علاقات السعودية بمصر أكبر مما يتخيل أحد، ومشروع الربط الكهربائي بينهما، المعلن عنه مؤخرا، جاء استكمالا لجهد دؤوب من حكومتي البلدين.
لا يُعتبر هذا المشروع رابطا وحيدا بين البلدين، فقد سبقته روابط الدين واللغة وأواصر الدم والقربى والمصير المشترك، ومن المؤكد أن ضخامة هذا المشروع تنسجم مع عمق وحجم العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين الكبيرين.
مشروع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر، والذي تم توقيعه بروتوكوليا من قبَل وزير الطاقة السعودي ووزير الكهرباء المصري، قيمته 1.8 مليار دولار، وهو بالتأكيد خبر مفرح لمواطني الدولتين، لأنه منجز مرتبط بمستويات مختلفة من الخدمات الداخلية، سواء كانت خدمات مقدمة مباشرة للمواطن أو لأصحاب المصانع، بالإضافة إلى أن المشروع يدعم البِنى التحتية، التي تتغذى على الطاقة الكهربائية.
حديث المسؤولين المعنيين بالمشروع في السعودية ومصر عن أن الشركات المنفذة لعملية الربط الكهربائي ستبدأ عملها اعتبارا من يوم إعلان هذه الشراكة غير المسبوقة، تضمّن أرقاما وتفاصيل عن المشروع، منها أنه بطول 22 كيلومترا ستكون هناك ثلاثة تحالفات لشركات عالمية ومحلية، بغية تنفيذ مشروع الربط المذكور، والذي تبلغ سعته 3000 ميجاوات بتقنية التيار المستمر، وجهد 500 كيلوفولت.
الأهم في هذا المشروع هو أنه بمثابة ممر لعبور الطاقة الكهربائة من قارة أفريقيا، وصولا إلى آسيا، وتحديدا منطقة الخليج العربي، ليمثل باكورة عمل جبار لمشاريع أخرى بين دول شريكة في هذا المجال وغيره، إذ يسمح المشروع لمصر بالربط مع دول الخليج وآسيا، من أجل تبادل الطاقة في فترات الذروة.
مصر كما السعودية، لديهما أحلام وتطلعات واحدة، وتاريخ ومستهدفات مشتركة، تسعى حكومتا البلدين لتحقيقها، تنفيذا لتوجيهات قيادة مبادرة فاعلة، فيما تعمل الفرق الفنية المختصة بذلك لتحول الآمال والغايات من هذا المشروع إلى منجزات ملموسة في أسرع وقت.
المشروع ليس مجرد خيط يربط مسارات الطاقة بين السعودية ومصر، بل يعتبر الأضخم في مجال الربط والتبادل الكهربائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو يتضمن أيضا خطوطا هوائية وكابلات بحرية في البلدين.
وربما نتذكر هنا أنه قبل تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الرئاسة في مصر، كانت مناطق من الدولة تعاني انقطاع التيار الكهربائي لفترات بلغت 8 ساعات متصلة وبصورة يومية، لكن النشاط المصري الملحوظ مع انتخاب "السيسي" أولى أزمة الكهرباء أهمية قصوى، حتى صارت مصر خلال فترة قصيرة تتمتع بفائض من الطاقة الكهربائية يمكن نقلها واستثمارها.
لقد جاء تغيير مسار الربط الكهربائي بين السعودية ومصر بزيادة طوله من 1200 كيلومتر إلى 1350 كيلومترا، منها 20 كيلومتر تحت خليج العقبة، بهدف تخطّي أجواء مدينة "نيوم"، وذلك لإبقائها خالية من أي شكل من أشكال الطاقة التقليدية، فـ"نيوم" مدينة مستدامة وخالية من الكربون كما يخطط لها المشرفون على رؤية 2030 في المملكة العربية السعودية.
وبالطبع فإنه لولا التوافق السياسي التام بين رؤى السعودية ومصر، لما شهدت المنطقة مثل هذه المشاريع الضخمة، فمصر تنظر إلى دول الخليج العربي عموما، والسعودية والإمارات خصوصا، كعمق استراتيجي لها، وهي نظرة متبادلة بين الجانبين، أكدتها مواقفهما على مدار تاريخ العلاقات، وهذا ما تؤكده أيضا دائما كلمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن "أمن مصر من أمن الخليج العربي".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة