلى رئيس وزراء إسرائيل التزام بتعميق العلاقات مع دولة إسرائيل، والصين دولة مهمة لإسرائيل".
لكنه استدرك قائلا: "كالعادة، السياق يصنع الفارق والسياق هو الرفض الأمريكي لدعوة رئيس الوزراء لزيارة واشنطن، وفي ظل هذا الرفض والأزمة المتصاعدة التي تواجه الولايات المتحدة، فإن الزيارة في مثل هذا الوقت خطأ فادح".
وقال: "هذه هي أسباب هذا الخطأ: الزيارة لن تجعل البيت الأبيض يدعو نتنياهو، بل على العكس ستثير الغضب، لذلك فإن هذا توقيت سيئ من الناحية التكتيكية".
وأضاف: "إذا كان هناك شيء واحد يزعج الإدارة الأمريكية فهو خطاب "التنويع من الركائز"، أي محاولة إسرائيلية للتوفيق بين الولايات المتحدة ومنافسيها، وفي مقدمتهم الصين، واليوم، عندما تكون الولايات المتحدة في منافسة عالمية مع الصين، فإن هذا توقيت سيئ من وجهة نظر استراتيجية أيضاً".
وتابع هايمان: "الصين بلد يستغل الفرص، لذلك سترى الصين في هذه الدعوة انتصاراً صغيراً آخر على الولايات المتحدة، ولن تتوقف هنا وستسعى لزيادة نفوذها على إسرائيل، الأمر الذي سيزيد من حدة التوتر مع الولايات المتحدة".
وأشار هايمان إلى أن "هذا نصر مدوّ ولطيف على خلفية زيارة أبومازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) للصين. من الواضح أن الصين تنتج التماثل ويتم تصويرها على أنها موضوعية".
وفي اتهام للصين بالميل إلى العرب قال رئيس هيئة الاستخبارات السابق بالجيش الإسرائيلي قائلا: "بالمناسبة، الصين لاعب مؤيد للفلسطينيين، لا نريدها كوسيط".
قلق في أوساط المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين
من جهته، كتب المحلل السياسي يوسي يهوشع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أن مسؤولين أمنيين بارزين يعبرون عن قلقهم إزاء إعلان نتنياهو أن القيادة الصينية دعته لزيارة بكين، في حين لا تزال العلاقات مع الولايات المتحدة متوترة.
وأردف المحلل السياسي قائلا إن البعض يرى أن مكانة إسرائيل قد تتضرر بشكل متزايد مع توتر أسوأ في العلاقات بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن.
وأشار إلى أن "نتنياهو يدعي أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وصل إلى مستويات لا مثيل لها، مع ذلك فإن التوتر الحالي بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية محسوس بوضوح في الجيش".
وقال يهوشع: "حدد الجيش الإسرائيلي، في تحليله الشامل لخطر الحرب هذا العام، ثلاثة عوامل أساسية لاحظها خصومهم، أولاً يعزون ضعف الولايات المتحدة في المنطقة والتصور أن حلفاءها لا يتلقون الدعم والحماية الكافيين، على سبيل المثال، يستشهدون باستئناف المملكة العربية السعودية العلاقات مع إيران".
وتابع: "ثانياً، الاضطرابات الداخلية الناتجة عن الإصلاح القضائي، وأخيراً والأهم من ذلك التدهور الملحوظ للتحالف الإسرائيلي الأمريكي، لدرجة أنهم يخشون أنه لم يعد هناك ما يضمن أن الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل في أوقات حرب واسعة النطاق".
وأشار إلى أن الرد الأمريكي على زيارة نتنياهو إلى الصين ظل خافتاً نسبياً، ومن ناحية أخرى يعتبر الجمهوريون والديمقراطيون الصين خصماً رئيسياً".
يهوشع استرسل قائلا: "قد يجادل نتنياهو بأن هذه الزيارة بمثابة إشارة إلى الولايات المتحدة، وربما محاكاة لاعبين إقليميين آخرين مثل المملكة العربية السعودية، الذين يحافظون على علاقات مع إيران والصين والولايات المتحدة. ومع ذلك من الضروري الاعتراف بأن علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة متميزة".
مردفا أن "الالتزام الأمريكي بأمن إسرائيل لا مثيل له، ويتجلى ليس فقط في ميزانية المساعدة الكبيرة التي تبلغ حوالي أربعة مليارات دولار سنوياً، ولكن أيضاً في المزايا التكنولوجية المستمدة من الصناعات الدفاعية والدعم المكثف الذي تتلقاه في الأمم المتحدة".
وتابع يهوشع: "بالنظر إلى الوضع الاستراتيجي المتدهور لإسرائيل والأزمة الداخلية السائدة، من الضروري تجنب أي زلة أمنية مع أقرب حليف لنا، إن استعداء الأمريكيين هو ببساطة غير وارد، خاصة في هذا المنعطف الحرج".