أخبار الفاتيكان: وثيقة الإخوة الإنسانية مثلت عصرا جديدا للتعايش السلمي

مع رحيل البابا فرنسيس، نسترجع جهوده التي لا تُنسى في تعزيز الصداقة والحوار بين المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى.
كانت أول زيارة بابوية لشبه الجزيرة العربية والعراق؛ وصداقة البابا الحميمة مع الحاخام أبراهام سكورتا في الأرجنتين وشيخ الأزهر، أحمد الطيب؛ زياراته المتكررة للكنس؛ إدانته للمحرقة ومعاداة السامية؛ والإعلانات المشتركة مع قادة الأديان التي تعهدت بالسلام والوئام ومكافحة التطرف الديني.
هذه بعض اللحظات التي تتبادر إلى الذهن عندما نفكر في الأوقات التي لا تُنسى من الصداقة والحوار بين الأديان خلال حبرية البابا فرنسيس، بل وحتى قبل عدة عقود.
خلال زيارته في فبراير 2019 إلى الإمارات العربية المتحدة، التي كانت أول زيارة بابوية إلى المنطقة، قدم البابا فرنسيس صورة عن الكنيسة التي تسعى لبناء جسور وتعميق العلاقات مع الأديان الأخرى.
من الجدير بالذكر أن "وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والتعايش المشترك"، المعروفة أيضاً بإعلان أبوظبي، التي وقعها البابا فرنسيس وأعلى سلطة في العالم الإسلامي، شيخ الأزهر أحمد الطيب، في ذلك اللقاء بين الأديان، فتحت عصراً جديداً من العلاقات بين الكاثوليك والمسلمين. وفقا لما ورد بـ "أخبار الفاتيكان"
فمن بين نتائجها، أطلقت الوثيقة إعلاناً يعتبر "نداءً إلى كل ضمير نزيه يرفض العنف المرفوض والتطرف الأعمى؛ نداءً إلى من يعتزون بقيم التسامح والأخوة التي تعززها وتروج لها الأديان."
بعد ذلك، كتب البابا فرنسيس رسالة بابوية تناولت موضوع الأخوة، بعنوان "فاتيلي توتي"، وخصّها بالذكر لشيخ الأزهر الطيب.
في بداية النص، يذكر البابا أنه في تحضير رسالته البابوية لعام 2015 عن البيئة "لاوداتو سي"، كانت لديه مصدر إلهام في أخيه البطريرك بارثولوميو، الذي تحدث بشدة عن حاجتنا للعناية بالخليقة.
"وفي هذه الحالة، شعرت بتشجيع خاص من شيخ الأزهر أحمد الطيب، الذي التقيت به في أبوظبي، حيث أعلنّا أن 'الله خلق جميع البشر متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، ودعاهم للعيش معاً كإخوة وأخوات'."
كما أضاف البابا: "لم يكن هذا مجرد إيماءة دبلوماسية، بل كان تأملاً نابعاً من الحوار والالتزام المشترك."
وكانت دولة الإمارات استضافت المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية في فبراير 2019، الذي شهد ولادة وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية.
ودعت وثيقة الأخوة الإنسانية إلى العديد من المبادرات التي تكرس روح التسامح والتعايش بين جميع الأديان ومن أبرزها مشروع "بيت العائلة الإبراهيمية".
أصبح البابا فرنسيس أول بابا يكمل زيارة إلى العراق، رغم التحديات الأمنية وجائحة كوفيد-19، حيث التقى أيضاً بأعلى سلطة شيعية في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني.
لقد تركت تلك اللحظة أثراً عميقاً في البابا، الذي دعا مراراً إخوته وأخواته من الأديان الأخرى إلى "الاستثمار في نشر أعلى القيم الأخلاقية"، كما دعا إلى أن يكون المسيحيون والمسلمون دوماً "شهداء للحق والمحبة والأمل، في عالم ممزق بالنزاعات ويحتاج بالتالي إلى الرحمة والشفاء."
طوال حبريته، كان البابا فرنسيس يشارك شخصياً في العديد من القمم بين الأديان واللقاءات بين الأديان، ويخصص وقتاً في كل زيارة رسولية للاجتماع بقادة الأديان الأخرى.
مُلهمًا بالصداقة الحقيقية والاحترام وتعزيز السلام في جميع أنحاء العالم، سافر البابا إلى كازاخستان في 2022 لحضور المؤتمر السابع لقادة الأديان العالمية والتقليدية في أستانا، الذي كان يهدف إلى الحوار بين الأديان، ولكن بشكل خاص لتعزيز جهود السلام بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
خلال زيارة البابا إلى البحرين بعد بضعة أشهر، جدد مع قادة الأديان الأخرى دعواتهم للسلام والانسجام بين الأديان، وأضفى توقيعه على إعلان البحرين، الذي يروج للحوار بين الأديان والسلام.
حتى بعد بعض الصراعات الصحية وبعض الشكوك حول تحقيق حلمه، سافر البابا فرنسيس في سبتمبر 2024 إلى إندونيسيا، التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، بأكثر من 240 مليون نسمة. كانت تلك بداية رحلته الرسولية المكوكية التي شملت أربع دول قبل أن يتوجه إلى بابوا غينيا الجديدة و تيمور الشرقية وسنغافورة.
كان البابا فرنسيس مصمماً منذ عدة سنوات على زيارة هذه الدولة ذات الغالبية المسلمة التي تفخر بتنوعها وتعايشها السلمي، كما تنص مبادئ "بانكاسيلا" التأسيسية.
في مسجد الاستقلال في جاكرتا، أكبر مسجد في العالم، وقع البابا إعلان الاستقلال 2024 لتعزيز الانسجام الديني من أجل الإنسانية، الذي دعا إلى التعاون بين قادة الأديان للرد على "الأزمات الجادة" التي يواجهها العالم، وهما اللامبالاة و تغير المناخ.
من المؤكد أن لحظات البابا فرنسيس المميزة مع الأديان الأخرى ستظل عالقة في أذهاننا. تم التقاط صور مؤثرة من لقاءاته مع البوذيين، خاصة خلال زياراته إلى تايلاند وسريلانكا ومنغوليا، التي كانت تاريخياً دولة بوذية.
وكانت علاقته الوثيقة مع أصدقائه اليهود جديرة بالذكر، لا سيما من خلال صداقته الطويلة مع العديد من الأصدقاء اليهود منذ كان أسقفاً في بوينس آيرس.
كتب البابا فرنسيس إلى صديقه المقرب الحاخام أبراهام سكورتا، الحاخام الفخري للمجمع الرباني اللاتيني في بوينس آيرس، في عام 2023: "لقد عشت هديتك من الصداقة والحكمة، التي أشكر الرب عليها."
وكان البابا قد زار معابد يهودية في روما ونيويورك وأماكن أخرى، وكان يعبر دائماً عن قربه من إخوته وأخواته اليهود، مُدينًا معاداة السامية، كما اعتبر في خطوات أسلافه الفظائع التي مر بها الشعب اليهودي وأدان المحرقة.
تُظهر زيارة البابا فرنسيس إلى بولندا في يوم الشباب العالمي عام 2016 كيف أن تلك اللحظات كانت مفعمة بالحزن عندما صلى في صمت في معسكر أوشفيتس لروح جميع الأرواح التي أُزهقت هناك.
خلال زيارته للأراضي المقدسة في 2014، التقى البابا مع الحاخامين الرئيسيين في إسرائيل، وزار نصب ياد فاشيم في القدس، كما التقى المفتي الأكبر للقدس.
وكان البابا فرنسيس مصمماً بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023 على العمل مع قادة الأديان من أجل السلام في الأرض المقدسة، وهو طموح ظل في قلبه منذ بداية حبريته.
على الرغم من أن صداقات البابا مع أتباع الأديان الأخرى قد لا تكون قد حققت تغييرات كبيرة بين عشية وضحاها، إلا أنه كان يعلم في أعماق قلبه أن الصلاة معاً كإخوة وأخوات يزرع بذور السلام والخير، لأن "لا شيء مستحيل على الله."
aXA6IDMuMTIuODQuMTY1IA==
جزيرة ام اند امز