طموحات أفريقية.. 3 مشاريع تربط مصير النيجر بالجزائر
تميز الموقف الجزائري من انقلاب النيجر، بالحذر والحزم أيضا، بشأن معارضة أي تدخل عسكري أجنبي ضد الانقلابيين هناك،
وهي مقاربة يفسرها خبراء بأن سلطات هذا البلد العربي ترى جارتها الجنوبية امتدادا لأمنها القومي، فضلا عن أن مشاريع ضخمة بين البلدين قد يعصف بها أي انهيار للوضع الأمني هناك.
وأثناء مقابلة تلفزيونية مع وسائل إعلام محلية، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في رده على سؤال بشأن موقف بلاده من أزمة النيجر، إن "الجزائر مع العودة إلى الشرعية الدستورية في النيجر وهي على استعداد لمساعدة النيجريين بما استطاعت إذا ما طلبوا ذلك من اجل لم شملهم"، مؤكدا "رفضه التام والقطعي للتدخل العسكري في هذا البلد".
وحذر من أن أي تدخل عسكري لا ينجر عنه إلا المشاكل، مستدلا بما جرى في ليبيا وسوريا، حيث لا تزال "المشاكل مطروحة والأمور متشعبة" وأن أي استخدام للقوة يؤدي إلى "إشعال الساحل بأكمله".
هواجس أمنية واقتصادية
والجزائر ترتبط مع النيجر بحدود برية طولها 1000 كلم، وتعد البلد الوحيد الذي عقدت معه اتفاقية لتسيير دوريات عسكرية حدودية مشتركة، لمواجهة "التهديدات الأمنية".
وكان الإعلان عن اتفاقية مراقبة الحدود في أبريل نيسان الماضي، أي قبل قرابة أربعة أشهر عن العملية الانقلابية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر توفيق بوقاعدة إنه إلى جانب الهواجس الأمنية من انهيار الوضع في النيجر، فإن الجزائر لديها مصالح استراتيجية في جارتها الجنوبية التي تعد من أهم نقاط الارتكاز بالنسبة إليها لتوسيع نفوذها في القارة الافريقية.
وأوضح في حديثه لـ "العين الإخبارية"، أن البلدين لديهما اتفاقيات ومذكرات تفاهم حول مشروع الطريق العابر للصحراء بين الجزائر ونيجيريا وخط الألياف البصرية العابر للنيجر أيضا، والمشروع الأهم وهو خط أنبوب الغاز بين الجزائر ونيجيريا والمار عبر النيجر ويصل حتى أوروبا.
ويقول المسؤولون في الجزائر إن هذه المشاريع هي أكثر من مجرد برامج اقتصادية للتنمية، وإنما هي أيضا مخططات لدعم الاندماج الإقليمي بين دول شمال غرب القارة الإفريقية.
أنبوب الغاز العابر للصحراء.. كلمة السر في النيجر
ويعد خط أنابيب الغاز العابر للصحراء والذي ظهر كمشروع عام 2002، الأهم بين برامج التعاون التي تربط الجزائر بالنيجر، والتي قد يعصف بها أي انهيار للوضع السياسي والأمني في هذا البلد الأفريقي.
ورغم إطلاقه قبل عقدين، ازدادت أهمية المشروع خلال الأشهر الماضية، محققا زخما إعلاميا وسياسيا، بسبب حرب أوكرانيا ولجوء قارة أوروبا إلى البحث عن مصادر جديدة للطاقة لتعويض الغاز الروسي.
وأمام هذا الاهتمام الأوروبي بالمشروع تحركت السلطات في كل من الجزائر ونيجيريا والنيجر لوضع خارطة طريق جديدة من أجل تسريع إنجازه.
ونهاية شهر يوليو تموز 2022، أعلنت الدول الثلاث توقيع مذكرة تفاهم بين وزرائها للطاقة بالعاصمة الجزائرية، تقضي بمباشرة إجراءات تجسيد المشروع.
وحسب تقديرات أولية تقدر موازنة المشروع ب 13 مليار دولار، ويبلغ طول أنابيب الغاز حوالي 4181 كيلومتراً، منها 1040 كيلومتراً من حقول الغاز جنوب نيجيريا إلى حدودها الشمالية، ثم 841 كيلومتراً داخل أراضي النيجر إلى الحدود الجزائرية، علما أن شبكة النقل داخل الأراضي الجزائرية جاهزة بحكم وجود أنابيب تربط جنوبها بشمالها، وتقطع البحر الأبيض المتوسط شرقا نحو إيطاليا وغربا نحو إسبانيا.
ونيجيريا التي تملك أكبر احتياطي مؤكد من الغاز في إفريقيا بحجم 200 تريليون قدم مكعب، تعول على الأنبوب لنقل 30 مليار متر مكعب من غازها سنويًا نحو أوروبا ، وقبل أشهر أعلنت شركة النفط الحكومية بنيجيريا أن نسبة أشغال الإنجاز لأنبوب يربط جنوب البلاد بشمالها بلغت 70 بالمائة، من أجل مروره لاحقا عبر أراضي النيجر وصولا إلى الحدود الجزائرية.
وقبل وقوع الانقلاب العسكري في النيجر كان عجز هذه الدولة عن توفير موازنة لإنجاز خط الانابيب المار عبر أراضيها على مسافة 841 كلم أحد أهم التحديات، وسط حديث عن اللجوء إلى تمويل المشروع من مصادر خارجية أهمها البنك الأفريقي للتنمية.
كما كان التهديد الإرهابي من بين التحديات التي تواجه المشروع سواء شمال نيجيريا أو عبر أراضي النيجر بسبب النشاط الكبير لجماعات إرهابية مثل بوكو حرام وكذا داعش وأخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة.
طريق الوحدة.. رواق اقتصادي ينتظر التجسيد
أما المشروع الثاني الذي يربط الجزائري بالنيجر ونيجيريا فهو الطريق العابر للصحراء على مسافة تناهز 9000 كلم.
ويمتد الطريق من الجزائر العاصمة إلى لاغوس النيجيرية ويربط غرب أفريقيا بوسط أفريقيا ثم بشمال أفريقيا، حيث له عدة تفرعات تمتد إلى النيجر ومالي وتشاد وتونس، ويقول تقرير حديث للبنك الأفريقي للتنمية الذي يعد أحد مموليه أن أشغال بناء الطرق أوشكت على الانتهاء بمختلف الدول.
ويعد هذا الطريق من أقدم مشاريع التكامل بين دول المنطقة، إذ يعود إطلاقه إلى عام 1962، عندما قررت الجزائر ونيجيريا وتونس ومالي والنيجر وتشاد تشكيل "لجنة ربط الطريق العابر للصحراء"، وكان يسمى حينها "طريق الوحدة الأفريقية"، لكن تجسيد هذا الطريق أخد عقودا من الزمن بسبب عوامل اقتصادية وأمنية.
وتم تقسيم أجزاء المشروع عبر أراضي البلدان الستة وهي 2400 كلم بالجزائر و1900 كيلومتر في النيجر، و1688 كيلومترا في مالي، و1299 كيلومترا في نيجيريا، و643 كيلومترا في تشاد، و295 كيلومترا في تونس.
وعام 2021 كشف وزير الأشغال العامة والنقل الجزائري السابق كمال ناصري أن الجزائر خصصت غلافا ماليا قدره 300 مليار دينار جزائري (ما يعادل 2.6 مليار دولار أمريكي) من موازنة الدولة لمشروع الطريق العابر للصحراء وذلك منذ بداية إنجازه.
ونهاية العام 2022، صرح سليم جعلال الأمين العام لوزارة الأشغال العامة الجزائرية، أنه "تم إنجاز هذا الطريق في شقه المتواجد بالجزائر بصفة شبه كلية (لم يتبق منه إلا 7 كلم قرب حدود النيجر) ولابد الآن من المرور إلى مرحلة التسيير الاقتصادي للمشروع من أجل تنقل الأشخاص والتبادلات التجارية بين الدول الـ 6 التي يمر بها الطريق"، كما نقلت عنه وكالة الانباء الرسمية.
ومطلع العام الجاري، أشار تقرير نشره البنك الافريقي للتنمية، أن إنجاز الطريق العابر للصحراء في النيجر يسير بشكل جيد مع تهيئة 1890 كيلومتر من إجمالي طول يبلغ حوالي 1950 كيلومترًا، أي ما يعادل 97٪ من الاشغال.
ويتكفل البنك بتمويل الجزء الأكبر من تكلفة الطريق العابر للصحراء في جزئه المار بالنيجر، بحصة بلغت 119.32 مليون دولار أمريكي أي 68.14٪ من التكلفة الإجمالية لهذا الجزء والتي تبلغ 175.10 مليون دولار.
وشهر يونيو حزيران 2022، أكد الأمين العام للجنة الاتصال للطريق العابر للصحراء، محمد عيادي أن وزراء الاشغال العامة للدول الاعضاء في المشروع اتفقوا في اجتماع لهم بالجزائر على ضرورة تسريع عملية انشاء رواق اقتصادي، كثمرة تثمين مشروع الطريق العابر للصحراء.
وقال عيادي خلال مؤتمر صحفي على هامش الدورة الـ 73 للجنة الاتصال للطريق العابر للصحراء بالعاصمة الجزائرية، ان هذا الاتفاق يأتي على إثر دراسة انجزها ممتب الامم المتحدة للتجارة والتنمية والتي أوصت بإنشاء رواق اقتصادي عبر آلية اقليمية تضمن تنسيق "فعال" بين البلدان الأعضاء من أجل تثمين الطريق العابر للصحراء.
وأضاف أن هذا التثمين ينبغي أن يمر عبر تسهيل العبور والنقل والتجارة وتوفير الاستثمارات، كل ذلك من خلال تجسيد منطقة التبادل الحر القارية الافريقية.
كابل الألياف البصرية.. ربط مستقبل المنطقة
والمشروع الثالث الذي يربط الجزائر بالنيجر ونيجيريا ويرتبط أيضا بالطريق العابر للصحراء، هو كابل الألياف البصرية، إذ شهدت العاصمة الجزائرية في يوليو تموز 2022، عقد الدورة الأولى للدول المعنية به من أجل الإسراع في إنجاز هذا الخط، الذي تم إطلاقه عام 2017 في إطار مبادرة الاتحاد الإفريقي للشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (نيباد) وهدفه تحقيق الاندماج الإفريقي، وتطوير الاقتصاد الرقمي للمنطقة، وذلك بمد كابل للألياف انطلاقا من الجزائر إلى أبوجا مرورا بدولة النيجر ويافرع غربا نحو مالي ونوريتانيا وشرقا نحو تشاد.
وشارك في الاجتماع وزراء الاتصالات لكل من الجزائر، تشاد، موريتانيا، النيجر، نيجيريا ومالي.
وهذا الخط الذي يمتد على آلاف الكيلومترات هدفه ربط هذه الدول بشبكة الألياف البصرية لضمان استفادة سكان المنطقة من بديل لخدمات الانترنيت عبر الساتل من خلال الربط بكابل بحري أوروبي يعبر الجزائر نحو افريقيا.
وأعلنت الجزائر قبل أشهر انهاء مشروع ربط شمالها بجنوبها بكابل الالياف البصرية على مسافة 2500 كلم، فيما يتواصل المشروع بكل من النيجر وتشاد ونيجيريا وحتى موريتانيا، إذ حصلت بعض هذه الدول غلى دعم مالي من الاتحاد الأوروبي والبنك الافريقي للتنمية لتجسيد المشروع.