حين أقفلت الدول مطاراتها، وتوقفت البواخر، وأصاب الشلل معظم القطاعات، فَعَّلت الرؤى الحكومية الجديدة وبشكل تلقائي، نظام البحث عن بناء مضمار اقتصادي ناضج، يوازن بين إيراداته، وصادراته مجنباً الدول خطر الوقوع في فجوة عوز، أياً كانت الظروف.
العولمة الجديدة، وبكل ما حملت معها من شروط، اتجهت بالحكومات نحو تعزيز قدرتها التنافسية ذات الاستدامة الفعالة، سيما أنه خلال الجائحة، قامت نحو 80 دولة بفرض حظر أو قيود على صادراتها، من بينها 46 دولة، كلها أعضاء في منظمة التجارة العالمية، ومنها ثماني دول غير أعضاء، بحسب أحد تقارير منظمة التجارة العالمية، الذي يدرس قيود التصدير المستحدثة.
فها نحن ذا نعيد مشهد تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي دكت حصون القوى الاقتصادية، عامي: "2008-2009"، مؤدية إلى تراجع ملامح العولمة، وصب هشاشة واضحة في حصون "نظام التجارة العالمي"، وتجذر أنماطا قومية جديدة، وإجراء تحديثات طفيفة في سياسة الحماية الاقتصادية.. وهو الذي لا تزال ترتفع حدة وتيرته بعد ما شهده العالم خلال جائحة كورونا.
وفي سياق الإغلاقات المفاجئة والكبيرة التي اجتاحت الدول قسراً، وما جلبته معها من نقص وعجز في التغطية، كمعدات الوقاية الشخصية: "أقنعة الوجه، والقفازات، والمنتجات الدوائية، ومعقم اليدين"، وغيرها من الاحتياجات الطبية والغذائية الأساسية، كان لا بد من تحجيم نسبة الاعتماد على الإمدادات الخارجية، والتطوير في الوسائل والأدوات التي تقرب بين الحكومات وبر الأمان بتقليص وتحجيم حاجاتها المستوردة قدر المستطاع، الأمر الذي سيولد عولمة عالمية بحلة جديدة وأسس مغايرة.
وعلى إثر هذه الحالة الضبابية، التي أحاطت بأمن الدول الاقتصادي وارتفاع وتيرة التخمينات المتجهة نحو فصل العرى الاقتصادية التي باتت بعد الجائحة ضعيفة جداً، سارعت الحكومة اليابانية بإنشاء صندوق بقيمة تفوق الملياري دولار، مخصصةً فقط لإعادة هيكلة سلاسل التوريد، كما ضخت فرنسا قوة استثمارية تقدر بمائتي مليون يورو، مخصصة لإعادة إنتاج المواد الدوائية فائقة الضرورة داخل الأراضي الفرنسية.
ووفقاً لشبكة "CNBC" الإخبارية، فإن أحد الاستطلاعات، التي أجراها مديرو الصناديق العالمية في "بنك أوف أمريكا"، قدرت ما نسبته 67% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن توطين سلاسل التوريد أو إعادتها للبلاد سيكون التحول الهيكلي الأبرز في عالم ما بعد كوفيد-19.
"العالم المُطَوَّر" يسير باتجاه عولمة لم يسبق له التعامل معها، بخطط استراتيجية متقدمة، دافعة بالاستثمارات "غير التقليدية" ذات الاستدامة المجدية والتنافسية المتوازنة، وتأمين مصادر توريد بأنظمة حديثة، وجهات موثوقة تضمن عدم التعرض للانقطاع، وتحافظ على ديمومة مرنة تتخطى تحديات الأزمات والطوارئ.
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة