انقلاب النيجر.. سؤال التوقيت وتداعيات الحدث
استتب الأمر -فيما يبدو- بالنيجر لقادة المجلس العسكري، بعد إعلانهم عزل الرئيس محمد بازوم، لكن أسئلة التوقيت ستبقى مطروحة، إلى جانب التخوف من التداعيات على مواجهة الإرهاب، والصراع الجيوسياسي في المنطقة.
لم يكن الانقلاب فيما يبدو وليد الصدفة، أو تذمر بعض القادة العسكريين من بعض تصرفات الرئيس بازوم، كما رُوج، وإنما يبدو أن التوقيت اختير بعناية، وسبقت الحدث إرهاصات تشير إلى خلاف بين مؤسسة الرئاسة، وقيادة أركان الجيش بشأن حلول أزمات الوضع الإقليمي.
هدوء في عين العاصفة
كما هو حال الدول الأخرى في منطقة الساحل الأفريقي، التي شهدت في السنوات الأربع الماضية انقلابات، ويتعلق الأمر بمالي وتشاد وغينيا كوناكري والسودان وبوركينا فاسو، فإن النيجر لم تكن محصنة ضد انقلاب عسكري بعد تجربة ناجحة لانتقال سلمي للسلطة قبل أكثر من عامين، أصبح بعدها الرئيس المعزول الرئيس المدني الوحيد في محيطه، على عكس الدول المجاورة التي يحكمها عسكريون عن طريق المجالس العسكرية الانقلابية.
ويرى خوسيه لويس مانسيا؛ الكاتب الإسباني المتخصص في شؤون الإرهاب بمنطقة الساحل، أن الانقلاب العسكري بالنيجر، لم يكن ذلك من قبيل المصادفة، وأن من يقف وراء تغيير السلطة في تلك الدول "يتبع استراتيجية محددة للسيطرة على الموارد الحيوية لهذه المنطقة".
ولفت مانسيا إلى أن "وقوع هذا الانقلاب خلال انعقاد القمة الروسية الأفريقية الثانية التي يُنظم منتداها الاقتصادي والإنساني في روسيا هذه الأيام، كان لافتا".
كل هذه الانقلابات لها انعكاسات جيواستراتيجية بسبب مواقع هذه البلدان، ولكن أيضاً بسبب مواردها، فالنيجر على سبيل المثال تتوفر على ثروات مثل الذهب والماس والنفط والفضة والقصدير واليورانيوم، يؤكد الخبير الإسباني.
ويركز الخبير الإسباني محاولا ربط انقلاب النيجر بالحاجة العالمية إلى اليورانيوم، قائلا "كان هذا المعدن مهمّاً حتى قبل بضعة أشهر، لكنه الآن أكثر أهمية منذ الحرب في أوكرانيا، حيث تبحث العديد من البلدان عن بدائل للنفط والغاز لإنتاج الطاقة واليورانيوم هو أحد الحلول".
ويذهب مانسيا في تحليله إلى أن التخطيط والتنسيق موجودان، وأن الانقلاب "هو نتيجة تنظيم وتخطيط مسبق، خاصة أن النيجر هي رابع منتج عالمي لليورانيوم. وبصرف النظر عن هذه التفاصيل، فإن النيجر هي دولة ذات أهمية كبيرة للعبور من الشمال إلى الساحل الأفريقي عن طريق ليبيا، فهي تُعتبر منطقة عبور لتدفق الأسلحة التي تصل من هناك إلى منطقة الساحل".
الحرب على الإرهاب في خطر
وبشأن تداعيات الانقلاب، يوضح الخبير الإسباني أنه "في الاجتماع الأخير لرؤساء دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في غينيا بيساو في 6 و7 يوليو/ تموز 2023، كان هناك اشتباك بين وفد بوركينا فاسو ووفد النيجر، لأن النيجيريين أرادوا إنشاء بعثة لزيارة واغادوغو".
أبرز التداعيات حتى في حال التوافق الإقليمي، هو الحرب على الإرهاب، سبق وأن رأينا أن المؤسسة العسكرية في النيجر لم تكن متفقة تماماً مع موقف الحكومة" لذلك يرى الجيش الآن "أنه من شأن رفض الانقلاب، أن يؤثر على الحرب ضد الإرهاب"، وفقا لما يرى مانسيا.
التداعيات الجيوسياسية ستكون بارزة؛ حيث تستقبل النيجر تستقبل قوات الدول الغربية التي كانت تحارب الإرهابيين في كل من مالي وبوركينا فاسو قل أن يتم طردها، وحتى ما قبل خلعه كان هناك انسجام جيد بين الغرب والرئيس النيجيري المخلوع، لذلك من حيث المبدأ يُستبعد وجود أي تقارب له مع روسيا، لكن الشكوك هي حول ما إذا كان الجيش النيجيري يحتفظ بعلاقة مع روسيا، مثل ما هو موجود في مالي أو بوركينا فاسو"، حسب ما يرى الخبير الإسباني.
هل تواجه القوات الفرنسية الانقلابيين؟
لن تنسحب فرنسا ولا أي من حلفائها من النيجر بسهولة، لأنها كانت معقلهم في وسط الساحل والجميع يدرك ما يعنيه ذلك من تشابكٍ للمصالح العسكرية وفي مجال مكافحة الإرهاب، فضلاً عن كونها أحد أكبر موردي اليورانيوم، وهو أمر ضروري للغاية في الوقت الحالي حتى يعود الاستقرار إلى سوق الطاقة العالمي"، بحسب مانسيا.
ويستعبد مانسيا أن "تكون فرنسا ولا الدول الغربية على استعداد لتنفيذ انسحاب مماثل لما وقع في مالي أو بوركينا فاسو، ويتوقع تبعا لذلك وقوع اشتباك القوات الفرنسية مع الجيش النيجيري؛ إذا كانت للسلطة الجديدة نظرة لا تتماشى مع مصالح المعسكر الغربي.
وربطت فرنسا ومن ورائها الدول الغربية علاقة وطيدة مع بازوم أثناء حكمه، وكان صوته بارزا في أزمة باريس مع باماكو، وفي نفس الوقت كان يتصدى لـ"داعش" وكتائب "القاعدة" مثل: أنصار الإسلام وحنيفة وسيكو مسلمو وغيرها، كما يعدد مانسيا.
ونتيجة لهذا الانقلاب -يقول الخبير الإسباني المتخصص بدول الساحل: "نشعر جميعاً بالقلق من تداعياته، لكن يجب ألا ننسى إرهابيي القاعدة وداعش الذين، على الرغم من أنهم لم يعلنوا عن أي موقف في هذا الشأن، سيستغلون بلا شك الحدث، إذا ما سنحت لهم الفرصة. حتى لو كان مجرد افتراض، يجب ألا نُهمل جزئية انزعاج المجلس العسكري في بوركينا فاسو من نية رئيس النيجر المخلوع، محمد بازوم، التدخل في شؤون بلدهم.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4yMTIg جزيرة ام اند امز