أظن أن رغبة أغلبية الشعب المصري في اختيار السيسي، هي المعيار الذي ينبغي أن يُقاس عليه نجاح هذه العملية السياسية من فشلها.
أعلنت، أمس، الهيئة الوطنية للانتخابات في جمهورية مصر عن فوز عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية بنسبة 97% من الذين المسموح لهم بالتصويت والبالغ عددهم 60 مليوناً.
وبهذا الإعلان، رغم أن النتيجة معروفة سلفاً، أكاد أتصور فرحة الإنسان المصري؛ لأن الأمر تجاوب مع رغباته التي عبر عنها من خلال تدافعه إلى التصويت، في مقابل ذلك بإمكان المراقب السياسي الخارجي أن يتوقع إصرار الرئيس السيسي خلال فترته الثانية أو المرحلة الجديدة لولايته، في الاستمرار في تطبيق نهجه السياسي القائم على: محاربة الإرهاب والتطرف، وعلى استعادة دور الدولة المصرية إقليمياً ودولياً، وعلى التركيز على البرامج التنموية الداخلية التي من شأنها تحسين المستوى الاقتصادي والمعيشي للشعب المصري، وبالتالي فإن السيسي يدخل بشكل واقعي في مسيرة سياسية مدتها أربع سنوات لن تكون سهلة إن لم تكن الأصعب.
رغبة أغلبية الشعب المصري في اختيار السيسي، هي المعيار الذي ينبغي أن يقاس عليه نجاح هذه العملية السياسية من فشلها، وأعتقد أن حالة الفرحة تكفي للتدليل على نجاحها، وبالتالي يكون من الخطأ التشكيك في وعي المصريين الذي شاركوا في هذه الانتخابات انطلاقا من إحساس ضميرهم بالمسؤولية الوطنية تجاه بلدهم
يمكننا القول إن نتيجة الانتخابات أوجزت -منذ قبل الانتخابات- وبسرعة ما يريده الشعب المصري، في أنه يريد اختصار الزمن في تحقيق أهدافه التي بدأها السيسي؛ لأن أجواء الانتخابات التي وعلى الرغم من سيطرة مرشح واحد عليها، إلا أنه كان هناك تفاعل في الداخل والخارج يوحي بحقيقة بتلك الرغبة؛ لأن مشاركة ما يقرب من 21 مليون ناخب في عملية سياسية محسومة تؤكد أن هذا الشعب لا يريد أن يتريث في جني ثمار الفترة الماضية، بل لو نظرنا إلى "الصورة" بشكل أكبر فسنتصور أن فكرة التجديد للسيسي ليست للرأي العام المصري فقط، ولكن لبعض الدول الإقليمية وبعض الدول الكبرى أيضا، لأن المنطقة تعج بالكثير من الأزمات والقضايا التي تحتاج إلى عودة الدور السياسي المصري، والذي يتابع ما يحدث في السياسة الدولية يكتشف الحاجة إلى الثقل السياسي المصري.
تفترض تجارب الحكم الممارسة للديمقراطية أن نتائج الانتخابات وتوقعات المراقبين تحدث شيئاً في تغيير من يمسك بزمام النظام، وأنها هي المعيار الذي يقاس به مدى نجاحها، وهذا لم يحدث في مصر، وبالتالي فهي (في نظر الكثيرين) انتخابات عادية أو أقل من عادية، هذا الكلام صحيح للذين لا يدركون أو يتناسون تاريخ التجارب السياسية الكبرى في العالم التي استعانت بقيادات سياسية في بلادها لإنقاذ بلادها، حيث يذكر التاريخ بأن الرئيس دوايت أيزنهاور فاز بتوافق شعبي خلال الحرب العالمية الثانية لإنقاذ البلاد من الحرب، كما أن التاريخ يسجل أن الشعب الفرنسي أتى بالجنرال شارل ديجول للحفاظ على تماسك الفرنسيين في استرجاع الدولة الفرنسية والحفاظ عليها، وفي الحالتين لم يطبقوا المعيار التقليدي للديمقراطية، ولكن لا يمكن التشكيك في موقف الشعبين في أنه من حقهم الحفاظ على دولتهم، ولا يمكن لأي كان الانتقاص من إدراكهم للعملية السياسية؛ لذا فإن الانتخابات المصرية هي بمثابة عقد اجتماعي بين الشعب ورئيسه، ومناسبة وطنية لمبايعته مرة ثانية بهدف استكمال ما بدأه.
أظن أن رغبة أغلبية الشعب المصري في اختيار السيسي، هي المعيار الذي ينبغي أن يقاس عليه نجاح هذه العملية السياسية من فشلها، وأعتقد حالة الفرحة تكفي للتدليل على نجاحها، وبالتالي يكون من الخطأ التشكيك في وعي المصريين الذي شاركوا في هذه الانتخابات انطلاقا من إحساس ضميرهم بالمسؤولية الوطنية تجاه بلدهم، خاصة أن تجربة العراق وسوريا واليمن ماثلة أمامهم، فهو (الشعب المصري) ومعه العديد من الرأي العام العربي لا يحتاج إلى مفاجآت أو مغامرات سياسية جديدة ربما تجعل مسألة تحقيق إنجازات تنموية بطيئة أو لا تتحقق، خاصة أن أغلب المنتقدين لهذه الانتخابات من الموالين لتيار الإخوان المسلمين والمتعاطفين معه داخلياً وإقليمياً وحتى دولياً، حيث نجح الإخوان في "التشبيك" مع أصحاب المصالح في مراكز صناعة القرار في الغرب خاصة في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لذلك يمكننا القول إن من حق أي أحد أن يقول في هذه الانتخابات ما يشاء في قربها من العملية الديمقراطية المعروفة تقليدياً أو بُعدها عنها، إلا أنه لا أحد يستطيع أن ينكر أهمية استمرار السيسي، وهذا ما سعى إليه الشعب المصري في استحقاقه السياسي، إذاً بهذا المعنى وهذا الفهم فهي انتخابات حاسمة ونقطة تحول في مسار عودة مصر.
وبالتالي فإن هذه المرحلة وهي الأخيرة للرئيس السيسي، ستشهد تغييرا على الوضع الأمني في مصر، وتُحدث حركة داخلية تسد الفراغ السياسي الذي أحدثه تنظيم الإخوان المسلمين، خاصة أن موقف الرئيس مدعوم من الرأي العام المصري ومن كل القوى المجتمعية الرسمية؛ لأن الوضع السياسي الداخلي وطريقة معالجة التحديات سوف يختلفان في مرحلة ما قبل الانتخابات.
المهم أن المرحلة القادمة لن تكون سهلة على الرئيس السيسي الذي يتوقع أن يقسم اليمين الدستورية بعد شهر من الآن، فعوضاً عن التحديات الداخلية المعروفة، هناك جملة من القضايا العربية والإقليمية مثل عملية السلام في الشرق الأوسط وقرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهناك التمدد الإيراني في الدول العربية، وهناك الطموح التركي المتصاعد في المنطقة، وغيرها من القضايا التي تحتاج تدخلاً مصريا، قبل أن يستفحل العجز السياسي العربي!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة