النيجر على حبال السياسة.. بطون تشتد وعيون تترقب
في خاصرتها جيران يتأهبون، وفي أحشائها سكان ينتظرون ويتخوفون، وفي فضائها أزمةٌ تقف على الحبل الفاصل بين العقدة والحل.
إنها النيجر التي لا يوجد فيها إجماع واضح حول ما إذا كان ينبغي دعم قادة الانقلاب أو الرئيس محمد بازوم، الذي يحتجزه الجيش، وذلك بعد مرور ما يقرب من شهر على استيلاء ضباط الجيش على السلطة.
بيْد أن الواضح في تقرير أعدته "واشنطن بوست" الأمريكية، هو حصيلة الأزمة، حيث أدى نقص الكهرباء الذي أعقب قرار نيجيريا بقطع إمداداتها من الطاقة إلى النيجر في محاولة للضغط على مدبري الانقلاب، إلى تعطيل الأعمال التجارية الصغيرة،
كما تسبب انقطاع الكهرباء، في تلف المواد الغذائية، وتعرض إيصال المساعدات الإنسانية للخطر، بما في ذلك المكملات الغذائية للأطفال.
عثمان حسن، يبلغ من العمر 35 عاما وأب لطفلين، يتساءل: متى ستنفد مدخراته؟.
يقول حسن للصحيفة الأمريكية، إن عمله، الذي يتضمن نقل البضائع من بنين المجاورة، جفّ بسبب العقوبات المفروضة على النيجر بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 26 يوليو/تموز الماضي، والذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم.
ومثل بقية الناس في جميع أنحاء هذه الدولة الفقيرة الواقعة في غرب أفريقيا، شاهد حسن في الأسابيع الأخيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق وانخفاض إمدادات الطاقة في البلاد.
ويضيف في المقابلة التي أُجريت معه في نيامي عاصمة النيجر "أريد أي شيء يمكن أن يساعد في عودة الوضع إلى طبيعته"، مشيرا إلى أن أمواله في البنك لن تدوم لفترة أطول وأنه قلق بشأن إطعام ابنته الصغيرة وابنه.
نقطة لا مفر منها
وضعٌ إنساني صعب لطالما تحدث عنه قادة مدنيون وناشطون وآخرون في نيامي، مؤكدين أنه مع مرور الوقت، فإن الوضع الإنساني يزداد سوءا.
وقبل الأزمة الحالية، كان حوالي 13% من السكان – أو 3.3 مليون شخص – يعانون من انعدام الأمن الغذائي في النيجر، وفقا للجنة الإنقاذ الدولية.
وبعد ذلك، وردا على الانقلاب، أعلنت الكتلة الإقليمية للدول المعروفة باسم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، فرض عقوبات.
وفي هذا الصدد، قال باولو سيرنوشي، مدير لجنة الإنقاذ الدولية في النيجر، في بيان: "بحسب بعض التقديرات، كانت الإمدادات في البلاد وقت الانقلاب كافية لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر من الاستجابة الإنسانية".
وتابع "مع أن سلاسل التوريد تتطلب من بضعة أسابيع إلى بضعة أشهر لتجديد المخزونات، فإننا نقترب بسرعة من النقطة التي سيكون فيها النقص أمرا لا مفر منه".
التضحية من أجل البقاء
في متجر صغير كان عباس داودا يكسب فيه رزقه، سارع بعد ظهر أحد الأيام، لطحن الذرة قبل أن يؤدي انقطاع الكهرباء إلى اختصار يوم عمله.
داودا، الذي قال إنه لا يستطيع شراء مولد كهربائي، شهد انخفاض أرباحه من ما يعادل 16 دولارا في اليوم إلى ما يقرب من 8 دولارات.
وفي حديثه مع "واشنطن بوست"، لفت إلى أنه لا يزال لديه ما يكفي من الطعام لإطعام أسرته، لكنه في بعض الأحيان يفوت وجبات الطعام بنفسه، بما في ذلك الغداء في ذلك اليوم.
وأعرب عن أمله في أن "يتوصل الزعماء هناك إلى اتفاق"، في إشارة إلى كبار الشخصيات في البلاد.
برمو سحابي، مزارع يبلغ من العمر 54 عاما، يقطن خارج نيامي، يتحدث عن أن سعر كيس الأرز ارتفع من حوالي 23 دولارا إلى 28 دولارا في الأسابيع الأخيرة.
وقال إن نقص الكهرباء الذي أعقب قطع نيجيريا الكهرباء عن النيجر جعل من الصعب شحن الهواتف المحمولة، ولم يعد من الممكن استخدام المراوح الكهربائية لطرد البعوض الذي يتكاثر خلال موسم الأمطار.
ويتخوف سحابي من أن يؤثر التدخل العسكري المحتمل على مستقبلهم. مضيفا "نحن خائفون".
ومع استمرار الأزمة، تواجه النيجر احتمال التدخل العسكري من جانب جيرانها، الذين يريدون استعادة النظام الدستوري في البلاد.
وكانت "إيكواس" التي يقودها حاليا الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، قد اعتبرت الانقلاب في النيجر خطا أحمر بعد الانقلابات التي وقعت في مالي وبوركينا فاسو وغينيا.
وقالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في وقت سابق من هذا الشهر، إن الكتلة تظل منفتحة على الحوار مع قادة الانقلاب، لكنها حددت أيضا "يوم النصر" لم يتم الكشف عنه للتدخل إذا لم تنجح الدبلوماسية.
ويبدو أن المحادثات بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والمجلس العسكري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني، قد توقفت إلى حد كبير.
غليان يرتفع مع مهلة سفير فرنسا
وفي اليوم الـ32 للانقلاب، يرتفع الغليان في الشارع النيجري، مع انتهاء مهلة مغادرة السفير الفرنسي من العاصمة نيامي.
وأمس الأحد، تظاهر الآلاف قرب القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي، ملوحين بأعلام النيجر وروسيا، بينما حمل آخرون لافتات تطالب برحيل القوات الفرنسية.
وكانت حكومة المجلس الانقلابي، قد أمهلت، الجمعة، السفير الفرنسي سيلفان إيتي 48 ساعة لمغادرة البلاد، معتبرة تصرفات باريس "تتعارض مع مصالح النيجر".