إرهاب المراهقين في فرنسا.. «ثغرة اجتماعية» تهدد الأمن وتوصيات عاجلة
دقت الاستخبارات الفرنسية ناقوس الخطر من ظهور جيل جديد من المراهقين بصفوف التنظيمات الإرهابية، يجمع بين الهشاشة النفسية والعنف.
ورسم تقرير سري لمديرية الأمن الداخلي الفرنسية (DGSI) صورة مقلقة لهذا التيار، موضحاً أن شبابا دون العشرين، يحلم بعضهم بارتكاب هجمات دامية، من استهداف معجبي مغن شعبي إلى تفجير كاتدرائية، ومتأثرون بدعاية رقمية متقنة، بحسب ما نقلته صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية.
وهذا الجيل الجديد يضم مراهقين قصر، مغيبين معرفيًا عن التعاليم الدينية، لكنهم بارعون في استهلاك ومشاركة المحتوىٍ الإلكتروني. كما أن هؤلاء سريعو التأثر، ومتقلبو الحالة النفسية والاجتماعية، ما يجعلهم أرضًا خصبة لتجنيد رقمي سريع وخطير.
وتروي مذكرة الاستخبارات وقائع مفزعة، منها تخطيط فتاة في الثالثة عشرة من عمرها، تحمل جنسية مزدوجة فرنسية–مقدونية، لاستهداف مسجد شيعي في فرنسا.
كما تضمنت قصة فتى في السابعة عشرة من العمر، وطالب مدرسي متشدد فكريًا، تخيل سيناريو هجوم سيارة مفخخة على كاتدرائية نوتردام في باريس، أو ارتكاب مجزرة بين جمهور حفل للمطرب الشعبي "جول" في ملعب فيلودروم بمدينة مرسيليا.
كما روت المذكرة قصة فتاة أخرى تبلغ من العمر 16 عالما، دفعتها أفكارها إلى تشجيع رجلٍ يبلغ من العمر 22 عاماً، تزوجته دينيًا عن بعد، على "قطع رقبة كافر" كاحتفالٍ بزواجهما.
ووفقاً للمذكرة، فإن هذه الحالات تظهر سرعة انتقال التطرف من العالم الافتراضي إلى مخططات عنفٍ واقعية.
عوامل مشتركة
وتحلل مذكرة إدارة الأمن الداخلي، سلسلة عوامل مشتركة بين هؤلاء الشباب، أبرزها: ضعف التكوين الديني، فكثير منهم ليسوا دارسين للدين، بل يتبنون نسخه المختزلة والسطحية التي تسوق رقميًا.
كما أن السمة المشتركة بينهم هي التشبع الرقمي، وذلك بوجود دائم على تطبيقات ومجموعات مغلقة، حيث تعمد خلايا دعاية داعشية وإرهابية أخرى إلى بث محتوى يجمع بين العاطفة والهوية والانتقام، بل ومشاهد عنف مصورة تعود المشاهد على العنف وتجعله مقبولًا.
كما أن الشيء المشترك أيضاً هي الهشاشة النفسية والاجتماعية، فجميعهم في عزلة، وإحساس بالظلم، وفشل دراسي أو عاطفي، أو حاجة ملحّة للانتماء والاعتراف.
ووفق المذكرة، فإن هذه الثغرات تُستغل ببراعة عبر رسائلٍ مخصصة ومحادثات خاصة.
آليات التجنيد الرقمي
وتوضح المذكرة كيف أن العملية لا تعتمد فقط على فيديوهات دعائية بل على تقنيات اتصال متقنة: غرف دردشة مغلقة، وروبوتات تلقائية تبعث رسائل جذب، وقوائم تشغيل تحتوي على مواد درامية وإرشادية تشعر المراهق بالانتماء.
وينتقي الإرهابيون، الشباب المعنفين أو الذين لديهم تاريخ من التعرض للعنف الأسري أو الاجتماعي.
وتبدأ الدعوات عامة ثم تتدرج إلى اقتراح سلوكيات محددة، مثل حرق مدرسة، أو مهاجمة كنيسة، وحتى اقتراح تنفيذ هجوم انتحاري بسيط، وفقاً للصحيفة الفرنسية.
تبعات وتوصيات
أمام هذا التحول النوعي، تواجه أجهزة الاستخبارات والشرطة الفرنسية تحديات عدة، بالتوازي مع ضرورة حماية الطفولة، ما يطرح مسألة تداخل القانون الجنائي العادي مع آليات حماية الطفل وإعادة التأهيل، وكذلك صعوبة المتابعة الرقمية.
وتستعرض المذكرة أيضًا حالات اعتقالات وعمليات إحالة إلى قضاء الأحداث، مع تكثيف لجان التقييم النفسي والاجتماعي داخل السجون ومراكز الصغار.
ويرصد التقرير أن مواجهة هذه الظاهرة يقتضي مقاربة متعددة المسارات. ففي الجانب الوقائي، يُشدد التقرير على ضرورة تعزيز الرقابة الرقمية، وملاحقة المحتوى المتطرف، وإغلاق الحسابات المشبوهة، وتطوير أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد أنماط التجنيد المبكر قبل أن تتحول إلى أفعال عنيفة.
وعلى المستوى الاجتماعي، يوصي الخبراء بتمكين الأسرة والمدرسة عبر برامج توعية للآباء والمربين، وإدماج مناهج تعليمية تُعزز قيم المواطنة وتنمي مهارات التفكير النقدي والإعلامي لدى طلاب المرحلة الإعدادية.
أما فيما يتعلق بالموقوفين، فيقترح التقرير مسارات لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي تمتد حتى بعد تنفيذ العقوبات، مع إشراك مؤسسات المجتمع المدني لتوفير بدائل واقعية تمنع عودتهم إلى دوائر التطرف.
ويدعو الجانب الأمني، إلى رفع مستوى التنسيق القانوني والمعلوماتي بين الأجهزة الفرنسية ونظيراتها الأوروبية لملاحقة الشبكات العابرة للحدود، خصوصًا تلك التي تستغل الخصوصية الرقمية والمتاجر الافتراضية لتأمين وسائل الدعم والاتصال.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY5IA== جزيرة ام اند امز