كاليدونيا الجديدة.. ثالث أكبر منتج للنيكل في العالم تنتفض ضد فرنسا
تقع على بعد قارتين من باريس
على بعد نحو 17 ألف كم من العاصمة باريس، تقع كاليدونيا الجديدة، المستعمرة التي تسيطر عليها فرنسا منذ القرن التاسع عشر، وتحاول الآن إخضاعها.
وكاليدونيا الجديدة، هي أرخبيل مكون من عدة جزر، تقع بجوار أستراليا ونيوزيلندا، ويستغرق السفر إليها من فرنسا أكثر من 20 ساعة بالطائرة (المسافة بينهما تعادل طول نهر النيل مرتين ونصف).
وتتمسك فرنسا بمستعمرتها، في ظل كونها غنية بإحدى أهم الثروات المعدنية: النيكل، إذ تعد ثالث أكبر منتج في العالم للمعدن الحيوي في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، وفقا لوكالة "بلومبرغ".
كما تقع كاليدونيا الجديدة في منطقة استراتيجية بالمحيط الهادئ، حيث يتزايد صراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصين.
وكاليدونيا هي محور خطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيادة نفوذ باريس في المحيط الهادئ.
من يعيش في كاليدونيا الجديدة؟
تضم كاليدونيا الجديدة تعداد سكان يبلغ 270 ألف نسمة، 41% منهم هم من شعب الكاناك (الميلانيزيون) وهم السكان الأصليون للأرخبيل.
في حين يعيش هؤلاء إلى جانب 24% من السكان ذوي الأصول الأوروبية، ومعظمهم فرنسيون، إلى جانب أقليات من أصول إندونيسية وفيتنامية.
وحسب معلومات الاستخبارات المركزية الأمريكية، فإن 85.2% من سكان الأرخبيل مسيحيون، و2.8% مسلمون 2.8%.
وبنسبة كبيرة، يحكم هذا الإقليم الفرنسي نفسه بشكل ذاتي اعتمادا على اتفاقية نوميا لعام 1998 التي تعهدت خلالها الجمهورية الفرنسية بمنح المزيد من السلطة السياسية لكاليدونيا الجديدة وسكانها الأصليين (الكاناك) على مدى فترة انتقالية مدتها عشرين عاما.
ونوميا هي عاصمة كاليدونيا الجديدة.
وقد شهدت كاليدونيا الجديدة 3 استفتاءات على الاستقلال أجريت في أعوام 2018 و2020 و2021، وقد صوت السكان في كل مرة على البقاء جزءا من فرنسا، مع الأخذ في الاعتبار أن حركة الاستقلال قاطعت التصويت الأخير وأعلنت أنها لن تقبل نتيجته.
ماذا حدث في كاليدونيا الجديدة؟
اندلعت الاحتجاجات في الأرخبيل الهادئ، قبل 6 أيام، عقب تغييرات دستورية اقترحتها الجمعية الوطنية في باريس (إحدى غرفتي البرلمان الفرنسي)، تقضي بمنح كلّ المولودين في كاليدونيا والمقيمين فيها منذ ما لا يقل عن عشر سنوات الحق في التصويت بالانتخابات المحلية.
وبالطبع سيستفيد المقيمين الفرنسيين الذين عاشوا في كاليدونيا الجديدة لمدة 10 سنوات من التعديل الدستوري.
ويقول الزعماء المحليون إن تلك الخطوة تستهدف إضعاف أصوات الكاناك وتصغير قوة كتلتهم التصويتية، فيما تدعي الحكومة الفرنسية إن الغرض هو أن تكون الانتخابات أكثر ديمقراطية.
وكان اتفاق نوميا لعام 1998 الذي أسهم في إنهاء عقد من الصراع من خلال تحديد الطريق إلى الحكم الذاتي التدريجي، قد قصر التصويت على سكان الكاناك الأصليين والأشخاص الذين وصلوا إلى كاليدونيا الجديدة قبل عام 1998.
فرنسا تختار اليد القامعة
تقول وكالات الأنباء الغربية أن المحتجين أحرقوا السيارات وعشرات الشركات واشتبكوا مع الشرطة وأقاموا حواجز للاحتجاج على ما سمته تلك الوكالات نفسها "إصلاح دستوري".
وفي المقابل، فرضت فرنسا حظر التجول وأرسلت أسرابا من الشرطة لقمع الاحتجاجات.
واليوم، أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان عن "عملية كبيرة" في كاليدونيا الجديدة بمشاركة المئات من عناصر الشرطة.
وأدت الاشتباكات إلى مقتل 6 أشخاص ما يجعلها الاضطرابات الأخطر في كاليدونيا الجديدة منذ الثمانينات.
وأعلن المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في كاليدونيا الجديدة لوي لو فران توقيف 230 شخصا ممن سماهم "مثيري الشغب".
وتقول "بي بي سي" إن السلطات حظرت استخدام تطبيق "تيك توك" على الأرخبيل.
وتنوعت الروايات الفرنسية لما يحدث على الأرخبيل بين اتهامات لعصابات مسلحة، أو عصابات "استقلالية" أو "جبهة تحرير شعب الكاناك الاشتراكية"، وبين اتهام دول خارجية مثل أذربيجان أو الصين.
تاريخ موجز
استقر البشر الأوائل في كاليدونيا الجديدة حوالي عام 1600 قبل الميلاد، وتزاوجت موجات متتالية من المهاجرين من جزر أخرى مما أدى إلى ظهور مجموعة الكاناك العرقية التي تعتبر السكان الأصليين.
وكان المستكشف البريطاني جيمس كوك أول أوروبي يزور كاليدونيا الجديدة في عام 1774، ثم في عام 1853، ضمت فرنسا كاليدونيا الجديدة لمنع أي محاولة بريطانية للمطالبة بالجزيرة.
تم اكتشاف النيكل في الأرخبيل عام 1864، وهو ذات العام الذي أعلنت فيه فرنسا جعل الجزر مستعمرة جزائية وأرسلت إليها أكثر من 20 ألف سجين في العقود الثلاثة التالية لاستخراج المعدن.
كم جلبت فرنسا الخدم بالسخرة والعمال المستعبدين من أماكن أخرى في جنوب شرق آسيا للعمل في المناجم، مما منع الكاناك من الوصول إلى الجزء الأكثر ربحية من الاقتصاد المحلي.
خلال الحرب العالمية الثانية، أصبحت كاليدونيا الجديدة قاعدة مهمة لقوات الحلفاء، ونقلت الولايات المتحدة مقرها الرئيسي في جنوب المحيط الهادئ إلى الجزيرة في عام 1942.
وفي أعقاب الحرب، جعلت فرنسا كاليدونيا الجديدة إقليما وراء البحار ومنحت الجنسية الفرنسية لجميع السكان في عام 1953.
ثم بدأت حركة الكاناك القومية في خمسينيات القرن العشرين. لكن اغتيل زعماء الكاناك الرئيسيون في أوائل الثمانينيات، مما أدى إلى تصاعد العنف وسقوط العشرات من القتلى. قبل التوصل إلى اتفاق نوميا مرورا بالكثير من الأحداث.
ثالث أكبر منتج للنيكل في العالم
ازدهر السكان الأوروبيون في كاليدونيا الجديدة في السبعينيات مع التركيز المتجدد على تعدين النيكل.
وحسب بلومبرغ، أصبحت كاليدونيا الجديدة ثالث أكبر منتج للنيكل خلال العام الماضي.
وقد أدت الاحتجاجات إلى اضطراب إنتاج شركة إيراميت الفرنسية التي تدير منجم النيكل في الجزيرة.
وفضلا عن النيكل، تزخر الجزر بالمزيد من المعادن مثل الكروم، والحديد، والكوبالت، والمنغنيز، والفضة، والذهب، والرصاص، والنحاس.
نظرة اقتصادية
يعتبر الأرخبيل وجهة سياحية بيئية فاخرة؛ ولذلك فإن مصاريف المعيشة فيه عالية؛ مع تفاوت واضح في ثروة السكان.
ويقدر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للأرخبيل بنحو 10.2 مليار دولار في 2021.
ولا تشكل الأراضي الصالحة للزراعة سوى 10.4% من مساحة الأرخبيل، فيما 4.9% منها غابات.
وتتنوع المنتجات الزراعية بين جوز الهند والخضروات والفواكه والذرة والبطاطا والموز والمانجو والجوافة .
أما عن أكبر الشركاء التجاريين للارخبيل فيما يتعلق بالصادرات، فهم الصين 62%، وكوريا الجنوبية 14%، واليابان 12%، وتايوان 2%، وإسبانيا 2%، وذلك وفق إحصاءات 2022.
aXA6IDMuMTI4LjIyNi4xMjgg
جزيرة ام اند امز