هل نستطيع توقع ما سيجري في اليوم التالي ما بعد الحرب في غزة؟ ليس بهذه السهولة، فضبابية المشهد تعقد التوقعات، وتحديداً مستقبل غزة السياسي.
ولو حاولنا فهم أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية (بغطائها الغربي)، فمن المؤكد أنها تستهدف تصفية حماس، واستبدالها بإدارة محلية للقطاع المدمر، تحت الإشراف الأمني الإسرائيلي.
وهل يمكن أن تؤول مسؤوليات الإدارة المحلية في غزة، للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس؟ خصوصاً لو علمنا أن الرئيس عباس غير مقبول شعبياً في الضفة الغربية التي يديرها اليوم، فكيف سيكون مقبولاً في غزة؟ ولو افترضنا جدلاً أن تجرى انتخابات لإدارة غزة بين عباس ومرشح من حماس، فلن يربح أحد!.
والانسداد السياسي هو بالضبط ما تريده إسرائيل، فلا يهمها القبول الشعبي لمن سيدير غزة المستقبل، بل تريد أداة (شخص) تستطيع تحريكه كما تشاء، ولا يمتلك مقومات النجاح للقضية الفلسطينية، غير مهارات المتاجرة بها".
سيبقى حل الدولتين هو الخيار الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية، وكيف سيتحقق ذلك؟ إن كانت هناك سلطة مستسلمة في رام الله، وسلطة مختبئة تحت الأنفاق في غزة، فمن الجهة التي ستقود المفاوضات مع إسرائيل باسم الشعب الفلسطيني؟
والواقعية تجعل مهمة الإدارة المحلية لغزة بعد الحرب شبه مستحيلة، في ظل عدم وجود استراتيجية واضحة لمستقبل السلام، ورؤية شفافة لهوية إدارة غزة المحلية المستقبلية.
ولقد علمتنا التجارب السابقة للقضية الفلسطينية، أن أنصاف الحلول لن تحل الأزمة من جذورها، بل ترحل المشكلة لزمن لاحق.
ثلاثة عقود مضت منذ اتفاق أوسلو، لم يتحقق منها نتائج ملموسة بسبب حالة الانشقاق الفلسطيني بين فتح وحماس، والذي استفادت منه إسرائيل لكسب مزيد من الوقت لتضاعف مشاريعها الاستيطانية، بينما تستمر في تأجيل حل الدولتين لأجل غير مسمى.
فلا السلطة الفلسطينية في رام الله قادرة على إنهاء حالة الفساد والشلل السياسي، والدفع باتفاق أوسلو إلى الأمام باتجاه تأسيس دولة فلسطينية.
ولا حماس التي تسببت في عزلة غزة، قادرة على تقديم خيارات واقعية باستثناء الخيارات الانتحارية، بقرارات موجهة من خارج الحدود، ثم أقصى ما تتمناه انتصار بدماء الأبرياء! عبر الحصول على وقف لإطلاق النار.
لقد واجهت الدول العربية مخططات اليوم التالي لما بعد الحرب، فالغطاء الذي تقدمه واشنطن للحرب المدمرة على غزة غير مسبوق.
ولقد تضمنت القمة العربية الإسلامية في الرياض رسائل موحدة ومشتركة برغم التباينات العديدة بين بعض الدول، خصوصاً أن القمة جاءت بحضور قادة إيران وتركيا وسوريا.
وتستمر إدارة بايدن في التصدي لمطالبات وقف إطلاق النار، وتقديم الحصانة السياسية والأمنية والعسكرية لإسرائيل في حربها.
وكانت تصريحات أنتوني بلينكن منذ بداية جولاته في الشرق الأوسط تتأرجح ما بين ترويج فكرة التهجير الإجباري من غزة، ثم التأكيد على عدم تهجير الفلسطينيين، ما يعكس وجود تباينات بين مواقف واشنطن وتل أبيب والغرب، فعندما تعارض فرنسا استهداف المدنيين، ترفض ألمانيا وقف إطلاق النار!.
لقد تمسك الإجماع العربي الإسلامي بخيار السلام الاستراتيجي لتسوية القضية الفلسطينية، مع مقترح إقامة مؤتمر دولي للسلام، تكون اتجاهاته واضحة نحو وقف إطلاق النار، وأدواته هي حلول السلام الشامل.
وبهذا، ستكون التباينات بين المواقف العربية الإسلامية والمواقف الغربية بقيادة الولايات المتحدة أمام اختبار كبير، إن كانت ستنجح في احتواء الأزمة ونقلها لخانة الأمان، أو تفشل وحينها ماذا ستكون البدائل المتاحة في حال استمرّت حالة التصعيد؟
تملك الدول العربية المحورية حضوراً فاعلاً على المسرح الدولي، وتمتلك الصفات السياسية والاقتصادية القادرة على توظيفها في تحركات جماعية للتأثير على الغرب والدول الكبرى، بشأن حقوق الشعب الفلسطيني الذي باتت إقامة دولته حاجة إنسانية ملحة، ومطلباً أمنياً إقليمياً لإنهاء حالة الظلم والعنف والفقر، وترميم إرث الماضي المؤلم، ثم اللحاق بركب التنمية في المنطقة.
وهو بالنتيجة سيقطع الطريق على القيادات السياسية الفلسطينية التي تحولت إلى مجرد بيادق خالية، لا تتطلع للحرية والاستقلال، وعلى أدوات مؤدلجة تنفذ مصالح وأجندات إقليمية، تريد بث رياح التطرف والتشدد بهدف خلط الأوراق والمعادلات السياسية، خصوصاً بعد قدوم رياح السلام والاعتدال في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة