معضلة السلطة في سوريا.. «فتنة» دمشق تهدد وحدة «الفصائل»
صهر بريق الوصول للسلطة، الفصائل المسلحة ووحدها تحت قيادة "هيئة تحرير الشام"، لكن "فتنة دمشق" هي الاختبار الأصعب.
ولم تكن الفصائل السورية المسلحة التي انطلقت نهاية الشهر الماضي من إدلب في شمال غربي البلاد نحو دمشق كيانا متجانسا موحد الأهداف خلال السنوات الماضية، ما يثير تساؤلات بشأن قدرة هذا التحالف التكتيكي على التماسك تحت بريق السلطة.
وينظر مراقبون في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، بعين الشك لمستقبل سوريا، إذ خلصوا إلى أن قدرة زعيم "هيئة تحرير الشام"، أحمد الشرع، على إبقاء التحالف الحالي للفصائل المسلحة "محدودة".
وهيئة تحرير الشام انخرطت في صراعات مع فصائل مسلحة خلال السنوات الماضية للسيطرة على إدلب ومناطق في الشمال السوري.
"لا تبشر بخير"
وفي هذا السياق، يرى الدكتور ألبير فرحات، الخبير الأمني والاستراتيجي المقيم في باريس، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن السيناريوهات القادمة للفصائل السورية المسلحة بكافة تنوعاتها، "لا تبشر بخير لا سيما عند التنافس على كعكة الحكم في دمشق".
ويشير فرحات إلى أن زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الملقب بـ"أبومحمد الجولاني"، قد يقدم على مناورة لحل الهيئة ومحاولة التخلص من أعباء ماضيها، لكن تلك المحاولات ربما تصطدم بقيادات الفصائل ومنهم العناصر الأجنبية التي تدفقت على سوريا خلال السنوات الماضية.
الاختبار الإسرائيلي
ويلفت الخبير الأمني والاستراتيجي إلى أن الهدف الحالي لزعيم هيئة تحرير الشام ينصب على تأمين الانفراد بالسلطة، مدللا على ذلك بموقفه من الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب سوريا.
ويقول فرحات إننا "لم نسمع تعليقا واحدا صادرا عن هيئة تحرير الشام أو الجولاني بشأن الاعتداءات الإسرائيلية على السيادة السورية".
ومنذ إسقاط الفصائل السورية المسلحة حكم الرئيس بشار الأسد، تواصل إسرائيل تحقيق أهدافها في سوريا من السيطرة على المنطقة منزوعة السلاح إلى ضرب القدرات العسكرية للجيش السوري.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أنه أوعز للجيش الإسرائيلي، بإنشاء منطقة وصفها بالدفاعية والخالية من السلاح ومن تهديدات "الإرهاب" على حدود سوريا.
لذلك، يخلص فرحات إلى أن الشرع "منشغل حاليا في محاولة إقناع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بقدرته على تأمين مصالحهم في سوريا".
وفي وقت سابق، قال مسؤول أمريكي لصحيفة "واشنطن بوست"، إن المسؤولين الأمريكيين على اتصال مع جميع الجماعات المنخرطة في القتال في سوريا، بما في ذلك الجماعة الرئيسية التي أطاحت بالأسد، هيئة تحرير الشام، التي لا تزال على قائمة الإرهاب الأمريكية.
وردًا على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة الأمريكية ستزيل الجماعة من تصنيفات الإرهاب، الأمر الذي من شأنه أن يتيح تعميق الاتصالات والتعاون الأمريكي معها، لم يستبعد المسؤول ذلك.
ومن جانبه، قال وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني، بات مكفادن، هذا الأسبوع أيضا، إن بلاده قد تدرس رفع الحظر عن هيئة تحرير الشام.
انشقاقات في الأفق
بدوره، يقول الدكتور عمرو عبدالمنعم، الخبير المصري في شؤون حركات الإسلام السياسي، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن نجاح هيئة تحرير الشام "مؤقت، ولن يستمر على المدى البعيد".
وفي رأي عبدالمنعم، فإن هناك عددا من التحديات أمام "جبهة تحرير الشام"، تتمثل في وجود السلاح مع الفصائل وعدم تسليمه لسلطة قائمة قوية".
كما يشير إلى أن مستقبل الهيئة نفسه ما زال محل سؤال، فهل تتمسك بأيديولوجيتها معرضة نفسها للعقوبات الغربية أم تتبنى نهجا جديدا معرضة نفسها للتحلل الداخلي والانقسام.
ويتابع عبدالمنعم سلسلة التساؤلات التي تتراكم أمام هيئة تحرير الشام قائلا: "لا يزال من غير المعروف أيضا ما إذا كان الجولاني قادرا على صهر الفصائل في حركة واحدة أم بإمكانه التعايش مع تعددها".
وإذ لا يستبعد الخبير في شؤون الحركات الإسلام السياسي أن تتحول هيئة تحرير الشام إلى حزب سياسي مشارك في السلطة على المدى القريب، رجح عودة كل فصيل مسلح لمرجعتيه الأيديولوجية الأصلية مما سيدفع لتفكك الفصائل على المدى البعيد.
ويشير عبدالمنعم إلى أن الموقف من محمد البشير المكلف بتشكيل حكومة انتقالية في دمشق، ربما يعكس جانبا من المؤشرات على المستقبل.
وأوضح أن بوادر الانقسام ظهرت حتى قبل أن يستتب الأمر لهيئة تحرير الشام حيث "تعالت أصوات داخلها عبر نقاشات على منصة تليغرام معلنة رفضها تولي البشير رئاسة الحكومة الانتقالية"، على حد قوله.
بدوره، يرى الدكتور جاسم محمد، خبير الأمن الدولي، رئيس المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والدراسات الاستخباراتية، ومقره ألمانيا، أن الفصائل السورية المسلحة "ستشهد انقسامات كبيرة في مرحلة لاحقة، خلال السباق الرئاسي والتنافس على السلطة".
كما يعتقد أن الشرع كشخصية براغماتية "ربما يقدم على تغيير اسم الهيئة (هيئة تحرير الشام) في محاولة لخلع صفة الإرهاب عنها لكسب تأييد الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، لكن تظل هذه المناورة محفوفة بالمخاطر على مستوى التماسك الداخلي لعناصره".
aXA6IDMuMTQ0LjI1MC4yMjkg جزيرة ام اند امز