180 جريمة قتل في نيويورك خلال 4 شهور.. وخبراء يتهمون الصيف
جرائم القتل في نيويورك زادت بنسبة 51% بينما زادت حوادث إطلاق الرصاص بنسبة 140%.. وخبراء يتهمون فصل الصيف
في يوم مشمس بأواخر الصيف داخل متنزه في أحد أحياء بروكلين، قرب ملعب شبه مهجور، تنتشر الألعاب القماشية والبالونات والشموع تكريما لذكرى الطفل دافيل جاردنر الذي قضى في 12 تموز/يوليو الفائت خلال إطلاق نار أثناء حفلة شواء عائلية.
ويقول دافيل جاردنر الأب البالغ 25 عاما لوكالة الأنباء الفرنسية: "هذا محبط ومقرف، في كل يوم يسقط جريح أو قتيل بالرصاص، كما لو أن أحدا لا يمكنه إسقاط السلاح. يجب أن يتوقف هذا كله".
ويشكل حي بيدفورد-ستويفيسانت هذا الذي تقطنه أكثرية من أصحاب البشرة السمراء، إحدى المناطق التي تشهد منذ حزيران/يونيو ازديادا في جرائم العنف، مع هارلم في مانهاتن وأجزاء أخرى عدة في كوينز وبرونكس.
فعلى مقربة من المتنزه الذي قضى فيه الطفل، قُتل رجل في الثانية والستين من العمر نهاية آب/أغسطس بعد ملاحقته حتى الكنيسة التي كان يعمل فيها حارسا.
وفي اليوم التالي، أصيب شاب آخر من المارة برصاصة في البطن.
ويوضح جاردنر "مع عمليات إطلاق النار، فرغ المتنزه من الرواد وبات الأطفال يخشون الخروج للعب".
وقد أحيا هذا البائع العاطل من العمل بسبب جائحة كوفيد-19، رغم كل شيء السبت الماضي ما كان يجب أن يكون عيد ميلاد ابنه الثاني.
وفي متنزه آخر في الحي، أحضر معه قالب حلوى للمناسبة ودعا أقارب وشرطيين وشبابا من جمعية "أنقذوا شوارعنا" البلدية المناهضة للعنف، ما يجسد رغبته في توحيد القوى لمواجهة عمليات إطلاق النار.
تضافر ظروف غير مسبوقة
وبين أيار/مايو وآب/أغسطس، شهدت نيويورك 180 جريمة قتل، بزيادة تفوق 51 % عن المستوى المسجل في الفترة عينها من 2019، مع حوالى 800 عملية إطلاق نار (بارتفاع نسبته 140 %).
في أكثرية الحالات، كان الضحايا على غرار دافيل، والمنفذون أيضا من السود أو الأشخاص المتحدرين من أصل أمريكي لاتيني.
وجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تفشي آفة العنف في مسقط رأسه نيويورك وغيرها الكثير من المدن الأمريكية الكبرى، أحد عناوين حملته لولاية رئاسية جديدة في البيت الأبيض، متهما المسؤولين في هذه المدن، وأكثريتهم من الديموقراطيين، بالتراخي.
غير أن الأخصائيين في علم الجريمة يلفتون إلى أن أعمال العنف في المدن تزيد باستمرار خلال فصل الصيف.
ورغم ازدياد عمليات إطلاق النار منذ أيار/مايو، فإن الأرقام الحالية شبيهة بتلك التي سجلت في 2010، وهي أدنى بكثير من المعدلات التي كانت تشهدها نيويورك خلال فترة استشراء العنف في السبعينات والثمانينات، وفق الأستاذ في القانون الجنائي في جامعة فوردهام جون فاف.
وقد تضافرت في العام 2020 سلسلة ظروف غير مسبوقة، إذ أضيفت إلى الارتفاع الاعتيادي لمعدلات العنف خلال الصيف تبعات الأشهر الطويلة من تدابير الحجر بسبب الجائحة، وتلك المرتبطة بتظاهرات حركة "حياة السود مهمة" رفضا للعنف الممارس من الشرطة إثر مقتل جورج فلويد نهاية أيار/مايو.
ونزولا عند ضغط المتظاهرين، قلصت بلدية نيويورك التي يحكمها الديموقراطيون من ميزانية الشرطة، ما طاول خصوصا ساعات العمل الإضافية.
كذلك جرى تفكيك وحدة لمكافحة الجريمة قوامها 500 شرطي بلباس مدني مولجون نزع الأسلحة من الأحياء، إثر الاتهامات الموجهة لها بالتمييز ضد أفراد الأقليات.
أمان مفقود
ويقول شادو ترايفر (32 عاما) الذي يعمل منذ سنوات في جمعية "أنقذوا شوارعنا"، "لقد كان الصيف والسنة برمتها صعبين للغاية. مجتمعنا يعاني أصلا مشكلات كثيرة بينها وقف الاستثمارات وانعدام الأمان الاقتصادي وتعثر النظام التعليمي ..أتى فيروس كورونا ليفاقم هذا كله".
ولا يخفي سكان كثر في حي بيدفورد-ستويفيسانت خوفهم.
وتقول كوني مور وهي عنصر أمني سابق في إحدى المدارس "صديقي توفي عند موقف للسيارات قبل أسبوعين. كنت معه قبل دقائق من ذلك، وسمعنا ضجيجا وارتمينا أرضا وهو حاول أن يحميني بجسمه (...) بعدها بدأنا بالركض ...وهو تلقى رصاصة في الرأس".
وتضيف المتقاعدة البالغة 62 عاما "الحي ليس آمنا في أي وقت من النهار".
"ضرب المعنويات"
وعلى غرار سكان آخرين في نيويورك، تتهم مور الشرطة بأنها تنتقم من المتظاهرين ومن تقليص الميزانية عبر التغاضي عن جرائم العنف.
وتقول "الشرطة لا تفعل شيئا. نعيش في الفوضى".
ويشير المحلل السابق في شرطة نيويورك كريستوفر هيرمان الذي بات أستاذا في معهد جون جاي لعلم الجريمة، إلى أن التحركات ضد العنف الممارس من الشرطة ضربت بوضوح معنويات الشرطيين في نيويورك البالغ عددهم حوالى 36 ألفا، وهو ما تجلى بالعدد القياسي للعناصر الذين طلبوا إحالتهم إلى التقاعد منذ حزيران/يونيو.
ويوضح "كما الحال في أي وظيفة، تراجع المعنويات يؤثر سلبا على الإنتاجية".