انتقال مفخخ في غينيا بيساو.. ضغوط الخارج وتعقيدات الداخل
لم يكن تعيين رئيس انتقالي لغينيا بيساو لحظة النهاية في مسلسل الانقلاب الأخير في البلاد، بل بداية لمرحلة جديدة تنذر بأمواج من التحديات.
إذ رأى خبراء في الساحل الأفريقي أن تعيين الجنرال هورتا نتام رئيسًا انتقاليًا لغينيا بيساو لمدة عام لا يمثل فقط تغييرًا في رأس السلطة، بل يفتح مرحلة سياسية حرجة قد تحدد مصير الدولة وسط أمواج من التحديات.
وفي أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس عمر سيسوكو إمبالو، دخلت غينيا بيساو نفقًا سياسيًا معقدًا تتداخل فيه حسابات المؤسسة العسكرية ومطالب المعارضة وضغوط المنظمات الإقليمية والدولية.
وجرى تنصيب الجنرال هورتا نتام، رئيس أركان القوات البرية سابقًا، رئيسًا انتقاليًا في مشهد عسكري مغلق شديد التحصين، وسط انتشار كثيف للجنود في محيط القصر الرئاسي، بينما بقيت العاصمة بيساو شبه مشلولة تعيش على وقع الخوف والترقب.
وفي الوقت الذي تحتجز فيه القوات المسلحة الرئيس المخلوع عمر سيسوكو إمبالو، أعلن مرشح المعارض فرناندو دياز، المتواري عن الأنظار، فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل أيام من الانقلاب.
بل اتهم دياز إمبالو بتدبير "انقلاب صوري" لإعادة هندسة المشهد السياسي لصالحه.
وهذا المشهد شديد التعقيد أعاد إلى الأذهان تاريخ غينيا بيساو المضطرب، حيث شهدت البلاد أربعة انقلابات عسكرية وعددًا كبيرًا من المحاولات الفاشلة منذ الاستقلال، ما جعلها إحدى أكثر دول غرب أفريقيا هشاشة مؤسسية.
تحديات المرحلة الانتقالية
من جانبه، قال البروفيسور ماتيو بيشون، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس والمتخصص في ديناميات الانقلابات في غرب أفريقيا، لـ"العين الإخبارية"، إن ما يحدث في غينيا بيساو "ليس انقلابًا كلاسيكيًا فقط، بل إعادة توزيع سلطة داخل أجهزة الدولة المنهارة أصلًا".
وأوضح بيشون أن الجنرال نتام سيواجه معضلة ثلاثية: فرض الأمن، وإقناع المجتمع الدولي، واحتواء الطموحات السياسية داخل الجيش نفسه.
وأضاف بيشون: "إن فشل نتام في تحقيق توازن دقيق، فإن البلاد ستدخل دائرة انقلابات متجددة".
أزمة الشرعية السياسية
واعتبر أن الرئيس الانتقالي "لا يستند إلى صندوق الاقتراع بل إلى قوة السلاح، وهو ما يضعه في مواجهة رفض داخلي صامت وضغط خارجي معلن، خصوصًا من منظمات الإيكواس والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة".
وحذر الباحث السياسي من قرار الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" إدانة الانقلاب وتهديدها بإجراءات صارمة، ما يضع البلاد أمام خطر العقوبات الاقتصادية وتجميد التعاون الدولي.
ومضى قائلًا: "رغم سيطرة الجيش، تبقى احتمالات الانقسام داخل المؤسسة العسكرية قائمة، وهو ما قد يؤدي إلى صراعات داخلية أو تمردات مسلحة".
الاقتصاد المنهك
ووفقًا للباحث السياسي، فإن غينيا بيساو تعاني أصلًا من ضعف الموارد، والمرحلة الانتقالية قد تؤدي إلى شلل استثماري وانكماش اقتصادي أعمق.
بدوره، قال الدكتور كويسي آنينغ، الباحث المتخصص في الأمن الإقليمي، لـ"العين الإخبارية"، إن المرحلة الانتقالية "ستختبر قدرة غينيا بيساو على احترام جدول زمني واضح للعودة إلى الحكم المدني".
وأضاف أن "التاريخ يظهر أن العسكر غالبًا ما يوسعون فترة الانتقال تحت ذرائع أمنية"، موضحًا أن "الخطر الأكبر هو تطبيع الانقلاب كأسلوب للحكم".
وأشار إلى أن "الشعب في غينيا بيساو لم يعد يثق في النخب ولا في العسكريين، وما نراه اليوم هو صراع نخب على السلطة وليس مشروع إنقاذ وطني"، قبل أن يضيف: "إن لم يتم إشراك المجتمع المدني والقوى السياسية في صياغة المرحلة الانتقالية، فإن أي استقرار سيكون مؤقتًا وهشًا".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTM4IA== جزيرة ام اند امز