صناعة الأخبار في عصر الإنترنت.. صراع المصداقية والسرعة
بين الإعلام التقليدي وصعود الإعلام الجديد باتت المصداقية والدقة في نقل الأحداث محل صراع وتجاذب في معادلة يصعب موازنتها.
في عصر الرقمنة أصبحت الصحافة في حالة من الشد والجذب ما بين الرغبة بمجاراة سرعة الوسائل الحديثة في نقل الحدث وحرصها على الحفاظ على مصداقية الخبر ونقله بمهنية، وهي مهمة باتت أصعب في ظل الصعود الكبير لوسائل الإعلام الحديث الذي يشكل مصدر الأخبار لشريحة واسعة من المجتمع.
وتمكنت وسائل الإعلام الجديد من جذب نسبة كبيرة من الجماهير، بخاصة فئة الشباب الذين لم تعد وسائل الإعلام التقليدية تشبع رغبتهم في الاطلاع على ما يدور حولهم في كواليس وأروقة صناع الأحداث العالمية، حيث مكنتهم من الوصول إلى الأخبار بطرق ترضي توقهم للمعرفة، وهي وسائل الإعلام الجديد.
ولعل سهولة الوصول للخبر أينما حل الإنسان وارتحل هي أهم العناصر التي جذبت الشباب لوسائل الإعلام الجديد، الذين لم يعد بمقدورهم التّسمّر أمام شاشة التلفزيون لمتابعة نشرة خبرية قد تتجاوز مدتها الساعة أحيانا، أضف إلى ذلك تنوع المحتوى الذي تقدمه وسائل الإعلام الجديد، من صور وفيديوهات وأخبار مكتوبة، ومختصرة في كثير من الأحيان.
وتشير تقارير عدة إلى انحياز محتويات الإعلام الجديد لرأي المستخدم، خصوصا مع الخوارزميات التي تبرمجت عليها معظم منصات التواصل الاجتماعي، حيث تظهر المنشورات وفقا لـ«إعجابات» المستخدم السابقة، أي أنها تظهر محتوى يوافق رأيه مرة بعد أخرى، حاجبة عنه آراء ووجهات نظر مختلفة.
وفي ظل تسارع الأحداث وتتابع الهزات التي ضربت مناطق عدة من العالم، لبّت وسائل الإعلام الجديد توق الجمهور لمعرفة تطورات الأحداث لحظة بلحظة، بالصوت والصورة، ومن عدة مناطق في آن واحد، لتنقل لهم مجريات الأحداث حول العالم، حيث ظهر كذلك مفهوم «صحافة المواطن»، مستعينا بالأدوات التي وفرتها التكنولوجيا من هواتف ذكية واتصال سريع بشبكة الإنترنت، تمكنه من لعب دور الصحافي والمراسل من قلب الحدث.
وكانت المصداقية والدقة في نقل الأحداث ضحية التحول إلى وسائل الإعلام الجديد كمصدر للخبر، في ظل صعوبة الرقابة على محتوى وسائل الإعلام الجديد التي جعلت من أي فرد وبأبسط الأدوات مصدر أنباء محتمل لجمهور قد يصل للآلاف، أضف لذلك ضخ المواد الإعلامية بكثرة، حيث أظهرت آخر الإحصاءات أن 500 مليون تغريدة تتم مشاركتها يوميا على موقع التغريدات.
وفي ظل ضعف الرقابة على المحتوى، قد تهدد المواد التي يتم نشرها على منصات الإنترنت المختلفة الأمن والسلم المجتمعيين، ما يلقي الضوء على أهمية ضبط المحتوى بقوانين تردع ذوي الأفكار المتطرفة عن استخدام وسائل الإعلام الجديد لنشر أفكارهم وتسميم العقل الجمعي لمحيطهم، بما يؤدي لنتائج لا تُحمد عقباها.
واتخذت بعض الحكومات بالفعل إجراءات رادعة في هذا الصدد، منها القبض على مراهق من نيوزيلندا في الـ 18 من عمره بعد مشاركة بث الفيسبوك الخاص بهجوم كرايستشرش إلى جانب عبارات تحرض على العنصرية وتشجع التطرف.