منذ بضعة أشهر لوحظت زيادة في حجم الاحتجاجات ضد ما يسمّيه المحتجون قوات الاحتلال الأجنبية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر
منذ بضعة أشهر لوحظت زيادة في حجم الاحتجاجات ضد ما يسمّيه المحتجون قوات الاحتلال الأجنبية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وكانت آخر تلك المظاهرات في بوركينا فاسو في 12 من أكتوبر الجاري من تنظيم المجتمع المدني وحركة بوركينا فاسو لحقوق الإنسان والشعوب. وعلى الرغم من محاولاتهم طمسها، فإن هذه الاحتجاجات موجهة مباشرةً ضد فرنسا أو القوات الفرنسية. وقد لجأ المتظاهرون إلى حرق محطات الوقود التابعة لشركة توتال الفرنسية في النيجر.
لسوء الحظ، يبدو أن لاعباً جديداً قد دخل منطقة الساحل دون أن يستدعيه أحد، إنه فيلم لا يرغب أحد في مشاهدته، ولا أحد يدري كيف ستكون نهايته، لكن يمكن التكهن بها.
وفي منتصف سبتمبر المنصرم، استمعنا إلى خطب مثل خطاب عمرو عبد الرحمن في النيجر الذي ذكّر فيه بضرورة "تحرير أفريقيا الفرنكوفونية من نير العقلية الاستعمارية الفرنسية الجديدة"، في خطاب يشبه خطابات فيديل كاسترو في 1980 التي أصبحت تتكرر في مالي وبوركينا فاسو والتي تنتهي بالطبع بعبارات من قبيل "الوطن أو الموت، سننتصر".
حيلة أحد المحللين: عندما نريد تحليل خطاب ما لمعرفة الكلمات التي يرغب المُخاطِب في استخدامها كقوة، فإننا نقوم بنسخ الخطاب بأكمله ونحوله إلى برنامج ويب يجعل القيوم على شكل كلمات. ملاحظة النتائج يساعدنا على معرفة نوايا المؤلف. في هذه الحالة كانت أفريقيا، الاستعمار الجديد، بلداننا وفرنسا.
وتم تنظيم تلك المظاهرة من طرف "حالات الطوارئ الأفريقية"، برفقة متظاهرين، أغلبهم من الطلاب ونشطاء المجتمع المدني، واللجنة التنفيذية لنقابة المدارس النيجيرية واللجنة التنفيذية لنقابة الطلاب النيجيريين بجامعة نيامي.
وقد تكررت مثل تلك الاحتجاجات في كل من مالي وبوركينا فاسو ودائماً بهدف الضغط على فرنسا لترك بلدانهم. باريس التي يحمّلونها مسؤولية كل المصائب التي لحقت ببلدانهم بما في ذلك انتشار الحركات الجهادية، تركوا لها رسالة ضمنية، من خلال المظاهرات، مفادها أن روسيا يمكن أن تكون حلاً للمشكلات.
عند تحليل أي خطاب أو بعض الوقائع، فإن أول ما يجب القيام به هو تحديد من المستفيد. ونظراً لانعقاد قمة أفريقيا - روسيا في سوتشي مؤخراً، والزيادة الملحوظة على مدار الأشهر الأخيرة لهذا النوع من الخطابات، فإن كل الأنظار تتجه نحو بوتين. فالزعيم الروسي هو أكثر مهارة وحنكة مما نتوقع وهو لن يفكر في الترويج فوراً للقائه بجميع القادة الأفارقة تقريباً، فهو يمتلك محوراً من الشركاء من مصر إلى جنوب أفريقيا الذين يمكنه الاعتماد عليهم دون إثارة الكثير من الاضطرابات، ولهذا وجب استبعاده من شبهة محاولة التأثير على الأفارقة. كما لا ينبغي لوم روسيا على محاولاتها الاستفادة من الكعكة الأفريقية التي تتقاسمها الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، الصين والهند.
إذا كان المستفيد من الاحتجاجات هم الجهاديون وليست روسيا، فهل يمكن أن تكون القاعدة أو داعش هي من يقف خلفها؟
ما هو بديهي هو أن موقف الانقسام هذا يضر بفرنسا والحكومات المتأثرة بالإرهاب ويفيد الجهاديين. لكنهم - أي الجهاديين - ليسوا هم من يقف خلف هذه الحركة الاحتجاجية.
في عام 2018، كانت هناك مظاهرات عدة مؤيدة لـ"مناهضة الإمبريالية" في باماكو بمالي ضد الوجود العسكري الفرنسي، وقد تظاهر الماليون حتى أمام السفارة الفرنسية. وفي أبريل الماضي، تم تنظيم مظاهرة أخرى حضرها ما بين ثلاثين إلى خمسين ألف شخص تظاهروا للاحتجاج على مذبحةٍ راح ضحيتها 160 شخصاً في بلدة أوغوساجو التي ألقوا باللوم فيها على فرنسا.
ونتج عن كل ذلك، بالإضافة إلى القمة التي جمعت أكثر من 40 رئيس دولة أفريقية مع بوتين في روسيا هذا الأسبوع، رواج أخبار كثيرة في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء أفريقيا تتساءل حول ما إذا كان بوتين هو الخيار الأفضل لمساعدة هذه الدول. ولا يصب ذلك في مصلحة البلدان المتأثرة بالإرهاب التي هي في غنى عن الانقسام الاجتماعي.
وإذا قمنا بالتحليل عن كثب للتقصي عن طبيعة المجموعات أو الجمعيات التي تروج لهذه المظاهرات، سنجد أنها كلها تقريباً مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالاتحاد الدولي لحقوق الإنسان في باريس، أو بمؤسسة أو أي كا، أو مؤسسة المجتمع المفتوح لجورج سوروس ومؤسسة ألكسندر سوروس التي يتولى رئاستها نجله الذي بدأ يحل مكان والده.
ووفقا لمنشور تموله المؤسسة المذكورة، فإن أزمة الروهينجا في ميانمار تشير إلى تغيير المشهد في نيجيريا والساحل والكونغو. ففي حالة الكاميرون سوف يحل هذا البلد محل جنوب السودان الذي خلفت نزاعاته 400 ألف قتيل حتى الآن. وتتعامل هذه المؤسسة مع الأمر كما لو كان لعبة غير أخلاقية لا تأخذ في الاعتبار الناس ومعاناتهم والآثار التي تتركها الحروب عليهم.
يستخدم سوروس شبكة متكاملة من المنظمات غير الحكومية والجمعيات التي تعمل بطريقة شرعية والتي يمولها ويديرها كما يشاء، ربما حتى دون معرفة أهدافه من طرف من يشكلون تلك المنظمات. ويكمن الهدف في زعزعة الاستقرار في مناطق معينة من العالم والتي يستخدم فيها لاحقاً نظرية الفوضى.
وللتذكير، فإن نظرية الفوضى تتلخص في أن نتيجة شيء ما تعتمد على متغيرات مختلفة يستحيل التنبؤ بها.
وإذا كان يمتلك القوة الكافية للتأثير على أي من هذه المتغيرات، فمن الممكن إحداث تغيير يصب في مصلحة سوروس. وفي هذه الحالة يكون قادراً على التنبؤ بما سيحدث في منطقة تأثيره.
ولسوء الحظ، يبدو أن لاعباً جديداً قد دخل منطقة الساحل دون أن يستدعيه أحد، إنه فيلم لا يرغب أحد في مشاهدته، ولا أحد يدري كيف ستكون نهايته، لكن يمكن التكهن بها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة