سألني مُحدثي عن أمنياتي في العام الجديد 2024، قلت له كان اللـه في عون هذا العام المقبل، فنحن في عهدة عام جديد محمّل بالصعاب والتحديات الكبرى.
عام تسلّم بعِلم الوصول لائحة كبيرة من القضايا والملفات المفتوحة، أشبه بقطار يسير على قضبان من الألغام والحرائق، نعرف بداية محطاته، لكن لا نعرف نهايتها.
كل الإشارات تقول إن قطار العام الجديد ربما تنتظره ارتطامات كبرى، عام يُحتفل بميلاده وسط نيران مشتعلة في غالبية خرائط العالم، مجازر وحشية وقتل للأطفال والمدنيين والنساء، واغتصاب للقوانين الدولية، والقوانين الإنسانية في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
إسرائيل تندفع من دون هوادة نحو انتهاك الحقوق الفلسطينية، بمحاولة تنفيذ مخططاتها بشأن التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أراضيه، وتصفية القضية الفلسطينية في حرب قد تتسع رقعتها لتشمل أطرافا إقليمية ودولية عديدة، من غير المتوقع إلى ماذا ستفضي.
نستقبل عاما بكل ما فيه من تفاصيل، قد يشهد ميلاد نظام عالمي جديد، تتسابق فيه البيادق على رقعة الشطرنج، تتقدم قوى، وتتراجع قوى أخرى، نظام عالمي يفرضه الواقع بعد أن ضاقت به سبل الولادة الطبيعية.
السودان يشتعل منذ الخامس عشر من أبريل/نيسان الماضي، حرب ضارية، خسائرها متلاحقة وسريعة في بلد كان يُنتظر منه أن يكون سلة غذاء العالم، بلد حضاري وثقافي -تاريخيا وجغرافيا- لكن الحرب كادت أن ترفع مؤسسات هذا البلد بالكامل من الخدمة.
ولم تعد هناك في المنظور القريب رؤية محددة للوصول إلى محطة سودانية آمنة لقطارات العام اقتصاديا، سيما أن البنك الدولي توقع انكماش نمو البلاد إلى -12% خلال العام الحالي، وذلك بسبب تداعيات الحرب التي أدت إلى توقف عجلة الإنتاج في معظم مناطق البلاد، وهبوط حاد في قيمة الجنية السوداني، حيث يتم تداول الدولار الواحد حاليًا بأكثر من 1000 جنيه في السوق الموازي، مقارنة مع نحو 600 جنيه قبل اندلاع الحرب.
وفقدت معظم الأسر السودانية مصدر دخلها، لترتفع معدلات الفقر إلى أكثر من 60%، وسط شح حاد في كل الخدمات الحياتية.
لم يختلف الأمر كثيرًا في ملفات العام الجديد، حول القطار الليبي الذي طال انطلاقه (منذ عام 2011)، وسط عواصف من الصراعات، وأعاصير من الخلافات والصدامات التي تحول دون إجراء الاستحقاقات الدستورية بشأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وعودة ليبيا كدولة مؤثرة وفاعلة في محيطها العربي.
أما سوريا، فلا يزال تعافيها على ذمة تفاعلات العام الجديد، سواء على الصعيد الداخلي بها، أو على صعيد السباق الخارجي نحوها، فمنذ ما يُسمّى بـ"الربيع العربي" لم تستطع الشفاء من حروق الفوضى والتخريب والإرهاب، التي حاصرتها وحوّلتها إلى مسرح عالمي للصراعات، ولا تزال تواجه التحديات الكبرى لكي تعود سوريا، التي عرفناها دولة حاضرة بقوة في خرائط السلام والاستقرار.
وفي لبنان؛ المشهد يدمي القلوب، الدولة غارقة في الدوائر المفرغة، حائرة بين رغبات ومصالح 18 طائفة من جانب، وبين فواتير عام مضى، وفرصة أخيرة لعام جديد من جانب آخر، أزمات اقتصادية وسياسية، وقصف متواصل بين الجنوب وشمال إسرائيل قد يتسع ويغلق الباب أمام أي محاولات لانفراجة وشيكة.
شغور رئاسي لم تنجح نحو 12 جلسة للنواب اللبناني المخصصة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في تحقيق الهدف المرجو منها، لإنهاء حالة "الشغور الرئاسي" السائدة في البلد منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
واقتصاديا، يعاني لبنان منذ نهاية عام 2019، من أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومصرفية في تاريخه الحديث.
الأمر كذلك في اليمن السعيد، فلم يعد سعيدا بفعل السيولة التي ضربت أوتاد الدولة الوطنية، ولم يتمكن العام الماضي من إحلال أية بوادر استقرار تذكر، بل ترك خلفه ميراثا ثقيلا اقتصاديا وسياسيا، فقد تسببت سنوات الحرب في اليمن بخسائر كبيرة لحقت بالاقتصاد اليمني، تصل لنحو مائتي مليار دولار، الأمر الذي نتجت عنه تداعيات كبيرة، قادت إلى واقع معيشي في غاية الصعوبة.
على الصعيد الدولي؛ نجد مشهدا مغايرا على المسرح العالمي، دول تصعد، وعلى رأسها روسيا والصين، وسط مستجدات دراماتيكية جراء الحرب الروسية الأوكرانية، والأزمات المالية العالمية التي ترتبت عليها.
إذاً، وسط هذه الخرائط المضطربة نحن أمام عام جديد، لكنه يحمل كثيرا من الأوجاع.
الكاتب: رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة