بعد نتائج الانتخابات العراقية، انعكست ملامح أزمة العمل السياسي، وباتت أكثر وضوحا في قناعات أحزاب السلطة والنفوذ.
تلك الأحزاب، التي ترى أن خسارتها الانتخابات ستُفقدها مواقعها وامتيازاتها، لم تأتِ نتيجة سوء إدارتها العملية الانتخابية، ولا لضعف مرشحيها، ولا لمعاقبة الجمهور برفض التصويت لها، وإنما هي نتيجة "تآمر داخلي وخارجي"، وهي بذلك لا تريد الاعتراف بخسارتها المؤلمة، بعدما كانت سببًا في الواقع المأساوي، الذي وصل إليه العراق، لا سيما وهي النخبة، التي ضاعت على يدها كل ملامح الدولة، وساد غياب القانون وطغيان الفساد والفوضى، وهي نفسها مَن كتب الدستور، لكنها هي أول من عمل على تجاوزه وتهميشه، وهي نفسها مَن دمّر المؤسسات الحكومية وحوّل المناصب فيها إلى بورصة للمتاجرة، وعمل على ترسيخ الفَجوة بين الحكومة والشعب بعد أن جعل وظيفة الحكومات ضمان تقاسمها غنائم السلطة وموارد الدولة، وهي مَن عمل على إضعاف المؤسسات، التي يمكن أن يثق بها المواطن لحمايته من المليشيات وتجار الموت والسلاح المنفلت.
منطقيا هذه المليشيات، المدعومة من الخارج، لا تريد حقيقة نزاهة الانتخابات، وطالما هي متمسكة بسلاحها لا أمل لأي حكومة تمارس نفوذها وسيادتها، ولا أمل لأي حكومة في أن تقوم بعملها، فكل موقف حكومي لا يعجب المليشيات ستعطله لتصل الحال إلى مرحلة الاغتيال، وكل هذا على حساب لقمة عيش المواطن وحياته وأمنه.
محاولة الاغتيال الفاشلة، التي تعرض لها رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، كانت خطيرة جداً، وإنْ فشلت، فهي خطيرة في الشكل من خلال عبور المنطقة الخضراء المحمية والمحصّنة في بغداد، وخطيرة في المضمون لأنها تُعد جريمة سياسية كبيرة حاملة معها رسائل وأهدافا ودلالات تتجاوز إحداث ضجة كبيرة من مليشيات "الحشد الشعبي" المرتبطة بطهران، انتقاما من "الكاظمي"، وانتقاما من نتائج الانتخابات، وتتجاوز مناورات إيران مع أمريكا حول المفاوضات النووية.
لقد بعثت المليشيات الموالية لإيران برسالة واضحة للغاية عبر محاولة الاغتيال الفاشلة، مفادها أنها مستعدة لإحداث الفوضى والدفع بالعراق إلى الهاوية إذا لم يُسمح لها بالمشاركة في تشكيل الحكومة والمشاركة في السلطة.
إيران، التي تحتل العراق وتستغل وتستثمر ثرواته الطبيعية وترفض امتداده العربي، تعده أكبر خطرٍ يهدد أمنها القومي إذا ما توحد وعاد إلى قوته واستقراره، وإذا ما عادت هويته الوطنية الرافضة لأي وصاية أو احتلال، لذا ترى إيران أنه من الضروري أن يبقى العراق غارقا في الفوضى والفساد والاقتتال، وتُسارع فورًا إلى ردع أي عراقي يحاول أن يُفلت من قبضتها أو يحاول التملّص من خدمة مصالحها، حتى ولو بالاغتيال.
من هنا كانت المحاولة الفاشلة لتكريس المشروع الإيراني المليشياوي، الذي يُفقد العراق سيادته، ويتعارض تمامًا مع مشروع الدولة الوطنية العراقية العائدة إلى دورها وتقاربها العربي، ولقطع العراق عن عروبته، ويستطيع المرء أن يراهن على أنه لا يوجد عراقي وطني حر واحد يرفض الانفتاح على جيرانه وأشقائه العرب، والثابت الذي لا جدال فيه، هو أن شعب العراق قد ملّ حالة الفوضى والقتل، ويأمل في الاستقرار والأمن بعيدًا عن الشعارات الطائفية، ويرى "الكاظمي" هو رأس الحربة في ذلك، فهو الداعي إلى تحرير العراق المخطوف، والخروج من نظام المحاصصة في السلطة، وتحرير العراق من المليشيات المتحالفة مع إيران والمنفذة لأجندتها على حساب الوطن والشعب والمستعدة لخوض حرب من أجل طهران.
أعتقد أن هناك فرصة ذهبية للعراق لو استطاع تجاوز هذه المحنة، وأظنه يقدر على ذلك، ساعتها سيعود العراق حصانا جامحا من جديد لدوره الفاعل عربيا ودوليا، من أجل مستقبل أفضل لشعبه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة