"لن يهنأ كثيرا في منصبه".. هكذا قالت وسائل إعلام محلية عن رئيس الحكومة الجديد في اسكتلندا حمزة يوسف، مشيرة إلى أنه لا يحظى بالإجماع الذي كانت تتمتع به سلفه نيكولا ستيرجن.
فنصف أعضاء حزبه القومي الاسكتلندي صوتوا لصالح منافسته كيت فوربس في الانتخابات الأخيرة، وأنصار المرشحة الثالثة آش ريجان ليسوا قلائل، وينحدر حمزة يوسف من عائلة باكستانية مهاجرة، ويعتبر أول مسلم يقود اسكتلندا، ويرأس حكومة في دولة أوروبية.
ورغم ذلك إلا أن فوزه لم يكن مفاجئا للكثيرين من سكان المملكة المتحدة، فهو وزير سابق في حكومتين لستيرجن، كما أن البريطانيين شهدوا قبله بأشهر فقط وصول ريشي سوناك صاحب الأصول الهندية، إلى المنزل رقم 10 في لندن.
ثمة مهام صعبة كثيرة تنتظر الوزير الأول الجديد في إدنبرة، بدءا من توحيد صفوف الحزب الحاكم، ومرورا بمعالجة الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وانتهاء بالانفصال عن بريطانيا، الذي يعد المهمة الأعقد، لأن خصوم يوسف فيها كثيرون ومتمرسون، ولم تفلح سلفه في تجاوزهم رغم مكانتها المميزة في الدولة والحزب القومي.
ووعد رئيس حكومة إدنبرة الجديد بإنجاز "الاستقلال" عن بريطانيا في أقرب وقت، لكن رئيس وزراء بريطانيا رد بتهديد مبطن عندما بارك فوزه، ونصحه بالاهتمام في مشكلات الاسكتلنديين المعيشية التي تعتبر أولوية بالنسبة لهم، على حد تعبيره. وكأن لسان حال ريشي سوناك يقول إن "حلم يوسف بالاستقلال كحلم إبليس بالجنة".
بعيدا عن موقف الحكومة البريطانية من طلاق لندن وإدنبرة، هناك أسئلة مشروعة تدور في هذا الشأن: هل يقبل الاسكتلنديون أن يحقق لهم ابن مهاجر حلم الاستقلال المتوارث منذ عقود طويلة؟ وهل يلتف الحزب القومي الاسكتلندي خلف الزعيم الجديد في هذه المهمة "المقدسة"؟ وهل هي أصلا مطلب الغالبية الساحقة من الاسكتلنديين؟
لا يتمتع يوسف بالتوافق الذي كانت تحظى به سلفه داخل الحزب، ما يجعل تقدمه في أي ملف سياسي أو اقتصادي صعبا ومحفوفا بمخاطر كثيرة، خاصة أن منافسته كيت فوربس قررت عدم الانضمام إلى الحكومة المقبلة، وبالتالي أصبحت مع أنصارها داخل برلمان إدنبرة وخارجه على خطوط المعارضة الداخلية للزعيم الجديد.
ويعد يوسف لمؤتمر وطني من أجل مكافحة الفقر في الدولة، وقد أكد حزمة من القرارات يحملها في جعبته لمساعدة الأسر محدودة الدخل، كما تعهد بمعالجة أسباب الإضرابات وغلاء الأسعار وغيرها من المشكلات التي تؤرق السكان، ناهيك عن إصراره على تنفيذ الخطط البيئية، والوصول إلى الحياد الكربوني في اسكتلندا.
كل ذلك يبدو إيجابيا، ويعد بشعبية كبيرة للوزير الأول تساعده على خوض الانتخابات العامة المقبلة في البلاد، لكن المسافة بين هذه الوعود وتنفيذها طويلة، وتغطيها الأشواك والتحديات، كما أن نهج ستيرجن الذي يمثل يوسف امتدادا له لم يعد مقبولا، فيما الاستمرار فيه سيصيب الحزب القومي الاسكتلندي بتصدعات كبيرة.
موقف الأحزاب الأخرى في اسكتلندا من فوز يوسف وصفه رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي أليكس هاملتون بالقول "إن الاسكتلنديين سئموا من تكرار ذات الأخطاء التي قوضت وتقوض سياسة بلادهم منذ سنوات طويلة، وقد باتوا مستعدين لتغيير المشهد السياسي برمته، عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية المقبلة".
وتريد الأحزاب المكونة للبرلمان الاسكتلندي الذهاب إلى انتخابات عامة مبكرة في البلاد، لأن استطلاعات الرأي تقول إن الحزب القومي الاسكتلندي سيخسر في مثل هذا الاستحقاق، وبالتالي فإن كل الأحزاب التي تجلس اليوم في صفوف المعارضة، على رأسها حزب العمال، تعد العدة من الآن لانتزاع حصة من مقاعد الحزب الحاكم.
أكبر المستفيدين من فوز حمزة في اسكتلندا هم المهاجرون واللاجئون، فقد شدد في خطاب فوزه على ضرورة الاستمرار في سياسة الانفتاح على هؤلاء، لما "يحملوه من قيمة مضافة كبيرة للمجتمع"، وما قاله يوسف ترددت أصداؤه في تصريحات العديد من الفعاليات والشخصيات الإسلامية في المملكة المتحدة.
وسارع رئيس حزب العمال الاسكتلندي أنس سروار، والمنحدر من ذات أصول الوزير الأول الجديد، إلى تهنئة يوسف واعتبار فوزه لحظة مفصلية في تاريخ البلاد ككل، كذلك فعل عمدة لندن صادق خان، الذي ينتمي إلى عائلة باكستانية مهاجرة أيضا، وقد أشار إلى دلالات كثيرة في فوز يوسف "لا يمكن تجاهلها أو الاستخفاف بها".
وهنأت الأمينة العامة للمجلس الإسلامي البريطاني زارا محمد، أيضا الزعيم الجديد للحزب القومي الاسكتلندي والوزير الأول في إدنبرة، مشيرة إلى أن انتخاب حمزة يوسف هو حدث بالغ الأهمية، ليس فقط لاسكتلندا وإنما لكامل المملكة المتحدة. لافتة إلى أن ما حدث في إدنبرة ملهم، وسوف يمهد لخطوات عديدة مماثلة في المستقبل.
ومهما كانت نتيجة مواجهة يوسف للتحديات التي تنتظره كزعيم للحزب الحاكم ورئيس للحكومة، فلن يخسر رمزية فوزه كأول مسلم في هذا المنصب، لكن هذه الرمزية لن تساعد رجلا يطرح نفسه كقائد وزعيم لمملكة الغالبية العظمى من سكانها يختلفون عنه عرقيا ودينيا، فإما أن يعمل ليربح معركته كسياسي اسكتلندي يقود أكبر حزب في الدولة، أو يكتفي بسبقه الذي سيتبدد بعد أول خسارة أمام خصومه في أية مواجهة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة