لوكورنو بين الشارع والبرلمان.. اختبار صعب يحدد مستقبل الحكومة

تعيش السياسة الفرنسية أصعب عودة من العطلة الصيفية منذ فترة طويلة، إذ تزامن انهيار الحكومة وتعيين رئيس وزراء جديد، مع اضطرابات بالشارع.
يوم الـ10 من سبتمبر/أيلول حمل معه إضرابات واسعة واحتجاجات صاخبة، تزامنت مع تولي سيباستيان لوكورنو رئاسة الحكومة خلفاً لفرانسوا بايرو الذي أسقط البرلمان حكومته.
وبين الشارع الغاضب والحسابات السياسية المعقدة، تجد فرنسا نفسها أمام اختبار حاسم يحدد ملامح المرحلة المقبلة.
في هذا السياق، قال إريك نوفو، أستاذ علم الاجتماع السياسي بمعهد العلوم السياسية في رين، والمتخصص في الحركات الاجتماعية، لـ"العين الإخبارية"، إن مشهد الاحتجاجات المتكررة في فرنسا يعكس "ديناميكية خاصة بالمجتمع الفرنسي، حيث تتداخل القضايا الاجتماعية بالسياسية بشكل دائم".
وأكد نوفو ً أن "الحركات الاجتماعية في فرنسا لا تقاس فقط بحجم التعبئة في الشارع، بل بقدرتها على التأثير في النقاش العام وصياغة السياسات وبناء جسور ثقة مع النقابات والأحزاب المختلفة"، مضيفاً أن "الاحتجاجات في فرنسا ليست مجرد رد فعل على السياسات المالية، بل هي أيضاً وسيلة للتعبير عن أزمة ثقة عميقة بين المجتمع والدولة".
كما اعتبر نوفو، أن "الرهان الأكبر يكمن في مشاورات ماتينيون، لأن نجاح لوكورنو في التوصل إلى اتفاق حول الميزانية سيعني كسبه للوقت وإثبات قدرته على الحكم، بينما أي فشل قد يعجّل بسقوط حكومته".
ويرى نوفو أن "النقابات اختارت 18 سبتمبر (جولة أخرى من الاحتجاجات) بعناية، كموعد لاختبار جدي لقدرة الحكومة الجديدة على التفاوض والاستماع".
وأشار الباحث إلى أن الحركات الاجتماعية في فرنسا لطالما لعبت دوراً موازياً للمؤسسات، قائلاً إن "النقابات والشارع يملآن فراغاً ديمقراطياً عندما تعجز الأحزاب عن تمثيل الغضب الشعبي داخل البرلمان".
وأكد أن لوكورنو أمام خيارين: "إما أن ينتهج سياسة الانفتاح والإنصات، أو أن يدخل في مواجهة مباشرة مع الشارع، وفي هذه الحالة، قد تكون أيامه معدودة على رأس الحكومة".
تعبئة شعبية
وشهدت مختلف المدن الفرنسية يوم الأربعاء 10 سبتمبر/أيلول تحركات قوية دعت إليها حركة "فلنعطل كل شيء"، التي ولدت عبر شبكات التواصل الاجتماعي، شارك فيها نحو 200 ألف متظاهر عبر 550 مسيرة في مختلف أنحاء البلاد، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وأعلنت وزارة الداخلية عن توقيف 540 شخصاً بينهم 211 في باريس، مشيرة إلى وقوع أعمال عنف في مدن كليون ورين والعاصمة، أسفرت عن إصابة 23 شرطياً ودركياً.
ورغم ذلك، أكدت السلطات أن الحركة لم تنجح في شل البلاد.
لكن هذه التعبئة فتحت الباب لجولة جديدة من الإضرابات في 18 سبتمبر/أيلول، وهذه المرة بدعم جماعي من النقابات الكبرى.
ويتوقع أن تشمل التعبئة المقبلة قطاعات حيوية كالنقل البري والسكك الحديدية والطيران والمترو، إضافة إلى الصيدليات وأخصائيي العلاج الطبيعي والتعليم.
وترى النقابات أن هذه الخطوة وسيلة للضغط على رئيس الوزراء الجديد سيباستيان لوكورنو في ملف ميزانية 2026، بعد سقوط حكومة بايرو، مما ينذر باضطرابات أكبر قد تشل البلاد بشكل أوسع مقارنة بيوم 10 سبتمبر/أيلول.
معضلة لوكورنو
في خضم هذه الأجواء المشحونة، تسلم لوكورنو، الموجود في الحكومة منذ ثمانية أعوام، منصبه رسمياً في قصر ماتينيون.
وجرت مراسم انتقال السلطة من فرانسوا بايرو ظهر الأربعاء في أجواء سريعة وبسيطة، بحسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.
وبعد ساعات قليلة، كان رئيس الوزراء الجديد في وزارة الداخلية لمتابعة خلية الأزمة الخاصة بالاحتجاجات، في إشارة إلى إدراكه لحساسية الوضع الأمني والاجتماعي.
وصباح الخميس، انطلق في يوم طويل من المشاورات، بدءاً من اجتماعات "الكتلة المشتركة" (رينيسانس، موديم، آفاق) وصولاً إلى لقاء رؤساء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ.
أولى المشاورات السياسية كشفت عن انقسامات واضحة، إذ دعت يايل براون-بيفيه، رئيسة الجمعية الوطنية، النواب إلى "تجاوز الانقسامات" مؤكدة أن البلاد تواجه "تحديات هائلة" تتطلب وحدة الصف.
في المقابل، وصف النائب ألكسيس كوربيير (يسار مستقل) تعيين لوكورنو بأنه "صادم"، متوقعاً أن يواجه مصير أسلافه.
وتكشف الساعات الماضية، أن حكومة لوكورنو تواجه معادلة شديدة التعقيد. فالشارع الغاضب يرفع صوته بالإضرابات والاعتصامات، فيما يفرض البرلمان المنقسم مفاوضات شاقة، حيث يسعى الوسط إلى إيجاد أرضية مشتركة، بينما يرفع اليسار سقف مطالبه ملوحاً بالتصعيد.
ولوكورنو مطالب سريعاً بإيجاد صيغة للتوازن بين التهدئة الاجتماعية وضبط الإنفاق العام، وإلا فإنه قد يواجه خطر السقوط السريع مثل أسلافه، وفق مراقبين.